الموضوع: مؤازرة
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 18-09-2008, 02:07 PM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(11)

مرت ثلاثة أسابيع على تسمية (غانم) مرشحا لعشرات العشائر، واعترف الخصوم أن هذا الشخص قد ضمن النجاح منذ الآن، ومنهم من نقل خبرا عن الإذاعة الإسرائيلية عن تسمية غانم مرشحا يضمن النجاح!

التقى (مقبل) مع مجموعة من السياسيين الذين خاضوا عدة تجارب انتخابية وفشلوا فيها جميعا، لسيادة الجو العشائري، الذي لا يقر بانتخاب أمثالهم لأي منصب. وأخذوا يقلبون الأمور ويقيمون ما حدث، وما هي الخطوات القادمة الواجب اتباعها,

سأل (يوسف) : لماذا تبرعت بألفي دولار لهذا المرشح الذي يتصف بعدم القدرة، وليس هناك أمل في أن يتعاون معنا مستقبلا؟

أجابه مقبل: لقد جربنا ترشيح أنفسنا في أكثر من مناسبة انتخابية وفشلنا بها جميعا، فلا عشائرنا تكن لنا احتراما شديدا ولا أعداد أصواتها تكفي لنجاحنا حتى لو التفت حولنا، وما دامت رئاسة البلدية وعضوية البرلمان للعشائر الكبيرة، فلا أمل لنا بالنجاح في أي مهمة. فمؤازرتنا لهذا المساح المتواضع وعشيرته قليلة الأصوات، ستكسر تقليد سيادة العشيرة الكبيرة ونتخندق وراء العمل من أجل الجميع. وبهذا نكون غير بعيدين عن الأوساط الجماهيرية، وبنفس الوقت ننمي مهارات كوادرنا ونعرف الناس عليهم، خير لنا من الاختفاء وإعلان اشمئزازنا.

وصى مقبل جماعته أن لا يجلسوا قرب بعضهم البعض في الدواوين، وأن لا يعلنوا تأييدهم لبعضهم بشكل مكشوف، وأن يتجنبوا الضحك أو الابتسام إن تكلم أحد الشيوخ، فالمكان سيكون مليئا بالحضور، فإن انكشف أمر الاستخفاف بالمتكلمين، فإن هذا الموقف سيكون له شأن كبير في تقديم أحدهم للجمهور دون أن يجد معارضة.

وافق الجميع سريعا على هذا التوجه، وبدأ التخطيط للخطوات المقبلة.

(12)


ركب مقبل سيارته بصحبة يوسف، وتوجها الى عشيرة (غانم)، وعندما مرا من زقاق وجدا منهم مجموعة تزيد عن عشرة أشخاص يجلسون على رصيف الزقاق، وكان لمقبل دالة على واحد منهم، وبعد أن سلما على المجموعة خاطب مقبل من له دالة عليه: هل تعتقدون أنه بوضعكم هذا تستطيعون إنجاح مرشحكم للبرلمان؟ إنكم لا تستطيعون إنجاح (مختار). استغرب يوسف تلك اللهجة من مقبل تجاه هؤلاء، كما استغرب قسم من أقارب غانم تلك اللهجة، ولكن صاحب مقبل ضحك وأيد قول مقبل، وطلب من الجميع أن يدخلوا الى ديوان بيته بصحبة مقبل ويوسف.

أدرك يوسف، أن تبرع مقبل بالألفي دولار قد أثمر مبكرا، فلو لم يعلم هؤلاء عن مبادرة مقبل بافتتاح حفل التبرعات الذي سيكون له شأن في تسيير أمور الحملة الانتخابية، لكانت ردة فعلهم مختلفة تجاهه وتجاه صاحبه ـ أٌقلها زجره وعدم استضافته لديهم .

امتلأ الديوان بأبناء عشيرة غانم، ولم يكن (غانم) موجودا، لم يكن لدى معظمهم علم أو خبرة مسبقة في إدارة شؤون الانتخابات. وكان أكثر من ثلثيهم لا يعرف من هما الضيفان!

طلب صاحب الديوان من (مقبل) أن يتفضل بالحديث الى الحاضرين وينصحهم بالكيفية التي سيقومون بها لتسيير الحملة الانتخابية.

حياهم مقبل تحية المساء وأضاف: إن الجميع قد زكى ابنكم ليكون مرشحا للجميع، وقد برأ الناس ذمتهم تجاهكم، وها هي قد مضت عدة أسابيع وأنتم لم تأتوا بحركة تدل على جديتكم واهتمامكم وخبراتكم بمتابعة المشوار. وتأكدوا أن هناك من ينتظر فشلكم في المبادرة ليفكر بإعادة تسمية شخص آخر غير ابنكم!

كانت تلك الكلمات كقنبلة رميت في الديوان، فتعالت الأصوات المذعورة: والحل .. الحل يا أستاذ .. خطيئة من لا يعرف برقبة من يعرف!

(13)

سارع مقبل مع يوسف لزيارة (أبي محمد)، قبل أن يتخذ موقفا يصعب تغييره، وأقنعاه بضرورة تبني المساح المرشح وتفويت الفرصة على (واثق) وجماعته الذين يرددون أنه لا نجاح لأي مرشح لا نرضى عنه.

يعلم مقبل، أن أفضل طريقة لكسب تأييد أحدهم، هي التصرف معه كشريك وبسرعة قبل إعادة تقييمه للحديث الأخير الذي دار معه، فلذلك كلف أبا محمد بالذهاب لإقناع أبي نواف وأبي سليم وأبي ابراهيم.

لم يكتف مقبل بتكليف أبي محمد، بل زار كل من كلفه بزيارتهم وطلب منهم ما طلبه من أبي محمد. كان يحفظ الكثير من المناسبات التي تحتم على من يستمع اليه ان يقف الى جانب مقبل ضد الطرف الذي ينتقي القصص المحرضة ضده. فمن قصة طلاق قديمة الى قصة اعتداء بالأيدي في مناسبة العرس، الى تكرار قول قاله أحد رموز الطرف الآخر بحق من يكلمه (مقبل)، ويحرص أن تكون الأقوال والأحداث حقيقية يعرفها من يحدثه جيدا.

استطاع الفريق الذي تحرك مع مقبل أن يصنع حالة واضحة في التجمع حول المرشح (غانم)، فكان الفريق يستخدم وسائل تعبئة خاصة تعتمد على دغدغة الآمال والأحلام لمن تتم زيارته، وأحيانا تستخدم الأرشيف في نبش إساءات حصلت لمن يتحدثون له من أجل تهيئته وتعبئته ليكون جاهزا.

(14)

اختار فريق العمل الذي ترأسه مقبل مكانا لنصب سرادق ضخم، ثم أسست لجنة للمقر مهمتها استقبال الزوار والمؤيدين والإعلان (من إذاعة المقر) عن أسمائهم وتبجيل من قام بالزيارة وتقديم الحلوى والقهوة.

لقد تم وضع وصايا صارمة للمكلفين باستقبال الزوار والمؤيدين، وذلك بالاحتفاء بمن يأتي ومرافقته واختيار مكان جلوس يليق به، ثم تقديم القهوة له، وعدم إغفال خدمة أي زائر حتى لا يكون هناك مبرر يجعل الناس ينفضّون عن مؤازرة المرشح، كما تم توصية أبناء عشيرة غانم بعدم الرد على من يهمسون غمزا أو تصريحا برأي لا يوافق أقارب غانم، وأن يبتعد أقارب غانم عن خوض نقاشات داخل السرادق ويتركون تلك المهمة للمؤيدين.

امتلأت جوانب السرادق بقطع القماش التي تعلن تأييد كل عشيرة أولا بأول، وكان الخطاط ومن يساعده لا يوفرون جهدا في إنجاز عملهم بسرعة كبيرة.

لقد كان للإذاعة الداخلية واعتماد أسلوب الكتابة على القماش أثرٌ كبير في تزايد حجم كرة الثلج في تأييد المرشح غانم، حتى إنه في أحاديث التوقعات عمن سيفوز في المقاعد الثلاثة المخصصة للدائرة الانتخابية، كان غانم يحتل المكان الأول في لائحة التوقعات كلها.

(15)

تأخر واثق وأبناء عشيرته عن إعلان تأييدهم مدة تزيد عن شهرين، ولم يكن تأخيرهم إلا من باب الرهان على أن غانم وعشيرته لن يستطيعوا البدء بمشوار المعركة الانتخابية دون مساعدة واثق وأقاربه، وإن بدأوها فإنهم سيرتكبون من الحماقات ما يجعل الناس تبتعد عن تأييدهم.

كان واثق وهو محامي من طراز رفيع، يسافر كل عام لدولة عربية لحضور مؤتمر أو لقاء على صعيد الدول العربية. ولكنه لم يستخدم تلك الميزة في تقديم نفسه للمواطنين محليا، بل هو إضافة لكونه محام جيد، وابن عشيرة يحسب حسابها في المعارك الانتخابية، فإنه كان في فترة رئيسا للبلدية شهد له الجميع بنزاهته وعدم انجراره وراء العواطف والمحاباة، وهناك من يقول أن تلك الفترة كانت سببا في جعل واثق يفشل في أي انتخابات تلت تلك المرحلة التي لم يستغلها لإقامة علاقات تفيده انتخابيا.

لم يكن واثق متأكدا من وجود من يستطيع الوقوف في وجه خططه الانتخابية، أو التأثير في عموم الناس المحسوبين على التكتل العشائري الذي ينتمي له واثق. فقد كان يعتمد أسلوبا يرتكز على قاعدة (إذا مت عطشان فلا نزل القطر) أي إن لم يضمن واثق النجاح لنفسه، فلن يجعل أحدا يفرح بنجاح. لكنه بعد التنامي الملحوظ لمؤيدي (غانم) تيقن أن الركب قد سار دون انتظاره، فجمع عشيرته وقرروا الذهاب لمقر غانم من أجل تأييده.

سارع أهل غانم بالترحيب بواثق وعشيرته، وقد تجاوزوا كل التعليمات التي وضعها لهم (مقبل) مع جماعته، فرحبوا من خلال الإذاعة الداخلية للمقر الانتخابي بنفسهم دون الاعتماد على المذيع (أستاذ اللغة العربية).

وقف مقبل مع مجموعة من أصحابه المقربين، واكتفوا بمقابلات عيونهم لبعضها، لتنقل ما يحدث بشكل بث مباشر ودون كلام!
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس