عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 09-11-2009, 08:12 AM   #485
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

إذا قررنا أن الإنسان هو وليد هذه الأحداث التي يعايشها وإذا فرغنا من ارتباط الأدب بكل فنونه بالواقع الاجتماعي والثقافي للأفراد والجماعات ، فإننا حينما ننظر إلى هذا النص نجد المعنى الاجتماعي للفن حاضرًا بقوة ، وهو ذلك الجانب المتعلق بالقضية . ولعل العنوان صورتان
من العناوين المكررة المنتشرة ، والذي يختزل أشياء كثيرة كان لابد من أن يعطي مفاتيح لها،لكن عندما نربط بين الموضوع والعنوان نجد العنوان كأنه إشاحة إلى القارئ ليختار أحد الشيئين .
أو .. هو لفت لانتباه القارئ لهذين الصنفين من البشر ، والذَين يعبران عن نمطين مختلفين قد يفهم البعض أنه تناقض ، والملاحظ على هذا العنوان أنه حيادي للغاية لا تكاد تستبين منه انحيازًا نحو أحدهما ،فلا تدري أمُدين هو ذلك الوضع أم متسامح معه ؟ هل يبعث لك برسالة مفادها أن الحياة الإنسانية بتعقيداتها واضطراباتها تقبل الصورتين معًا ؟ أم أن الإنسان لابد أن يصبح أحد الصورتين ملغيًا الصورة الأخرى ، ليقع في نطاق التحية أو الإدانة ؟
عمومًا ما وراء النص ليس جليًا مطلقًا ، ولنترك ذلك لمن هم أشد قدرة على قراءة ما وراء النص وأقدر على تبين القرائن النصية المؤيدة لأحد الاتجاهات في عملية التفسير ولكن لنتعامل مع الصورتين كما هما تعاملاً وصفيًا باعتبارهما يمثلان بناءً إبداعيًا مميزًا.
***
يمضي مبدعنا العزيز في المقطع الأول معبرًا عن جوانب من حياة هذه الفئة المناضلة ، تلك التي تركت القلوب خلفها ومضت وأصوات ضحكتها تعلو على الموت.
تركوا قلوبهم خلفهم ومضوا
أصوات ضحاكتهم تعلو على الموت ِ
عاشقون و مقهورون ..
لم يلبسوا قميص السنوات
لم يدخلوا خارج العمر
ويأكلوا غزل البنات
احتوت هذه الأسطر على مجموعة من الأساليب الفنيةو البلاغية
المميزة والتي تمثلت في تضاؤل الدلالة أو الانحسار المعنوي للقلوب،
إذ تغدو شيئًا كالمتاع الرخيص وتبين هذا التعبير قيمة الحياة بالنسبة
لمن ارتضى النضال سبيلاً ، وثمة ملاحظة يُتطرق إليها فيما بعد بإذن
الله تتعلق بشيء هام للغاية وهو عمومية الفكرة وإنسانية التناول حيث
لاتتلعق بمكان ولا زمان ولا جنس ولادين..
ويأتي التعبير قميص السنوات معبرًا بشكل كبير عن هذا الزيف ،إذ تغدو
السنوات رداء ومظهرًا خارجيًا للحياة بينما ما يعتمل في القلب هو هذا
الجسد فعلاً ، وكانت الاستعارة جاعلة من السنوات صفة الجسد
واستعارت له صفة من صفاته وهي الثوب.
ويأتي بعد ذلك التعبير يدخلوا خارج العمر ، إذ تستخدم فكرة الاستخدام العكسي
للفعل ، من خلال جعل الحياة هي الباب الخارجي للعمر بينما تظل الفدائية
والاستشهاد هي الحياة الحقيقية . وثمة تعبيرات كالصعود إلى أسفل والدخول للخارج
وغيرهما من التعبيرات تأتي كناية عن المفارقة الهزلية والوهم المتمثل في حدوث
حركة عكس الاتجاه المضاد حتى يصبح العكس هو المبتغى والمتحقَقَ من غير أن يشعر الفرد
والتعبير غزل البنات جاء معبرًا في إتقان عن الترف الفكري والانعزال
عن الحياة ،وذلك في تورية ذكية تجعل من هذه الحلوى تعبيرًا بطريقة
الإشارة وتعريضًا (تلميحًا ) بالليونة والوهن الشديدين من خلال لفظة البنات
والتي تدين بشكل غير مباشر شبابًا ليس لهم إلا هذا الأمر كأن شبابًا غذاؤهم
غزَل البنات وليس غزْل البنات ، وحتى لفظة غزل البنات ، فما عساها البنت غازلة؟
أتغزل ثوب حرب؟ كلا إن البنت هي أنثى رقيقة لم تتجاوز الثانية عشرة من عمرها ،وجل
ما تستطيع فعله أن تغزل ثوبًا لدميتها ! لذلك يجئ لفظ غزل البنات معبرًا بذكاء كبير عن
هذا التدني في الواقع الذي يدينه المبدع العزيز . والأداة (لم) إذا كانت تجزم شيئًا عن
هؤلاء الفتية فإنها -بشكل غير مباشر - تثبتها لغيرهم ، كأن بقية العبارة :
لم يدخلوا خارج العمر كما يفعل الجميع ، ويأكلوا غزل البنات كالمعتاد ..
والعشق حينما يزاوجه القهر فإنه يصنع هذا الفعل المذهل ، إذ تتوافر في العشاق
حواس استثنائية للتفاعل مع القهر تلكم الحواس التي تجعل للعشق معنى آخر يتجلى
في هذه المقطوعة :
رأيتهم حين أعدوا أرواحهم للغياب ِ
ينثرون أسمائهم
و يشربون منكأس التمني
رأيتهم يلعبون كرة الشمس ِ
يمشطون جدائل ليلتهم ..يقبلون خدالقمرْ
و يغفون كالبحرْ
رأيتهم حين توضأوا بالسحاب ِ..
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس