عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 23-05-2007, 09:09 PM   #10
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="11 70"]أما محمد الحليوي فيصف المرأة عند الشابي بوصفها النصف الجميل الذي يحمل في قلبه رحيق الحياة وسلسبيل المحبة وهي الطيف السماوي الذي هبط الأرض ليؤجج نيران الشباب ويعلّم البشرية طهارة النفس وجمال الحنان وهو الشابي لا يذكر امرأة مخصوصة ولا واقعة بعينها وإنما يذكر المرأة والحب فكأنه يصف فكرة لا امرأة ويصور مثلاً أعلى لا امرأة من لحم ودم وربما كانت حرارة شعره الغزلي ولهفته الصادقة متأتيتين من حرمانه من الاتصال بالمرأة التي توحي إلى الشاعر وتوجه عاطفتة وجهتها الفنية.

-وقد حلت كارثة أخرى على الشابي في هذه الفترة وهي وفاة والدة وهي كارثة كبرى ففي مطلع عام 1348 هـ 1929 مرض الشيخ محمد الشابي مرضه الذي مات فيه وكان لايزال في زغوان ولم يكن ابو القاسم الشابي قد نال إجازة الحقوق بعد وشغل الشاب الناشء بتمريض والده فكان عبئاً ثقيلاً على كاهله الواهن من الناحية المادية والنفسية.

-ويبدو أن الوالد شعر بدنو أجله فرغب في الانتقال إلى توزر ليموت في مسقط رأسه وتم له ذلك في صفر من تلك السنة وتوفي الشيخ محمد الشابي في الثالث من ربيع الثاني من عام 1348 هـ الموافق 8-9-1929.

-وقد كانت وفاة الوالد خسارة مادية وكانت رزية أدبية هزت من نفس شاعرنا وزعزعت نظامه بل كانت أعظم رجة أصيب بها قلبه وأكبر مصاب نزل به في حياته وبموت الوالد ألقيت على أعبائه هائلة كبيرة ولقد زاد من هذا الثقل أن الشابي لم يلج باب الارتزاق من المناصب الحكومية ضناً بحرية الأديب الشاعر ومع هذا كله فقد أتم دراسته ونال إجاوى الحقوق في عام 1349هـ 1930م. ومضى زمن كان الشابي فيه حزين تاعساً بعد وفاة والدة مثقلاً بإعباء الحياة. ثم عاد بعد فترة من الزمن إلى وهج الحياة ويبدو أن صحته قد تحسنت آنا ذاك وعاد إلى الحياة وقد أكد ذلك في قصيدته الاعتراف.

في النادي الأدبي وجمعية الشبان المسلمين:

في عام 1925 بدأت صلة الشابي بزين العابدين السنوسي الذي كان قد أصدر صحيفتة " العالم الأدبي" في ذلك العام فأخذ ينشر له القصائد ويقدمها بما يدل على الاعجاب ثم خصه بمختارات كثيرة في كتابه " الأدب التونسي في القرن الرابع عشر " الهجري. مما ساعد على انتشار شهرة الشابي بوقت قصير بعدها أنظم الشابي للنادي الأدبي الذي كان يظم أعضم أدباء تونس وفي النادي الأدبي القى الشابي محاضرته الأولى في حياته الأدبية العامه في العشرين من شعبان 1347 الموافق الأول من فيفري 1929 وموضوعها " الخيال الشعري عند العرب " وبعد ذلك بقليل تأسست بتونس الحاضرة جمعية الشبان المسلمين فكان العلامة المختار ابن محمود رئيساً لها والشابي كاتب مجلسها أو أمين السر فيها.

يبدو بوضوح أن الشابي كان يعلم على أثر تخرجه في الزيتونة أو قبلها بقليل أن قلبه مريض ولكن أعراض الداء لم تظهر عليه واضحه إلا في عام 1929 وكان والده يريده أن يتزوج فلم يجد أبو القاسم الشابي للتوفيق بين رغبة والده وبين مقتضيات حالته الصحة بداً من أن يستشير طبيباً في ذلك وذهب الشابي برفقة صديقة زين العابدين السنوسي لاستشارة الدكتور محمود الماطري وهو من نطس الاطباء ، ولم يكن قد مضى على ممارسته الطب يومذاك سوى عامين وبسط الدكتور الماطري للشابي حالة مرضه وحقيقة أمر ذلك المرض غير أن الدكتور الماطري حذر الشابي على اية حال من عواقب الاجهاد الفكري والبدني وبناء على رأي الدكتور الماطري وامتثالاً لرغبة والده عزم الشاي على الزواج وعقد قرانه.

يبدو أن الشابي كان مصاباً بالقلب منذ نشأته وأنه كان يشكو انتفاخاً وتفتحاً في قلبه ولكن حالته ازدادت سوءاً فيما بعد بعوامل متعددة منها التطور الطبيعي للمرض بعامل الزمن والشابي كان في الأصل ضعيف البنية ومنها أحوال الحياة التي تقلّب فيها طفلاً ومنها الأحوال السيئة التي كانت تحيط بالطلاب عامة في مدارس السكنى التابعة للزيتونة. ومنها الصدمة التي تلقاها بموت محبوبتة الصغيرة ومنها فوق ذلك إهماله لنصيحة الأطباء في الاعتدال في حياته البدنية والفكرية ومنها أيضاً زواجه فيما بعد.لم يآتمر الشابي من نصحية الأطباء إلا بترك الجري والقفز وتسلق الجبال والسياحة ولعل الألم النفساني الذي كان يدخل عليه من الاضراب عن ذلك كان أشد عليه مما لو مارس بعض أنواع الرياضة باعتدال.يقول باحدى يومياته الخميس 16-1-1930 وقد مر ببعض الضواحي : " ها هنا صبية يلعبون بين الحقول وهناك طائفة من الشباب الزيتوني والمدرسي يرتاضون في الهواء الطلق والسهل الجميل ومن لي بأن أكون مثلهم ؟ ولكن أنى لي ذلك والطبيب يحذر علي ذلك لأن بقلبي ضعفاً ! آه يا قلبي ! أنت مبعث آلامي ومستودع أحزاني وأنت ظلمة الأسى التي تطغى على حياتي المعنوية والخارجية".

وقد وصف الدكتور محمد فريد غازي مرض الشابي فقال: " إن صدقنا أطباؤه وخاصه الحكيم الماطري قلنا ان الشابي كان يألم من ضيق الأذنية القلبية أي ان دوران دمه الرئوي لم يكن كافياً وضيق الأذنية القلبية هو ضيق أو تعب يصيب مدخل الأذنية فيجعل سيلان الدم من الشرايين من الأذنية اليسرى نحو البطينة اليسرى سيلاناً صعباً أو أمراً معترضاً ( سبيله ) وضيق القلب هذا كثيرا ما يكون وراثياً وكثيراً ما ينشأ عن برد ويصيب الأعصاب والمفاصل وهو يظهر في الأغلب عند الأطفال والشباب مابين العاشرة والثلاثين وخاصة عند الأحداث على وشك البلوغ ". وقد عالج الشابي الكثير من الأطباء منهم الطبيب التونسي الدكتور محمود الماطري ومنهم الطبيب الفرنسي الدكتور كالو والظاهر من حياة الشابي أن الأطباء كانوا يصفون له الإقامة في الأماكن المعتدلة المناخ.

قضى الشابي صيف عام 1932 في عين دراهم مستشفياً وكان يصحبه أخوه محمد الأمين ويظهر أنه زار في ذلك الحين بلدة طبرقة برغم ما كان يعانيه من الألم ، ثم أنه عاد بعد ذلك إلى توزر وفي العام التالي اصطاف في المشروحه إحدى ضواحي قسنطينة من أرض القطر الجزائري وهي منطقة مرتفعة عن سطح البحر تشرف على مساحات مترامية وفيها من المناظر الخلابة ومن البساتين ما يجعلها متعة الحياة الدنيا وقد شهد الشابي بنفسه بذلك ومع مجيء الخريف عاد الشابي إلى تونس الحاضرة ليأخذ طريقة منها إلى توزر لقضاء الشتاء فيها. غير أن هذا التنقل بين المصايف والمشاتي لم يجد الشابي نفعاً فقد ساءت حاله في آخر عام 1933 واشتدت عليه الآلام فاظطر إلى ملازمة الفراش مدة. حتى إذا مر الشتاء ببرده وجاء الربيع ذهب الشابي إلى الحمّة أو الحامه ( حامة توزر ) طالباً الراحة والشفاء من مرضه المجهول وحجز الأطباء الاشتغال بالكتابة والمطالعه. وأخيراً أعيا الداء على التمريض المنزلي في الآفاق فغادر الشابي توزر إلى العاصمة في 26-8-1934 وبعد أن مكث بضعة أيام في أحد فنادقها وزار حمام الأنف ، أحد أماكن الاستجمام شرق مدينة تونس نصح له الأطباء بأن يذهب إلى أريانا وكان ذلك في إيلول واريانا ضاحية تقع على نحو خمس كيلومترات إلى الشمال الشرقي من مدينة تونس وهي موصوفة بجفاف الهواء. ولكن حال الشابي ظلت تسوء وظل مرضه عند سواد الناس مجهولاً أو كالمجهول وكان الناس لا يزالون يتساءلون عن مرضه هذا : أداء السل هو أم مرض القلب؟.

ثم أعيا مرض الشابي على عناية وتدبير فرديين فدخل مستشفى الطليان في العاصمة التونسية في اليوم الثالث من شهر اكتوبر قبل وفاتة بستة أيام ويظهر من سجل المستشفى أن ابا القاسم الشابي كان مصاباً بمرض القلب.

توفي أبو القاسم الشابي في المستشفى في التاسع من اكتوبر من عام 1934 فجراً في الساعة الرابعة من صباح يوم الأثنين الموافق لليوم الأول من رجب سنة
[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس