عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 09-04-2008, 05:40 PM   #2
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

وقد تعرف الفتى رامى على جمعية (النشأة الحديثة) والتى تضم مجموعة من فحول الأدباء مثل لطفى جمعة وإمام العبد وصادق عنبر ومحمود أبو العيون.. وتوسم صادق عنبر فى أحمد رامى خيراً عندما سمعه يقرأ الشعر فكلفه بقراءة مختارات من الشعر القديم فى الرواق الأسبوعى للجماعة وفى هذا الرواق قرأ رامى أول قصيدة له وهو فى الخامسة عشرة من عمره وكانت وطنية يقول مطلعها (يامصر أنت كنانة الرحمن.. في أرضه من سالف الأزمان).

وفى عام 1910 نشرت مجلة الروايات الجديدة أول قصيدة تنشر له ومطلعها (أيها الطائر المغرد رحماك… فإن التغريد قد أبكانى).

وقد حصل رامى على الابتدائية عام 1904 ثم حصل على البكالوريا عام 1911 وفكر بعدها فى دخول كلية الحقوق ولكن حبه للأدب دفعه إلى دخول مدرسة المعلمين العليا حيث تخرج منها عام 1914 (عام الحرب العالمية الأولى).

وبعد تخرجه عين مدرسا بمدرسة القاهرة الابتدائية.. وبعد عامين انتقل إلى مدرسة القرية الأميرية وكان يدرس الإنجليزية والجغرافيا والترجمة ثم انتقل إلى مدرسة المعلمين العليا التى تخرج منها ليعمل أميناً لمكتبتها، تلك المكتبة التى راح ينهل منها ويقرأ فى شتى مجالات المعرفة بالعربية والإنجليزية والفرنسية خاصة وأنه قد أضحى شاعرا معروفا.. وقد حسم رامى موقفه مبكرا حيث كانت هناك مدرستان كبيرتان فى الشعر العربى فى ذلك الوقت مدرسة (الإحياء) أو المدرسة الكلاسيكية الجديدة تلك المدرسة التى بدأت على يد محمود سامى البارودى ووصلت إلى قمتها مع أحمد شوقى وحافظ إبراهيم. ثم المدرسة الرومانسية بروافدها الثلاثة (الديوان - المهجر - أبوللو) وقد انحاز رامى إلى المدرسة الرومانسية وأصبح واحداً من شعرائها البارزين. واتصل بكبار الشعراء فى ذلك العصر وعلى رأسهم شوقى وحافظ وخليل مطران وعبد الحليم المصرى وأحمد نسيم وإن كان أكثر ميلا إلى حافظ وأكثر قرباً منه على المستوى الإنسانى، وكان يعرض أشعاره على حافظ فإما أن يثنى عليها أو إذا لم تعجبه القصيدة يقول لرامى (دى زى السلام عليكم كل واحد يقدر يقولها).

وفى عام 1918 أصدر رامى ديوانه الأول وأثار الديوان جدلا كبيرا بين رواد المدرستين القديمة والحديثة حيث جاءت قصائد الديوان رومانسية هادئة ظهر فيها رامى أكثر تحرراً من شعراء الكلاسيكية ولكنه أقل جرأة من معاصريه الرومانسيين ويغلب على رؤيته الفنية أحادية الجانب. رغم أن أشعاره تحمل ثنائية الحب والحزن حيث أن الحب عنده حب محروم مستسلم فيه قناعة وتضحية وينتهى بإذعان وانسحاب باك بينما الحزن خفيض الصوت ناعم رقيق يستعذب الألم ويستمرئ الحرمان ويرى العذاب نعمة.

وقد كان رامى يرى الشعر حقيقة داخلية ووحيا يلقى فى روع الشاعر فلا يملك له دفعا ويراه نجوى القلب التى لا يملك الشاعر إلا ترجمتها. كما يرى أن الشاعر صوتا من أصوات الطبيعة موحى إليه يقترب فى شفافيته وصفائه من مرتبة النبوة.

وفى عام 1920 صدر ديوانه الثانى وفى عام 1923 صدر ديوانه الثالث وقد صدرت هذه الدواوين بمقدمات لكبار الشعراء أحمد شوقى - خليل مطران - حافظ إبراهيم - وقد كتب حافظ فى مقدمة واحد من هذه الدواوين (أدمنت النظر فى شعر رامى فإذا به من ذلك النوع الحسن الذى يعجزك تقليل حسنه.. وشعر رامى هو شعر النفس وهو أرقى مراتب الشعر… ورامى شاعر موفق الشيطان إذا تغزل أو وصف .. رقيق حواس الألفاظ بعيد مرامى المعانى يقول الشعر لنفسه وفى نفسه).

وبعد أن رسخت قدم رامى كشاعر رومانسى لا يتسم بالفحولة وإن كان يتسم بالسلاسة والعذوبة أرسلته مدرسة المعلمين العليا فى بعثة دراسية إلى فرنسا لدراسة فن المكتبات،، ولكنه قرأ رباعيات الخيام فوقع فى هوى هذا الشاعر الفارسى العملاق وقرر أن يدرس اللغة الفارسية والتحق بالسربون لدراسة اللغات الشرقية . واكتشف أن الشعر الفارسى لا يخرج عن أشكال وبحور الشعر العربى كما أنه أكثر عناية بالوصف والروحانيات والتصوف والأخلاق والأساطير. واكتشف أن الخيام ليس شاعر غزل وخمريات ووصف ولكنه يستخدم كل هذه الآليات للوصول إلى الحكمة وقد كان رامى أول من نقل رباعيات الخيام شعراً إلى ا لعربية من الفارسية مباشرة حيث تمت ترجمتها أكثر من مرة إلى الإنجليزية كما تمت ترجمتها أكثر من مرة إلى العربية نثراً وقد بذل رامى جهداً كبيراً فى ترجمة رباعيات الخيام وذلك لوجود الكثير من الرباعيات المدسوسة على الخيام والتى لم يقلها وقد نشر رامى 140 رباعية من مجموع 800 رباعية للخيام. وقد أثر الخيام ورباعياته كثيرا جدا فى وجدان وعقل أحمد رامى بل وعلى مسيرته الشعرية حيث يؤكد رامى على أنه لم يكتب الشعر الدينى اكتفاءً بما ترجمه من رباعيات الخيام.

وإذا كانت أشعار رامى لا تتسم بالفحولة وتتسم بالسلاسة والعذوبة كما ذكرنا فإنها أيضا تتسم بقدر كبير من العفة والتعفف حيث يخلو ديوانه الذى صدر فى ستة أجزاء من أشعار المدح والهجاء وكلاهما ابتذال، وقد حرص رامى طوال إقامته فى باريس على أن ينشر أشعاره فى مجلتى (السفور) والشباب وكل من المجلتين تمثل علامة فارقة فى مشوار حياته حيث بدأ بنشر أشعاره بشكل منتظم فى مجلة الشباب لصاحبها عبد العزيز الصدر. وقد أطلق الصدر على رامى لقب (شاعر الشباب) نسبة إلى المجلة.. ولكن هذا اللقب ظل لصيقا به طوال مشواره كما ظل رامى طوال الوقت - حتى بعد أن تقدم به العمر - شابا فى إبداعه.

أما مجلة (السفور) فقد نشرت لرامي أثناء وجوده فى باريس قصيدة (الصب تفضحه عيونه) فأعجب بها الشيخ أبو العلا محمد الذى كانت تربطه علاقة ود وصداقة بأسرة رامى فأخذها ولحنها وغناها، وكانت أم كلثوم قد ظهرت وأضحت نغما سحريا يتقدم فى خطوات واثقة ليجلس على عرش الغناء العربى واحتضن الشيخ أبو العلا ذلك الصوت العبقرى وأعطاها قصيدة رامى لتغنيها وأصبح الصوت والقصيدة حديث كل الناس فى مصر المحروسة.

وعاد رامى من باريس ليجد قصيدته على كل لسان فتعجب من تلك المغنية الفلاحة التى تغنى أشعاره دون أن تستأذنه وذهب مع أحد أصدقائه إلى تياترو وحديقة الأزبكية ليسمعها حيث تغنى وجلس فى الصف الأول فوجدها فتاة تلبس ملابس الرجال والعقال فقال لها (عايز أسمع قصيدتى ياست لأنى كنت مسافر ولم أسمعها) وردت أم كلثوم بسرعة بديهة وذكاء فطرى كان أهم مكونات شخصيتها مترامية الأطراف (أهلا بيك يا سى رامى) وغنت أم كلثوم ليجد رامى نفسه أسيرا لهذه الفتاة صوتا وشخصا وليتأكد من أن هذه الفتاة هى (قدره) الحقيقى. وبعد أن أنهت وصلتها جلست أم كلثوم مع رامى وطلبت منه أن يكتب لها أغنيات خاصة بها. وكانت كتابة الأغانى فى ذلك الوقت مهنة (سيئة السمعة) حيث كان الغناء يتسم بكثير من المدلولات الجنسية وذلك لأنه يقدم فى الكباريهات بشكل أساسى فكيف يكتب رامى الأغانى وهو الشاعر اللامع الذى أصدر ثلاثة دواوين وترجمة لرباعيات الخيام وكيف ينزل من قمة الشعر إلى سفح الأغنية. وفي هذا الوقت لم يكن هناك من كتاب الأغنية المعروفين إلا بديع خيرى ويونس القاضى وأمين صدقى.. ولأن (للهوى أحكام) فلم يطل تفكير رامى أو تردده حيث قرر أن يكتب أغنيات خاصة بأم كلثوم وخطى أولى خطواته فى رمال أم كلثوم المتحركة عندما كتب لها أغنية (خايف يكون حبك لى.. شفقة علىّ) ودفعتها أم كلثوم إلى صبرى النجريدى طبيب الأسنان الذى كان يعيش فى طنطا ويلحن الأغانى فانتهى من تلحينها فى خمسة أيام وغنتها أم كلثوم لتحقق الأغنية نجاحا مدويا ليرتبط رامى مع أم كلثوم برباط (الفن المقدس) بعد أن تأكد أن (الرباط المقدس) الحقيقى وهو الزواج لن يكون أبداً.. والغريب أن رامى قد تأكد من ذلك من خلال صبرى النجريدى الذى أغلق عيادته فى طنطا وجاء ليقيم فى القاهرة وطلب الزواج من أم كلثوم فصدته بخشونة مما جعل رامى يتعلم الحكمة من رأس الذئب الطائر ويقول رامى عن ذلك (عندما طلب النجريدى الزواج من أم كلثوم صدمته فشعرت بأننى قرينه فقد أشار إلىّ بفعلته إلى ما لاينبغى أن أفعله).

وكان رامى بعد عودته من باريس قد تم تعيينه رئيساً لقسم الفهارس بدار الكتب، وقد تدرج بها حتى أصبح وكيلا لها، وبعد أن ارتبط فنيا بأم كلثوم قرر أن يعيد صياغة وجدان وعقل هذه الفتاة الريفية، والحقيقة أنه قد استطاع من خلال أم كلثوم أن يعيد صياغة الوجدان العربى بشكل عام وذلك من خلال أغنياته الكثيرة والجميلة التى قدمها لها على مدى سنوات طويلة. وقد خصص رامى يوماً فى الأسبوع لأم كلثوم وهو يوم الاثنين يوم أجازته من دار الكتب وفى كل أسبوع كان يحمل معه كتابا جديداً لتقرأه أم كلثوم ثم يناقشها فيه فى الأسبوع التالى فقدم لها جميع شعراء الغزل (مجنون ليلى - كثير عزة - جميل بثينة - عمر بن ابن ربيعة) كما قدم لها كل شعراء العشق الصوفى (ابن الفارض - الحلاج - ابن عربى) وقدم لها أيضا شعراء المجون (أبو نواس - بشار بن برد) ولم يتوقف عند ذلك بل قدم لها الغناء المصرى الشائع فى القاهرة الشعبية وفي أقاليم مصر المختلفة كما قدم لها غناء المداحين. وهكذا تحول رامى إلى مبعوث العناية الإلهية لتثقيف هذه الفتاة القروية التى كانت لاتشبع من الثقافة والأدب والشعر كما كانت تربة عذراء عطشى مما شجعه أكثر على أن يجعل (الحبل السرى) لمشاعره وأحاسيسه مرتبطا بها بل وأن يضع كل حياته بين يديها.

واستطاع رامى أن يقنع محمد القصبجى بالتلحين لأم كلثوم وحمل هذا (المثلث الذهبى) رامى والقصبجى وأم كلثوم طليعة التغيير والتطوير فى الغناء العربى.. واستطاع رامى أن يحقق ثورة كبيرة فى عالم الأغنية حيث لم ينس أنه شاعر كبير وبدلا من أن يقال إنه نزل من قمة الشعر إلى سفح الأغنية فقد استطاع أن يرتفع بالأغنية من السفوح إلى القمم فى الكلمة والمعنى انطلاقا من قناعته بأنه يقوم برسالة أدبية وقومية.. واستطاع أن يجعل أغنيته تقترب كثيرا من الشعر مما أثر فى كل كتاب الأغنية بل وفى روح الملحن وحنجرة المغنى حيث تمكن رامى من صنع توليفة لغوية رائعة تجمع ما بين الفصحى والعامية الدارجة أو ما يمكن أن نطلق عليه (اللغة الثالثة) تلك اللغة التى تبناها مجموعة من الرواد مثل توفيق الحكيم فى المسرح ومحمد التابعى فى الصحافة وأيضا يوسف وهبى فى المسرح.

وكان رامى يحرص فى كل أغنية على أن يركز على معنى معين من معانى الحب يتناوله بالعرض والتحليل حيث يرى الأغنية مثل الصورة لابد لها من إطار محدد وكان يؤكد على أن كل أغنياته تعبير عن مواقف عاشها سواء فى الفراق أو لقاء الحبيب بل كان يؤكد على أنه يبكى وهو يغنى لكى يهيج مشاعره ليعبر بصدق عن اللحظة التى عاشها. والغزل لدى رامى (عفيف دائما) لأنه لا يتعلق بالأوصاف الجسدية وإنما شوق وحرمان ولقاء وأحلام ووحدة.

وإذا كان رامى فى الشعر مصليا وليس إماماً فإنه فى الأغنية إمام وشيخ طريقة وله أتباع ومريدون وتلامذة ومن أشهر تلاميذ مدرسة رامى : مأمون الشناوى - مصطفى عبد الرحمن - حسين السيد - أمين الهجين..


)
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس