الموضوع: من الأرشيف
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 03-03-2009, 09:14 AM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

يبحث مع رفيقين له عن عشاء :

ضاقت الدنيا ، برزقها في أحد السنين على أهلها ، فعاش الناس بصعوبة بالغة ، و أخذ الرجال ينظرون في و جوه بعض ، علهم أن يستنبطوا من قسمات وجه من يركزون النظر به خريطة تدلهم على باب رزق .. ولما كان سوء التغذية هو السائد ، فكان البصر غير قادر على قراءة الحروف الصغيرة ..

لم يكن وقتها قد تم ايصال الكهرباء ، للمدن والقرى ، ولم يكن وقتها قد انتشرت المواصلات بشكل جيد ، ولم يكن وقتها يوجد في البلاد من شمالها الى جنوبها ، الا ثلاثة أو أربعة طرق .. وتمر فوقها بعض سيارات المحتل الانجليزي كل ساعتين او ثلاثة .. ولم يكن وقتها لو مشيت طول النهار أن تجد مطعما أو فندقا ، ولن تجد من يطرح عليك السلام ، حتى لا تقوى العلاقة ، ويدعوك لبيته لمبيت ليلك .. ان البؤس كان عاما .. والقحط وقلة الطعام هي السائدة .. فلا البشر يجدوا ما يسد جوعهم ولا حيواناتهم تجد ما يسد جوعها ..

لقد قرأ أبو شوفة في عيون أصحابه ، أن يهيموا على وجوههم ، علهم يجدوا أحدا يعطيهم بعض الجمال أو الأغنام ليبيعوها في مكان ما ، ومن ثم يردون له أثمانها ، مع الاحتفاظ في بالربح يعيشون به هم و عيالهم .. وما كاد يعلن فكرته لرفيقيه ، حتى وافقا بأقصى سرعة ، لقلة الخيارات التي كانت أمامهم ..

ولما كان الفجر ، أعدوا لهم زوادة ( طعام سفر ) ، حتى يأكلوها ، عندما يجوعون ، وحملوا معهم بعض الماء ، و مشوا على أرجلهم ، حيث لم يبقى لدى معظم سكان القرية ، الا القليل من مقتنياتهم التي يمكن بيعها والتصرف بأثمانها لمواجهة سنين الجدب و القحط الأربعة التي مروا بها ..

تعمقوا بالبادية علهم يجدون ضالتهم .. ولكن دون جدوى .. لم يجدوا من يستقبلهم لتناول بعض الطعام ، ولا من أجل المبيت .. وقد خلصت زوادتهم من يومين .. والجوع آلمهم كثيرا .. لم يكونوا يحملوا معهم سلاحا ، حيث في سنين الخير لم يكن سلاح أحدهم سوى ( شبرية ) خنجرا ، وعصا ..

وقد دخلت ليلتهم الرابعة وهم هائمون على وجوههم، وكان الوقت بعيد صلاة العشاء ، فقد تراءى لهم ضوءا أكثر وضوحا من باقي بيوت الشعر ( الخيام ) الأخرى .. فقادتهم تجربتهم نحوه ، علهم يجدون من يستقبلهم ، ويطعمهم .. فقد كان البيت لأحد البدو ، الذي كان قد نذر أن يقرأ ( المولد الشريف ) بعد أن فكه الله من لدغة أفعى ..

تيقن أبو شوفة أن فطنته الآن هي على المحك .. فطلب من رفيقيه أن يقدمانه عليهما ، ويناديانه باسم ( الشيخ ) .. فأصبحا يكرران لفظ ( شيخ ) بصوت عال وهم مقبلون على بيت البدوي .. حتى سمعهم من في الداخل . فقام أحد من في البيت وخرج يستقبلهم ، وهو مستبشر ، لقد أتى من سيقرأ لهم ( المولد) .. فسأل أبا شوفة : هل تستطيع قراءة المولد يا شيخ ؟
فأجابا رفيقاه معا : ان الشيخ أفضل من يقرأ المولد .. لكن ما اسم صاحب الديوان هذا ؟
فأجابهم : انه يعود ل ( داوود الرباح ) ..
دخل أبو شوفة ، فقام من في الديوان و أفسح له مكانا متصدرا .. ورحبوا به ، وطلبوا منه قراءة المولد ..

وكونه أمي لا يقرأ ولا يكتب ، لكن فطنته أسعفته حيث بدأ
صلوا يا أهل الفلاح ...... ع النبي زين الملاح ..
و من في الديوان يرد وراءه بصوت عال ، طربين .. ومتمايلين
فعندما ينسى ما كان قد سمعه في قراءة المولد في بلده .. يؤلف من عنده
كلبة داوود الرباح ... ولدت في هذا المراح

يا عرب اجروا وراها .... وتعطروا من خراها

فلم يكتشف أمره ، لجهل من كان في الديوان .. فكرم ليلتها و تعشى هو ومن معه .. وباتوا ليلتهم ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس