الموضوع: مؤازرة
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 19-11-2008, 10:32 AM   #9
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الجزء الثاني

انتخابات البلدية

قال أحد الحكماء: لا تناقشوا نضالكم من أجل الحرية، بل ناقشوا ما ستفعلون بحريتكم عندما تحصلون عليها.

وقال آخر: إن الرابحين يتقاربون والخاسرين يتباعدون.

(1)

تأمل الدكتور عبد القادر الجموع الغفيرة التي تواجدت هذه المرة، دون دعوة وليمة كبرى كما جرت العادة، بل جاءت لأنها انتصرت بمعركة الانتخابات البرلمانية، فاستحلت طعم الانتصار، وراق لها فكرة الكلام من أجل الكلام الذي سينسب لمن يتكلم عندما يتحقق نصرٌ. ابتسم ابتسامة سخرية متسائلا بينه وبين نفسه: هل هؤلاء يعرفون عن تخطيط المدن؟ وهل هؤلاء يعرفون عن صفات القادة المحليين؟ وهل هؤلاء يقبلون إن جاءهم من يستطيع القيام بأعمال رئاسة أو عضوية المجلس البلدي بشكل يتناسب مع المعطيات الحضارية؟ أم أن لعبة الصوت وتوزيع (الكوتة) هي الأمور التي تقرر من هو المرشح للرئاسة ومن هم المرشحون لعضوية المجلس؟

نقر (مقبل) بأصابعه على (الحاكي) وأراد أن ينبه الحضور لوجوب الاستماع لما سيقول. وبعد أن قدم (ديباجة) افتتاحية كلمته قال: إن مدينتنا بها ما يزيد عن 600 حامل دكتوراه، وأكثر من خمسة آلاف حامل شهادة جامعية أولية وهي نسبة تزيد عما في (بلجيكا)، ودأبتم كل دورة انتخابات بلدية على تقديم وجهائكم الذين يفتقرون للدراية العلمية والثقافية، وقد علمتم أن إدارة المدن تحتاج الى المزيد من المعرفة والقدرة على التخطيط واستنبات مشاريع العمل لتستوعب أبناء مدينتكم.. إن توزيع تلك الشهادات الجامعية العليا لا يقتصر على عشيرة دون غيرها، لذا نهيب بالحضور الذين سيزكون مندوبي عشائرهم للترشح لعضوية المجلس البلدي أن يراعوا هذا الجانب، وليتنحى آباؤنا وأعمامنا من الوجهاء والذين نكن لهم خالص الاحترام عن مزاحمة أبنائهم ليجربوا القيام بتحديث عمل البلدية الذي بدأ منذ عام 1927.

تعالت صيحات الهتاف والتصفيق بالموافقة، فمن يتكلم هو من مَهَد لغانم أن يصل للبرلمان وكلامه في محله. وهناك من علق على ذلك بالقول: إن أول المتكلمين هو من يرسم خط بداية الانتخابات، ولو وقف أحد غير (مقبل) ورفع من شأن الوجهاء ورجاحة عقلهم لحظي بنفس القدر من الهتاف والتصفيق.

اتفق الجميع على تسمية لجنة لتستقبل أسماء المرشحين، وقسمت العشائر التي تزيد عن 50 عشيرة الى عشرة دوائر، تكون أعداد الناخبين في كل دائرة حوالي ألف وخمسمائة صوت. وقد روعي وضع أربع عشائر يزيد عدد الناخبين فيها عن ألف ليكون لهم مرشح دون مزاحمة أحد (دول كبرى!).

(2)

تعفف الكثير من الشيوخ عن قبول تسميتهم كمرشحين لدوائرهم، ويبدو أن كلمة مقبل قد تركت أثرا في نفوسهم. وقدم إلى اللجنة أسماء 14 مرشحا، كان من بينهم محامي و مهندس ورئيس لجنة نقابية عمالية وثلاثة عقداء متقاعدين من الجيش والشرطة، ومعلم متقاعد وموظف موانئ متقاعد (ينتمي لجماعة دينية) وسكرتير بلدية متقاعد، وشيخ كان عمره فوق الثمانين وهؤلاء الذين أصبحوا فيما بعد القائمة (الشعبية) المعتمدة لهذا التجمع العشائري، فيما تم إقناع الأربعة الآخرين بالانسحاب.

أما في الجهة الأخرى، فكان هناك (فهمي) رئيس البلدية التي كانت قائمة، ومعه تسعة معظمهم من الشيوخ الذين تم انتقاءهم وفق (الكوتات) العشائرية القديمة.

كثرت الحلوى التي تقدم للمؤازرين الذين كانوا يأتون لخيمة الكتلة الشعبية، واستمرت اللجان في إعداد الخطط وأسماء المندوبين ومرافقي الحافلات التي ستنقل الناخبين والناخبات الى مراكز الاقتراع.

ودرّب المدربون الناخبات والناخبين على حفظ الأسماء، والألقاب المعتمدة في الفرز بالتنسيق مع اللجان الحكومية المشرفة على الانتخابات.

(3)

توجه الناخبون والناخبات الى صناديق الاقتراع، وانتهى الاقتراع في السابعة مساء، بعد أن وصلت نسبة المقترعين 78%.

توزع مندوبو فرز الأصوات على قاعات الفرز، وقام رؤساء اللجان بما يلزم لطمأنة المندوبين، فهذا الشمع الأحمر وهذا تقرير لجنة الاقتراع وأعداد من يحق لهم التصويت في الصندوق كذا وأعداد من صوت كذا، ثم قام بعد الأوراق الموجودة في الصندوق، ويستبعد البيضاء التي ليس فيها أسماء مرشحين. ثم طلب من الحضور أن ينتدبوا اثنين منهم للوقوف عند (الصبورة) ووضع إشارة لكل من يحصل على صوت.

أما البقية من المندوبين، فكانوا على استعداد لمتابعة الفرز، وانتبه كل منهم الى الصبورة والى الورقة التي أمامه وقد وضع عليها أسماء 26 مرشح، ينتسبون لثلاث كتل كتلتين رئيسيتين كل كتلة عشرة أسماء وكتلة للسياسيين الذين لم يستطيعوا إكمال كتلتهم وضمت ستة مرشحين. كانت تلك النماذج من الأوراق من توليف أحد المكتبات الذين لهم دراية في الانتخابات، يحضرونها ويصورونها ثم يعرضونها للبيع في مثل تلك المناسبات المتباعدة الحدوث.

كان من في القاعة يستطيع معرفة العشيرة التي ينتمي لها من كتب الورقة، حيث كان يبدأ بكتابة اسم مرشح عشيرته، ثم يذهب الى المرشحين الآخرين، وهو تكنيك لم تُفهم دوافعه حتى اليوم، فما الذي يجعل الناخب يضع اسمه أو اسم قريبه بالأول، هل كان يخشى أن تأتي أوامر بالتوقف عن الكتابة أو أنه سيصاب بسكتة قلبية قبل كتابة اسم قريبه؟ كان هذا النمط من التدوين يفضح العشائر، فعندما لا يكتب اسم مرشح في ورقة فإن المندوب للمرشح الذي حجب عنه الصوت سيعلم من أي عشيرة جاء الحجب، فيجمعها في الصندوق الذي يراقب فيه ويجمع المندوبون الآخرون مثل ذلك التصرف ويضعونها في وجه العشيرة التي مارست الحجب.

كانت معظم الأوراق تضم أسماء كتلة كاملة، وكان بعضها ينقصه اسم أو أكثر، وكان بعض الأوراق به بعض أسماء المرشحين من كتلة أخرى. وكان حظ فهمي رئيس البلدية المنتهي (دورته) أكثر الأسماء التي تظهر في قوائم الكتل الأخرى.

فازت الكتلة الشعبية بتسعة مقاعد، وفاز فهمي رئيس البلدية السابق بأعلى الأصوات، ولم يفز أحد آخر من كتلته ولا كتلة السياسيين، أما الكتلة الشعبية فقد أخفق منها أحد العقيدين المتقاعدين من الجيش، مما جعل ذويه أن يأتوا الى مكان احتفال مؤازري الكتلة وإفساد الاحتفال، متهمين الآخرين بالحجب
.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس