عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 20-08-2008, 12:33 PM   #18
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

القسم الثاني: ما وراء الحدود: نظرة العرب الى الآخر ..

الفصل الثالث عشر: الآخر في الثقافة العربية ..

قدمه: الطاهر لبيب (المحرر للكتاب)

يستخدم الكاتب هنا مصطلح الثقافة العربية، دون (الثقافة العربية ـ الإسلامية)، التي لا يرى الكاتب مبررا للربط بينهما، بزعم أنهما بعدان مختلفان، فعندما يقال أن الإسلام ثقافة المجتمع، فليس هناك إضافة، كالقول عن الثقافة المسيحية في المجتمع الأوروبي، أو الثقافة البوذية في المجتمع الهندي، وأن إضافة إسلامي للمجتمع العربي المعاصر، هي صنيعة من صنائع المستشرقين لغايات معينة.

ويعتبر بحث الكاتب أطول بحوث الكتاب، حيث يقع فيما يزيد على الأربعين صفحة، وهو أول البحوث الواقعة في القسم الثاني من الكتاب، ومن الصعوبة بمكان الزعم بأنه في المقدور أن يقدم هذا البحث في حلقة واحدة، أو أنه يقدم دون المساس بترابط المعلومات فيه.

المشهد الأول

لقد تناول الباحث دوافع الرحلات العربية الى أوروبا في العصر الحديث مبتدءا برفاعة الطهطاوي (تخليص الإبريز في تلخيص باريز) ومارا ب (محمد بلخوجة التونسي) في (سلوك الإبريز في مسالك باريس الصادر عام 1900). ثم يتناول الباحث ما قدمه (حسن حنفي في جدل الأنا والآخر).

يذكر الباحث أن الصورة تكون حاضرة عند الزائر أو الرحالة أو المكتشف، دون أن تنتظر تقديم الصورة لنفسها، فكولومبس عندما اكتشف أمريكا أصر على أن الشعب الذي قابله هو (هندي!) وأبقوا صفة (الهنود الحمر) على سكان تلك البلاد الى اليوم.

وهذا يحدث أن إسقاطات الكاتب أو المدون تلازم ما يكتب عنه، فمن يكتب عن الحيوانات (كليلة ودمنة) تكون صفة الأنسنة وعقل الكاتب ظاهرة فيما يكتب. ومن يكتب عن شعب يزوره، يحاكمه وينتقده ويصوره ضمن مفاهيم من يكتب، فرفاعة الطهطاوي مثلا، عندما يخرج من القاهرة حيث يسميها الناس هناك باسم (مصر) فإن باريس لديه هي (فرنسا) [أول رحلة للطهطاوي كانت 1826]. وهنا تحدد (الأنا) جغرافية الآخر.

كما أن التداخل التاريخي لمن يزورون الغرب أو يتعاملون معه، هو من التعقيد بمكان، فنحن عندما نتذكر التاريخ الهجري بأننا في القرن الخامس عشر وفي التاريخ الميلادي القرن الواحد والعشرون، يتهيأ للبعض أننا نتخلف عن الغرب بما يزيد عن ستمائة سنة.

الذات العربية (الأنا العربية) تعرب الآخر، هنا يذكر الكاتب ما توصل إليه (حسن حنفي) في إظهار الآخر وكأنه أحد المحتويات للأنا العربية، سواء من حيث اللغة (كما تناوله الطهطاوي في ترجماته الفرنسية للعربية).

من الذي اخترع الآخر: الشرق أم الغرب؟

كما أن الغرب هو من اخترع شرقه، فإن الشرق هو اخترع غربه. ويتطير العرب من تناول الغرب (المستشرقين بالذات) للصورة التي يقدمونها عن الشرق والعرب بالذات، فيصفون الغرب بالتحامل على الشرق وعلى المسلمين والعرب، وينتقون فقرات مما يقدمه المستشرقون على صفحات الكتب والجرائد والتقارير والأفلام السينمائية والتلفزيونية. لكن العرب لا ينتبهون الى ما يكتبونه ويصورونه عن الغرب، ولو انتبهوا وقارنوا ما يكتبون عن الغرب لرجحت كفة ما يكتبه العرب من سوء الغربي عما يكتبه الغربي عن مساوئ العربي.

لقد انتقى الكاتب جزءا مما كتبه (فؤاد زكريا) بمجلة (التبيين/ الجزائر 1992) واختار مثلا تونسيا دارجا (اليهودي إذا ما لقيت ما تعمل له اعفس على ظله).

إن كان العرب يستنكرون على الغرب أن يقول عنهم ما يسوءهم، فهم يتغاضون عما يقولون عن أنفسهم، ففي كتابات ابن خلدون عن العرب ما يتفوق على ما قاله الغرب عنهم. وإن كان هناك من سيقول: أن ابن خلدون كان شاهدا على خفوت حضارة العرب فكانت كتاباته تأخذ ذلك الشكل الغاضب، فإن كتابات حديثة كالتي كتبها (حسين احمد أمين) في جريدة الحياة في 28/10/1997 صفحة 19، حيث قال: (العرب في واقع الأمر شعب لا يحسن غير التشدق بالكلمات).

ثانيا: المشهد الثاني

تعود المستشرقون، وعودوا غيرهم على استعمال المقابلة بين الإسلام والغرب، وبدرجة أقل بين الإسلام وأوروبا. وهي مقابلة في أحد أطرافها يتواجد المضمون الديني، في حين يكون في بعض الأحيان سياسيا أو جغرافيا.

تساءل بعض الفلاسفة والمفكرين: عن سر الخلاف بين المسلمين والمسيحيين في مواقفهم تجاه بعضهم، أشار البعض أن توجه المسيحيين الى معرفة الإسلام ليس مرده التسامح المسيحي، لأن الإسلام كان أكثر تسامحا. كما لم يكن الغاية منه الأخذ عن المسلمين، لأن هذه المسألة انتهت منذ الحروب الصليبية، فلم يبق عند العرب والمسلمين ما يتفوقون فيه على المسيحيين من علوم وغيرها.

هذه النظرة كانت لدى المسلمين في السابق، حيث أن حضارتهم كانت الأرقى في العالم، فماذا سيأخذون من الغرب؟

يستنتج من يبحث في هذه المسألة بأن حب المعرفة هو ما يدفع الغرب الى التعرف على الحضارة العربية والإسلامية. في حين أن العرب والمسلمين في الوقت الحاضر يتعاملون مع الغرب للاستزادة من علومه.[الباحث هو:برنارد لويس].

عمق الحضارة العربية هو وراء اهتمام الآخر

رأى (بروديل) أن الإسلام هو قبل كل شيء وريث الشرق الأدنى بثقافاته واقتصادياته وعلومه القديمة (حضارات وادي الرافدين والنيل واليمن والشام) ويؤكد أن قلب الإسلام فضاء محصور بين (مكة والقاهرة وبغداد ودمشق).

هذه النظرة يتشارك فيها معظم فلاسفة التاريخ (أوزوالد اشبنغلر وأرنولد توينبي)، لذا فإن التعرف على الحضارة العربية (كآخر) للغرب، يعني التعرف على حضارات تورثها العرب وانسيابها في سلوك أهل المنطقة واحتلالها مكانة في بواطن الثقافة.

إن الرجوع الى الجاحظ (868م) والى التوحيدي (1010م) والى صاعد الأندلسي (1068م) يؤكد ثوابت هذه الصور المنمطة وتأسيس النظرة للآخر من زاوية (عربية).

العرب يتعاملون مع الآخر الدخيل بمنتهى الدقة

كان المسلمون (العرب) ولوقت طويل أقلية في البلدان التي حكموها، فضلا على أن العرب في بلاد العرب (العراق، سوريا وحتى إيران) لم يعتنقوا الإسلام حتى القرنين الثاني والثالث الهجريين. ومع ذلك اشترك غير المسلمين في ترسيخ أسس النهضة العلمية (ترجمة، طب، فلك). ومما يذكر أن عامل هشام بن عبد الملك على العراق قد بنى لأمه (النصرانية) كنيسة. وأن من أعجب الظواهر في أيام العباسيين الأوائل أن تفتح مراكز تبشيرية للنصارى في الهند والصين تحت رعاية الدولة العباسية الأولى( تاريخ العرب: فيليب حتي ص 424).

لقد انتبه العرب لأثر الدخيل منذ الفتنة بين المأمون والأمين، وعلموا أن الدخيل (غير العربي: الأعجمي) ممكن أن يساعد في إثارة الفتن بين العصبيات العربية لإضعاف مكانتها في الحكم, وهو ما أصبح يطلق عليه (الشعوبية).

ثالثا: المشهد الثالث: الآخر يصبح غربا

لا تطول الذاكرة تجاه (الآخر) غير (الغربي) فالتعامل مع المغول بتاريخهم وغزوهم للعراق وتدميرهم للدولة العباسية، ضاع أثره والحقد على من قام به، بعد أن اعتنق المغول الإسلام وذابوا بين شعوب المنطقة. في حين تبقى النظرة ممزوجة بالحقد تجاه الغرب الذي (استعاد) حكم إسبانيا والبرتغال (الأندلس) وتبقى ذاكرة الحروب الصليبية قائمة.

وقد كانت الحروب الأخيرة مثالا قائما على ما نذهب إليه، فبالرغم من اشتراك الكثير من دول العالم في العدوان على العراق، فإن ما يتذكره أو يذكره المواطن العربي هو الدول الغربية، ولا يذكر كوريا أو اليابان أو جورجيا، ويتناسى مساعدة العرب للغرب في غزو العراق، لأن مساعدتهم طارئة والثابت الآخر هو الغرب وحده.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس