عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 16-06-2008, 07:07 AM   #14
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل التاسع: ما بعد الأحكام المسبقة ..

قدمه: روبارتو سيبرياني و ماريا مانسي .. أستاذان في جامعة روما ..

الثقافة والأيديولوجيا

منذ أن اخترع الفرنسي (ديستيت دي تراسي ) مصطلح الأيديولوجيا عام 1804 كعلم الأفكار، والمصطلح يتذبذب بين مؤيد له كواقع ثابت، كماركس وإنجلز وبين من استنكره واعتبره ضربا من الميتافيزيقيا التي لا حدود لها ولا تعريف واضح، وكان نابليون أول المهاجمين لمخترعي هذا النمط من النشاط الذهني.

كما أن الثقافة هي الأخرى لم تسلم من اجتهاد في تعريفها، ولا تزال حتى اليوم لا يستقر لها تعريف. وكان أول تعريف أنثروبولوجي للثقافة على يد (تايلور) إذ عرفها قائلا: (الثقافة أو الحضارة في معناها الاثنوغرافي الواسع هي هذا المجموع المعقد الشامل للمعارف وللمعتقدات وللأخلاق وللعادات ولغير ذلك من جميع الاستعدادات والعادات التي يكتسبها الإنسان بما هو عضو داخل مجتمع ما).

لقد انتقينا هذه المقاربة من مساهمة العالمين الإيطاليين للتمهيد لما سيقولان في موضوعهما الذي حمل العنوان (ما بعد الأحكام المسبقة).

الاختلاف الثقافي

عندما نحلل الثقافات والعلاقات الاجتماعية نعثر على عناصر معينة ترتبط بالوظائف الأيديولوجية وما يتبعها من عدم تسامح يظهر في مظهر سياسي. وهذا سيؤدي لتكوين أحكام مسبقة عن مجتمع أو دين أو عرق. وهذا ما يحدث إزاء نظرة الآخرين للعرب.

حالتان نموذجيتان

لقد درس (هال Hall) و (وايت Whyte) على سبيل المثال، دلالات نبرة الصوت والمسافة والزمن. ففي مرات كثيرة يفسر أشخاص منتمون الى ثقافة مختلفة ما يفعله غيرهم تفسيرا خاطئا: ( إن ساكن العربية السعودية يخفض صوته حتى كأنه يكلم شفتيه تعبيرا عن احترام من هو أعلى منه مرتبة، كشيخ الجماعة مثلا).

فإن حصل لنا أن نخاطب أحد الأثرياء الأمريكيين بهذه الطريقة، فإن هذه الطريقة تجعل التخاطب مستعصيا تماما. فمن منظور الحضارة الأمريكية، لما يرفع المتكلم صوته يترقب بطريقة لا شعورية من مخاطبه أن يرفع صوته بدوره، لذلك فإن الأمريكي يتكلم بصوت مرتفع دائما. هذا خلاف واضح في النمطين، لا يجوز بناء موقفنا من تصورنا لمن يخالف نمطنا.

النموذج الثاني: الإلحاح في منطقة الشرق الأوسط. فإن أراد أحدهم إصلاح سيارته، سيمر على المصلح عدة مرات في اليوم أو الساعة ليبين له أنه على دراية بما يقوم به ذلك المصلح، هذا السلوك موجود في العالم العربي في مختلف المجالات، في حين أنه في بلاد الغرب يعتبر عيبا.

التسامح وعدم التسامح: المباعدة الاجتماعية

قد نجد أشخاصا موصوفين بالتسامح، ينقلبون فجأة لغير متسامحين، وتتوه القدرة على تصنيفهم، لماذا انقلبوا؟ إن هذا يحدث عندما يتواجد الفرد داخل جماعة مستفحل فيها الفصل الثقافي، كوجود أشخاص يناصر بعضهم البعض عندما يتعرض أحدهم لغمز من طرف مجموعة ثقافية مختلفة. (هذا يحدث بوجود أشخاص ينتمون لقومية داخل وسط مغاير لقوميتهم: مجموعة عربية داخل مجتمع فرنسي في المهجر، أو مجموعة كردية داخل مجتمع عربي، أو أبناء إقليم أو مدينة داخل مجتمع مغاير الخ).

العلاقة الثقافية

إن السلوك الثقافي المتبادل (الما بين ثقافي) مشروط بالدور الذي تؤديه الأطراف المتقابلة أكثر مما هو مشروط بمشاعر الأفراد. وبالتبعية من الواجب الانتباه للأشخاص الذين يلعبون أدوارا يشتركون فيها مع ثقافات أخرى.

يورد الباحثان حالتين للتدليل على قولهما السابق. في جريدة (لوموند) وتحديدا في 25/9/1981 في الصفحة الخامسة تورد خبرا (أصدرت الحكومة التونسية منشورين حجرت بمقتضاهما على النساء حمل الخمار الذي له صبغة طائفية)

في 28/9/1981 أي بعد ثلاثة أيام نطالع في الصفحة الثالثة من الجريدة عينها (أنه يُمنع على النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب دخول المطارات في إيران).

إن المراقب من خارج الدائرة الإسلامية، سينظر للواقعتين بطريقة تعود الى الزاوية السياسية (الدعائية) في تفسير الدين، وهذا ليس له علاقة بنمط الثقافة العامة للمجتمع بالقدر الذي تريد الدولة تفسيره.

الوحدة والتنوع في الثقافة

يجوز التسليم بفرضية التنوع داخل الوحدة، كما يذهب الى ذلك معظم فقهاء المسلمين، مستندين الى قواعد (الناس يتساوون عندما يركعون أمام الله في صلواتهم، وليس في ذلك فضل لعربي على عجمي) [ هكذا ترجمة النص: ومن المؤكد أنه كان يقصد أن الناس سواسية كأسنان المشط الخ الحديث].

ويقال أيضا إنهم متساوون دائما في الحقوق والواجبات، في حظوظ العمل وأمان العيش، في العدل وفي الوضع المدني. وتؤكد الثقافة الإسلامية (أن الإسلام لا يكتفي لا بتعداد مظاهر الإخاء الإنساني ولا بإدانة التمييز العنصري بشتى صوره، وإنما يقدم لنا أمثلة واقعية مستقاة من حياة النبي (صلوات الله عليه) وصحابته وخيرة التابعين له (يعتمد الباحثان على دراسة قدمها عبد العزيز عبد القادر كامل لليونسكو طبعت في باريس عام 1970).

لكن هناك من يرى أن الاضطرابات التي مر بها سواء الماضي الإسلامي أو الماضي المسيحي، لا تعني باللزوم نهاية نسق ما، وإنما على العكس هي التي تجيز له ديمومة التغير: التغير نسبة الى نفسه ونسبة الى الآخرين ونسبة الى العالم.

لكن تجميع الأجزاء في الكل لا يلغي التعددية بل على العكس تماما، إنما يشترط تعاونا بين كل الهويات الثقافية. وهذا ما يؤول الى التسامح.

النزاع الثقافي وفهم الذات الجماعي

إن التسامح لا يَصْدُق بين الشرق والغرب فحسب، وإنما على تحول ثقافة ما من ثقافة تقليدية الى ثقافة أخرى أكثر رقيا وعالمية. هذا ما استحضره (فون غرونباوم) في الآثار الأدبية لأحمد أمين (حياتي) وهيكل (مذكراتي) و طه حسين (الأيام)، فما جاء بمذكراتهم لا يهتم بالتغريب الثقافي بل بالنزاع الثقافي داخل الإسلام.

هذه المسألة أشار لها (فون غروبناوم) عن أولئك الذين يتعايشون مع العرب، لكنهم لا يقبلون بسيادتهم القومية عليهم (أكراد، أمازيغ، مصريين مسلمين) لكنهم بنفس الوقت لا يريدون التنازل عما اكتسبوه من حضارة إسلامية أسس لها العرب.

خاتمة

لا يزال هناك في أوروبا وأمريكا وإفريقيا من يلصق بالعرب صفات سلبية كالتعصب وتكاد لفظة (عربي ـ متعصب) أن تكون واحدة.

إن التحيز في سرد الأحداث يساهم مساهمة بالغة في إبراز سلوك العرب والمسلمين في مظهر سلبي عدواني متعصب.

إن الدعوة التي أطلقها (أنور السادات) لحوار الأديان الثلاثة (في سيناء) تدعو الى التسامح الديني. ولكن لماذا الحديث عن أديان ثلاثة؟ ولماذا الحديث عن الأديان حصرا؟

ربما لأن الأديان تُجَوِز لنا أن نعرف الآخرين. ولكن وعلى نحو ما قال تودروف:
(لن نتوصل أبدا الى أن نعرف الآخرين. .. فسيان أن تعرف الآخرين أو أن تعرف ذاتك، فهما شيء واحد)
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس