عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 11-07-2010, 12:24 PM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

5ـ ما بعد الانفصال وما بعد نكسة الخامس من حزيران/يونيو 1967

قد يكون فشل الوحدة العربية بين مصر وسوريا، ضربة موجعة لدعاة القومية والوحدة العربية، وهناك من يستخلص منه نصراً للمثقفين الوحدويين على السياسيين الوحدويين، أمثال المرحوم عبد الله عبد الدائم في كتابه (القومية العربية والنظام العالمي الجديد) الصادر عن دار الآداب عام 1994.

لقد امتلأت دنيا العرب في الخمسينات والستينات من القرن الماضي بالأصوات الداعية للوحدة، والتحرر والعدالة وتناقل السلطات بطريقة سلسة تعتمد المواطنة أساساً، ولو استعرضنا الأقطار العربية آنذاك لوجدنا 70% من الدول (من حيث السكان والمساحة: الجزائر، السودان، مصر، اليمن، العراق، سوريا) ترفع شعارات متشابهة تنادي بالوحدة والتخلص من الكيان الصهيوني، وكانت شعاراتها متشابهة (ضد الصهيونية والإمبريالية والرجعية). ولو أخذنا حقيقة كل دولة لرأينا كيف كانت منكفئة قطرياً، وتنمي مهاراتها في ملاحقة خصومها المحليين وحتى العرب منهم، وبالذات أولئك الذين ينتمون لنفس التوجه الفضفاض.

وبالقدر الذي كان المواطن العادي يترقب التخلص من الكيان الصهيوني، ويتذمر من طول مدة بقاءه دون مناوشات أو حروب، وكأن المواطن كان متيقناً من عجز الكيان الصهيوني في مطاولة تلك الدول المتحفزة للتخلص منه، وبنفس القدر من الثقة، جاء الشعور بالخيبة بعد هزيمة تلك الأنظمة.

لقد كانت هزيمة 5 حزيران/يونيو 1967 أشبه بالطلاق الثاني بين المواطن العربي والنهج القومي الذي خذله. لقد كانت حرب الاستنزاف ومعركة الكرامة ونضال المقاومة المسلح ومن بعده حرب تشرين/أكتوبر 1973 محاولات لتحسين العلاقة بين الجماهير وما تبقى من أشكال الحكم القومي الاتجاه، لكن ما حدث بعد جرجرة المقاومة الفلسطينية من مكان الى مكان بتعاون وتنسيق بين كل الأنظمة العربية الرسمية، بما فيها من هو محسوب على الخط القومي، وما تمخضت عنه حرب 1973 من تجميد النشاط العسكري بين الدول العربية والكيان الصهيوني، بالإضافة الى اتفاقية (كامب ديفيد) التي أخرجت مصر من معسكر الخط القومي نهائياً ، وقع الطلاق الثالث، الذي لا رجعة فيه إلا بعد..

ضياع فرصة تاريخية

في الوقت الذي كانت الأقطار العربية، تحصل على استقلالها الوطني تباعاً، كان العالم منشغلاً في تضميد جراح الحرب العالمية الثانية، ولا زال بعضنا يتذكر كيف أن بعض الطلاب السوريين المبعوثين الى إيطاليا للدراسة الجامعية، كانوا يعودون الى بلدهم لأن الوضع المقزز في إيطاليا لم يكن يُطاق (عام 1957)!

لم تكن المؤسسات الإمبريالية قد أكملت إعادة بنائها لتقوم بأدوارها التاريخية التي قامت بها بعد عشرين عاما من نهاية الحرب العالمية الثانية، ولم يكن الكيان الصهيوني قد وصل الى ما وصل إليه في تثبيت أقدامه، ولم تكن الحكومات العربية المتخاذلة قد احترفت بعد توثيق أوراق خصومها وملاحقتهم.

ولكن أصحاب الخطاب العربي القومي والذين لم يكن قد اشتد عودهم بعد، كانوا يرفعون شعارات أكبر بكثير من إمكانياتهم. لقد كان خطابهم يعتمد إثارة الهمم الطيبة فقط، فكان أدائهم السياسي يعتمد التجريب أكثر من العمل المعتمد على دراية سياسية ومؤسسات قادرة على إنجاز وتحقيق المطالب الشعبية، وبالإمكان ذكر بعض ملامح الأداء السياسي العربي لتلك الحكومات:

1ـ ما أن يحدث انقلاب أو ثورة (حسب تسمية القائمين به) إلا وكان يتهافت على نيل رضاه أو رضاها الكثير من الأصناف التي قد تكون سبباً في إنهاء الحكم. فينخرط في جوقة الحكم وهالته المحيطة بالمركز، آلاف بل مئات الألوف ممن لهم غايات قد تختلف مع من جاء بالانقلاب أو الثورة، على افتراض حسن نوايا القائمين بها.

2ـ ترقب دوائر الاستخبارات العالمية، فسيفساء الدائرة الأولى المحيطة بالمركز، والدوائر التي تليها، فتختار بعض الشخوص الذين يقومون بأدوار تصب في مركز الحكم، وتخترع لهؤلاء الشخوص بؤر مشاكل يساعد الجو المفعم بالهواجس الأمنية من تفجيرها.

3ـ شكلت الخسائر المعنوية للدول المحسوبة على الحكم ذي التوجه القومي، بيئة خصبة لنمو أو لبذر تيارات لم تعهدها شعوب تلك المنطقة:

أ ـ التيار الأممي الماركسي: وجد أنصار التيار الماركسي، في إخفاقات التيار القومي فرصة لتجديد خطابهم في المنطقة، أو بالأحرى لتصحيح خطابهم بالمنطقة، ولكنهم بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وجدوا أنفسهم مطالبين بإيضاحات أكثر من التي طلبوها من الخط القومي.

ب ـ التيار الإسلامي السياسي: اعتمد الإسلاميون السياسيون أسلوباً في التعامل مع انهيار الدولة العثمانية، يتسم بالذكاء، فهم لم يخوضوا بتفاصيل أسباب انهيار الحكم العثماني، بالقدر الذي كانوا فيه يترحمون على أيامه، خصوصاً وأن ما حل بالأمة بعد انهيار الحكم العثماني، فكان خطابهم منصباً على تحميل التيار القومي مسئولية الإخفاقات، وكأن التيار القومي هو المسئول عن ضياع الأندلس!

ج ـ برز تيارٌ يتهيأ لمن يريد تصنيفه، أنه ليبرالياً، في حين لم يكن له من الليبرالية شيء، إلا الافتنان بها، لترسيخ المصالح الفئوية القطرية وتدعيم المكاسب الفردية المستفيدة من حالة التشرذم. فكانت السخرية لا تتوقف عند التيار القومي بل وتتعداه الى التيارين الماركسي والإسلامي (السياسي).

ما السبب الحقيقي وراء الدعوة القومية؟

كان في العالم عام 1951 عددٌ من المنظمات العالمية المتكونة من عدة حكومات (Intergovernemental international organization) وكان عددها آنذاك 123 منظمة، ثم ارتفعت الى 365 منظمة عام 1984. أما المنظمات غير الحكومية فقد ارتفع من 832 منظمة عام 1951 الى 4615 عام 1984. وكانت الدوافع الحدودية (الجوار) مع الدوافع الاشتراك باللغة تشكل أكثر من 90% وراء تشكيل مثل تلك المنظمات*1.

وعادة فإن الأسباب الحقيقية وراء مثل تلك المنظمات هي تقوية التجارة البينية بين الدول المجاورة وتحقيق اتفاقيات أمنية وتأمين الجوار لغايات الاستقرار وضمان المواقف السياسية في المحافل الدولية والاستناد المعنوي لمثل تلك العلاقات لرفع شأن الدولة القطرية لتعزيز موقعها الدولي الخ.

لكن، قد تكون أسباب تأخر تشكيل الدولة القطرية العربية والتي تحظى باعتراف شرعي شعبي (من شعبها) ودولي. قد جعل من ترديدها للخطاب القومي ووقعه على الآخرين وكأنه كما يقول المثل (زغرودة حية [أفعى])، فكان لهذا الترديد الوقع السيئ العكسي.

الإرادة والثقافة القومية والأمة: من يُمهد لِمن؟

يقول أرنست جيلنر: إن النزعة القومية (Nationalism) هي التي تولد الأمم (Nation) وليس العكس*2. لابد من الاعتراف أن النزعة القومية تستخدم الوفرة الثقافية أو الثروة الثقافية السابقة، الموروثة تاريخيا على نحو انتقائي، وتحولها تحويلاً جذرياً. فاللغات الميتة تعود الى الحياة، والتقاليد تُختلق، والنقاوات الأصلية الخيالية تُستعاد. ولكن لا يجوز التصور بأن النزعة القومية اختراع أيديولوجي مصطنع وطارئ، كان من الممكن ألا يحصل لولا أن المفكرين الأوروبيين ضخوا هذه النزعة في عروق جماعات سياسية حية!

إن عبادة الذات الفردية أو الجماعية، تشبه الى حد كبير بذور بعض نباتات المراعي، التي تسبت لسنوات طويلة، فإن جاءت الظروف مواتية فإنها ستجدد نفسها. لكن عبادة الذات الجماعية كملمح من ملامح القومية لا تحتاج الى تلك السنين الطويلة، فقد تستفز ويعاد مشهدها برفع العلم الوطني أو بالسلام الوطني أو بذكر بطلٍ أو معركة حدثت قبل مئات السنين، أو من خلال الاستفزاز بالانتقاص أو السخرية من قبل آخرين، فإن النفس القومي (عبادة الذات الجماعية) سرعان ما يُعاد تشكيلها في نفسية الفرد أو الفئة أو الشعب.


ويقود مسيرة النمو في تلك العبادة الثقافة القومية العليا، هنا لا بد من الوقوف عند كلمة عليا، فالعليا عند العربي هي ليست نفسها عند الكردي أو الأمازيغي، فإرادة الأخيرين تستحضر ثقافتهما العليا لتقف في وجه الثقافة العليا المفروضة من قبل العربي. حتى الإرادة المشتركة للأطراف الثلاثة لن تستطيع تلطيف وقف أثر الاستعلاء الدفين الوارد في لهجة القومي العربي، من هنا يهرب من لا يحبذ الحديث في مثل تلك المواضيع لجهة (كلنا مسلمون) ليجد من ينتظره من الأقباط والمسيحيين العرب وأبناء الديانات الأخرى!

يتبع



هوامش:

*1ـ ديفيد هيلد، (وداعاً للدولة ـ الأمة) مجلة الماركسية اليوم/ كانون الأول/ ديسمبر 1988 ص 15.
*2ـ القومية: مرض العصر أم خلاصه؟/ مجموعة كتاب/ دار الساقي 1995/ صفحة 37

__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس