الموضوع: من الأرشيف
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 26-06-2009, 06:23 AM   #14
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

لا تقلقوا عليَ

في الماضي كانت أنواع الطعام محدودة جدا، وأنماط الملابس محدودة جدا، والقصص والحكايات محدودة جدا، وكل شيء محدود، حتى نطاق السفر والابتعاد عن مسقط الرأس محدود، وإن حدث وابتعد أحدهم عن المكان وغاب يومين، فإنه سيتحدث عن تلك السفرة ستة أيام، ما رأى وما سمع وما يقوم هو بتحليله من خلال رؤيته وسمعه.

هذا في النسخة الأولى من الحديث، ولا ضير إذا ما أعيدت القصة مائة مرة، فلن يعترض أحدٌ على ذلك، لمحدودية مصادر الثقافة والمعلومات، ولعدم وجود وسائل إعلام تجدد معلومات المجتمع الضيق.

كان لبعض الذين يسافرون أسباب يسافرون من أجلها، منها التجارة، أو البحث عن بعير شارد، أو للحج. لكن كان بعضهم يسافر من أجل التفرد في اختراع الأحاديث التي تسلي من يجالسه، فيشبع حاجة في نفسه عندما تنسب تلك القصة له أو أن يطلب بعض الجلساء منه أن يحدثهم عن سفرته.

وكان لبعضهم دوافع تتعلق بما يأكلون في سفرهم، أو استقبالهم لمن يردون لهم الزيارات، ففي سفرهم سيكون ضيوفا يحظون بطعام يفوق طعام مضيفيهم الاعتيادي، وعندما يحل عليهم ضيوف فإنهم سيجالسون ضيوفهم في مأكلهم. فإن كانت ربة المنزل تربي بعض ( ديوك الدجاج) فهي تعلم أن تلك الديوك ستكون طعاما لضيوف زوجها وزوجها! ولن يتبقى لأهل البيت سوى بعض المرق وطعم الطعام الدسم.

كان أبو يوسف من هذا النوع من المسافرين من أجل اختراع الحكايات ومن أجل ما يحظى به من طعام مضيفيه، وطعامه عندما يشارك ضيوفه. وكان أبو صالح جاره من أشد المفتونين في حكاياته، ويحب أن يكون أول من يسمع حكاياته.

كان أبو يوسف يغيب لمدة شهرين وأحيانا لثلاثة شهور، وعندما يعود لا يبيت ليلته في بيته، بل في بيت جاره (أبو صالح)، وبعد أن يتعشى، يطل برأسه من أعلى الجدار المنخفض بين منزليهما، ويخاطب أهله: لا تقلقوا علي فأنا في بيت أبي صالح!
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس