عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 05-04-2006, 06:42 PM   #18
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الإطار المرجعي للفكر العربي :

( 2 )

لو كان أحدنا في نقطة مكانية ، فان الاتجاهات التي يقررها عن الأمكنة الأخرى هي غيرها عند من يقع شمالا منه ، فان الآخر عندما يتكلم عن الأول فانه يحدد مكانه جنوبا منه .. وتكون الأمكنة بعيدة أو قريبة ، عالية أو منخفضة وفقا لمكان وجود المتكلم .. كما هي الحالة عند رواد فضاء والحديث عن الكواكب والنجوم ، فيما بينهم .. تكون المركبة التي يتحدثون فيها هي الإطار المرجعي لتحديد جهات و مواضع و أبعاد ما يتكلمون عنه ، فوق ، تحت ، أبعد ، أقرب .. وفق إحداثيات المكان الذي يتكلم به المتكلم ..

عند الشعوب ، يكون الإطار المرجعي ، في الوعاء الثقافي المتكون لدى الشعب على مر السنين . ولكن لما كان من الصعوبة بمكان أن تتجسد الثقافة وتتمثل في باطن كل فرد بالتساوي مع أفراد الشعب ، لتصبح عنده ( لا شعور ) وهي ما تجعل الناس ( يعقلون ) الأمور بنفس الدرجة ، ويصبحوا متساوين فيها ، برزت مسألة عامة وهي تصف شعبا كاملا بصفة عقلية عامة ، لا يتصف بها غيره من الشعوب .. فتجد قبائل مثل (آرابيش ) و (تشومبولي) في مناطق غينيا بيساو ، تنظر للمرأة على أنها هي فارس القبيلة لا الرجل .. وتجد في السويد أن الناس ينظرون للعروس التي حافظت على عذريتها نظرة ناقصة !

إن تكوين الأحكام و التقييم للأشياء ، ينبع من المخزون الثقافي و المعرفي لأبناء شعب ، فيصبح هذا العمل عيبا مشينا ، وهذا العمل كله نبل و بطولة استنادا للصور التي حملها المخزون الثقافي ، الذي تكون لهذا الشعب ..

ان حدود المخزون الثقافي عند العرب تاريخيا ، بدأت عام 143 هـ ، وهو بداية عصر التدوين أيام الخليفة العباسي (المنصور ) ..

وعندما بدأ التدوين ، كان الأساس منه ، هو تدوين الأحاديث النبوية الشريفة ، فبرزت نشاطات في مكة و المدينة المنورة والكوفة والبصرة ودمشق وغيرها من الحواضر العربية ، وكان هذا النشاط الجماعي قد استلزم وجود تقنيات معينة ليكتسب صفة ( علم الحديث ) .. وقد رافقه نشاط لتكوين أسس لغوية مساعدة ، لتدوين النصوص لتك الأحاديث ، وكان يقال لمن يتكلم أنه يتكلم عن ( علم) ويميز عن ( الرأي ) لمن لا يتكلم وفق شروط ( علم الحديث ) .

لكن ( الرأي) لم يكن بعيدا عن نشاط العلم ، بل كان الرأي هو ( العقل) الذي يعطي صبغة ( المعقولية ) على حديث دون آخر .. وظهرت العنعنة ( من فلان عن فلان عن فلان) .. ويختم الراوي ( رأيه) بقوله حديث ( صحيح) .. ولما كان من غير المعقول أن يكون هناك حديثا ( صحيحا) بشكل قطعي ، كما لم يكن هناك حديث غير صحيح بشكل قطعي .. ولكن صحته من عدم صحته ، جاءت وفق ملائمة ذلك النص مع ما يمتلك الراوي من قناعات تعطيه أحقية أن يطلق عليه ( حديث صحيح ) .. وهذا ما جعل بعض الطوائف الإسلامية فيما بعد بسرد أحاديث ، لا تجيزها طوائف أخرى ..

علينا أن نعرف أيضا ، أن التدوين لم يكن إنتاجا بحد ذاته ، بل كان محاولة توثيق ما أنتج من قبل عصر التدوين خوفا من ضياعه ، فكان يخضع لغربلة و تمحيص و إضافة رأي المدون الذي لم يكن بعيدا عن عين الدولة ، ولذا فإن آراء المدون ( عقله ) سيراعي جانب رضا الدولة في حدود معينة ، وإلا لما وصل الينا ما دونه ، هذا فيما يخص الآراء التي قد تمس العدالة و أحقية الحاكم في تولي الحكم الخ ..

أما فيما يخص الأشعار والآداب و غيرها ، فكان هذا المنحى يحمل معه أهواء المدونين و آراءهم ..

إذن هذه حدود الوعاء الثقافي ( للعقل العربي ) .. حيث تشكلت بداياتها في عصر التدوين ، ومن خلال رؤية و تذوق ( إيبستولوجيا ) كانت قد تشكلت في ذلك العهد .. هل بقيت تلك الظروف قائمة وشاهدة على الموروث الثقافي أم تغيرت الآن .. وكم لها من تأثير على الحالة الإيبستمولوجية الراهنة ؟
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس