عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 23-01-2010, 07:10 PM   #9
ياسمين
مشرفة Non-Arabic Forum واستراحة الخيمة
 
الصورة الرمزية لـ ياسمين
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
الإقامة: المغرب
المشاركات: 2,102
Lightbulb

يعود هابرماس إلى فيبر ليحاول استنباط عقلانية تواصلية تظبط

الممارسة الأداتية التي أضعفت أواصر العلاقات الاجتماعية.

وهابرماس محق في محاولة البحث عن ما يظبط العقل الأداتي

الوظيفي داخل حقله الطبيعي، و هو يرى أن المعيارية التي

تتبلور صيغها في إطار العقلانية التواصلية هي الكفيلة بوأد

الهوة السحيقة التي تفصل بين عالمنا والأنساق.

يرجع الاهتمام بالمعيارية في عالمنا المعاصر إلى تضارب

المعتقدات، ناهيك عن اختلاف الملل والنحل داخل المجتمع

الواحد بشكل يستحيل كما يرى هابرماس، فرض تطبيقات أو

تأويلات وحيدة على جميع أفراد المجتمع في مجتمع الحداثة:

<< لا تستطيع الحداثة أن تستعير المعايير التي تسترشد بها من

عصر غابر، مثلما أنها لا ترغب في ذلك، فهي تكابد ملزمة

لتستخرج معياريتها من ذاتها، ولا يمكن لها أن تعتمد إلا على

نفسها>>[14].

إن تراجع دور المكونات التقليدية والعادات في شد أواصر

المجتمع المعاصر وتماسكه، يخول للمعايير وظيفة الحفاظ على

النسيج الاجتماعي متماسكا. فالمعايير بصفة عامة والقوانين

بصفة خاصة مرشحة أكثر من غيرها اليوم أن تلعب هذا الدور

لكبح جماح الأنساق والمنظومات الشبكية التي انفلتت من

عقالها مهددة العالم برمته، ومن هنا الدعوات المتصاعدة في

أرجاء العالم لوضع أنظمة معيارية تقنن التجارة العالمية

وحماية البيئة والتحكيم بين الفرقاء المتصارعين... على نحو

يكفل التوازن والسلم العالمي ويدعم التنمية... الخ.

لقد أصبحت إعادة النظر في المجال الأخلاقي والمجتمعي ضرورة

قصوى بالنسبة لهابرماس، بعد أن فقد الدين والتقاليد

والميتافيزيقا سلطتهم في توجيه حياة الإنسان كليا، وانحصروا

في المجال الخاص بكل فرد، أو أصبحوا عرضة لاستعمالات

مختلفة ولم يسلموا بدورهم من اللغط والإقصاء والعنف من

طرف من يدعي امتلاك ناصية القول في تأويلهما وحده من دون

سائر الآخرين.

فالمعايير صيغة ضرورية للتواصل الاجتماعي، والتواصل

الاجتماعي في نظر نيكلاس لوهمان أحد أبرز رائدي المدرسة

النسقية الوظيفية في علم الاجتماع الألماني المعاصر، عاملا

يتيح حصر التعقيد Complexité)) والانشطار الذي يلف

بالحياة الاجتماعية المعاصرة وطابعها العارض والمحتمل.

تنتج تعقيدات الفعل الاجتماعي من واقع أن الفاعلين في

مجهوداتهم التنسيقية يجدون أنفسهم أمام ركام من الخيارات

أكثر بكثير من تلك التي يمكن تحيينها، ويشير الطابع العارض

(Contingent) إلى إمكانية الفعل الاجتماعي في أن يشق

طريقا مغايرا عن التخطيط المبرمج له أو المسار الذي حدد له

من قبل داخل الحدث الاجتماعي. فالتوازن هنا توازن متحرك

وغير قار.

وللرفع من قدر الاحتمالية وعدم اليقين المسلط على الحياة

الاجتماعية اليوم، يجب التخلي عن دراسة المجتمع بصفة كلية

أو ماكرواجتماعية، والتحول عنها إلى دراسة السلوكات الحية

والمتبادلة بين الفاعلين والاقتصار على الحركة

الميكرواجتماعية.

يعني ذلك اختيار التركيز على التفاعل التواصلي باعتباره سلوك

التبادل الاجتماعي المعاصر بامتياز، فـالتواصل أصبح يلعب دورا

كبيرا في حياتنا اليومية، وهو من ناحية وظيفية يقوم على رصد

ماهو مستقر وثابت في تطلعات الناس ويمكن رصده من

زاويتين:

- فسواء يقوم بتأسيس تطلع ذهني(Attente Cognitive)

عقلاني، يقدم جملة مفاهيم ومعرفة تحليلية للواقع تصبح عملية

اكتسابها وتلقينها متيسرة بالتعليم والتربية، أو يُجبر الفاعل في

حالة فشله في التأقلم مع الوضع الجديد الذي لم يخطر على ذهنه

بتركها وعدم تلقينها أو تعلمها.

- أو سواء ينجح في تأسيس تطلع معياري((Attente

normative تصبح المعايير آنذاك صيغا لانتقاء السلوكيات

وتقنينها وظبطها بغرض الحد من الاحتمالية والتعقيد اللذان

يطبعان العالم المعاصر، إلاّّ أن التطلعات المعيارية في مجملها

تطلعات عكسواقعية[15] (Contre Factuelles) إجبارية

لا تهتم بما هو كائن وإنما بما يجب أن يكون.

لكن ذلك لا يكفي للحد من الاحتمالية والتعقيد الذي يطبع عالم

التواصل، ما لم يتم التنسيق بين التطلعات المعيارية والذهنية

في مستويات عليا، خشية أن نجد أنفسنا في حالة فوضى عارمة

لا يمكن تسييرها. لذا تتشكل الأنساق من طرف مستوى ثان من

الانتقاء، فتكرارالعمليات الانتقائية على نفسها وعلى عناصرها

يجلب تمايزا في صيغ التواصل، والتمايز هنا صيغ من صيغ

التغيير الاجتماعي. ولذلك تظهر أنساق عديدة ( الدولة، النقود،

المعايير ومنها القانون)، وهنا نجد مفتاح تمايز المجالات

المعيارية التي لم يفهمها علم الاجتماع الكلاسيكي ( دوركهايم،

ماركس، جيرفيش…الخ) إلا كمعطيات ثابتة، والتي أصبحت

اليوم تعرف عملية دينامكية وغير مستقرة في البناء.

__________________



" كان بودي أن آتيكم ,, ولكن شوارعكم حمراء ,,

وأنا لا أملك إلا ثوبي الأبيض ",,

* * *

دعــهــم يتــقــاولــون

فـلــن يـخــرج الـبحــر

عــن صمته!!!

ياسمين غير متصل   الرد مع إقتباس