عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-06-2008, 06:40 AM   #1
م ش ا ك س
قلم مبدع
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
المشاركات: 92
Exclamation أمــوات بجانب سور المقبره

عندما كنت طفلاً كان ولدي _غفر الله له_ يصطحبني معه إلى مجالس الرجال وذات يوم سمعت أحدهم يقول " آآه الموت موت القلوب موب موت الأبدان "
أذكر حينها أنني خرجت من صمتي وقلت له بأنك غبي "وماتفهم" وقبل أن يرد علي صفعني أبي ونظر إلي نظرة عتاب ، إكتفى صديقه بقوله "دعه فهو لا يزال طفلاً" لا أدري لم لم أنسى ذلك اليوم ربما لأن الصفعة كانت مؤلمة وكنت أبحث عن سبب مقنع لتلك الصفعه فلم أجد أو لأنني لازلت أشعر بألم نظرات أبي الحاده التي كنت ولا زلت أتحاشاها
وعندما بلغت الرشد قرأت لـ عبدالله بن المبارك _ رحمه الله _ قوله :

رأيت الذنوب تميت القلوب
وقد يُورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب
وخير لنفسك عصيانها

حينها علمت بأن صديق أبي _ غفر الله له _ كان يقصد هذا النوع من الموت .
/
/
/
/
/
/
/
/
/
قبل أيام مررت مع صديق لي بجانب أحد مقابر الرياض كان رصيف المقبره محفوفاً بالورود والأشجار الصغيره حتى أصبح وسطه كمضمار للمشي ، كان الوقت التاسعه مساءً وكان هناك رجال ونساء يقومون برياضة المشي ، بالبداية ضننت أنهم يريدون المقبره ولأن ما أعلمه عن المقابر أنها تغلق بواباتها عند غروب الشمس فأردت أن أقوم بعمل خيري وأخبر الرجال بأن البوابه مغلقه وأذكر النساء بأنه لا يجوز لهن زيارة القبور ، وعندما هممت بذلك رأيت شاباً متأنقاً وكأنه خرج لتوه من أحد قصور الأفراح وفتاة متلثمة وترتدي عباءة مخصره يتبادلون الأوراق ثم ذهب كل منهم لإكمال المشي باتجاه معاكس ، كدت أن أجن مما رأيت فكيف يحدث هذا بجانب سور يخفي قبور جثث أناس كانوا يتنفسون هوائنا وهم اليوم يحاسبون عما اقترفته أيديهم قبل أن تنزع أرواحهم وتصعٌد إلى خالقها ، كان صديقي يعبث بهاتفه المحمول ولأن المشهد قد عقد لساني هززت كتف صديقي بقوة ليشاهد الحدث ، لم يبالي بما يراه وقال لقد ماتت قلوب الناس ، سأريك أمراً أكثر بشاعه ، إتجهنا إلى الشارع الآخر للمقبره وأشار إلى منازل تعتليها أطباق فضائية سوداء كبيرة كـ الذنوب فاغرة فاها نحو الغرب (باتجاه القبله ) ونحو المقبره وكأنها تطل على القبور تسخر من الموت والحساب
أراد صديقي الذي أوشكت على كرهه أن يهون هذا المشهد بعيني فقال لي بأنه قد حظر جنازة وكان رهط من الحظور يدفنون المتوفى وكان بجانب القبر إثنان يتعانقان ويدعوا أحدهم الآخر لمشاركته مشاهدة مباراة اليوم في الاستراحه وخلفهم رجل يخرج من جيبه علبة سجائر ويخرج سيجارة ويشعلها ويستنشق حريق تبغها ، ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد ذكرت له ما رأيت عندما ذهبت في أحد الأيام لأقوم بواجب العزاء لأناس توفي أبوهم أخبرته بأنني كنت لا أعرف منهم أحد لا أعرف سوى إبن المتوفى وكان البقيه ملتفين في المجلس كان في صدر المجلس شيخان كبيران في السن قد كسى الشيب لحاهم أحدهم يبكي ويقول حسبي الله ونعم الوكيل بدا لي أنه أبو المتوفى ورجل آخر يقول له هون عليك وسأل الله أن يغفر له وكان عن يميني رجل يحدث الرجل الذي بجانبه عن مشروع تجاري يفكر فيه وثلاثة رجال يسألون رابع يجلس بجانبهم لما لم يأتي للمناسبه الماضيه أما البقيه فهم صامتون لا أعلم هل كانوا ينتظرون وجبة العشاء أم أنهم لم ينتهوا بعد من ارتشاف القهوه والشاي الممزوج برائحة الموت وطعم الحزن خرجت من المجلس قاصداً الخروج من بيت العزاء وعند باب " الشارع" كان هناك مجموعة رجال يتحدثون عن الإجازه الصيفيه وأين سيقضونها سمعت أحدهم يقول أنه أخذ إجازته الرسميه في شهر سبعه وينوي الذهاب لأبها وآخر يقول بأنه لن يأخذ إجازه لأنه لا يستطيع السفر وسوف يقضيها في منتزهات الرياض


ــــــــــــــــــــــــــــــ
تذكرت عبدالله بن المبارك -رحمه الله- حين قال :
رأيت الذنوب تميت القلوب
وقد يُورث الذل إدمانها

وتعهدت على نفسي ألا أتساءل بعد الآن عن أسباب الذل الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم . أهـ.
م ش ا ك س غير متصل   الرد مع إقتباس