عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 11-11-2006, 08:38 PM   #56
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

استقالة العقل العربي :

( في الموروث القديم )


( 3 )

لقد كان لتفاعل الفلاسفة وتلاقح الاعتقادات الأثر الأهم في ما جعل أجيال الفلاسفة والمفكرين التي تلت عصر التدوين عند العرب أن تتأثر بهذا التلاقح .

ولعلى أوفى دراسة عن الهرمسية هي تلك التي قام بها الفرنسي المقتدر (فيستوجيير Festugere) والتي حقق فيها النصوص الهرمسية القديمة وترجمها في أربعة مجلدات للغة الفرنسية، ثم أردفها بأربعة مجلدات أخرى وضع بها دراسة عامة للفكر الأوروبي، وبالرغم من أن تلك الدراسات قد ربطها المفكر الفرنسي بالمركزية الأوروبية وبإفلاطون تحديدا، إلا أنها تعتبر دراسة قيمة .

ولتعديل الصورة يجب ذكر (أفاميا) تلك المدينة التي تقع جنوب أنطاكيا في سوريا ، وهي تسمى اليوم (قلعة المضيق) فقد كان لها دور يساوي دور الإسكندرية أو يزيد، وتكتسب أهميتها من أنها ملتقى لمعارف فلسفية كثيرة، فقد انتقلت إليها من الشرق معارف (فارس و العراق) ومن الشمال (أنطاكيا وآسيا الصغرى) حيث مدرسة (فرجاموس Pergame ) ومن الجنوب (فلسطين والإسكندرية) حيث شهدت (أفاميا) انتقال معظم محتويات مكتبة الإسكندرية، في عهد السلوقيين (خلفاء الإسكندر المكدوني ) في بلاد الشام، في حين كان (البطالسة) في مصر .. وقد وصل عدد سكان (أفاميا) في ذلك العهد زهاء (120) ألف نسمة ..

وقد ولد في (أفاميا) التي بقي أثرها حتى القرن الرابع الميلادي، مجموعة من الفلاسفة زاوجوا بين الفلسفية الشرقية والفلسفة الإغريقية فنشأت نمطية جديدة من التفكير العقلي والفلسفي، ثم أضيف مؤثر خارجي على أداء (أفاميا) هو احتكاك رجال اللاهوت اليهود والمسيحيين من فلسطين (جنوب أفاميا) .. وكان من أبرز من ولد بها من فلاسفة ( بوزيدنيوس) الذي يعتبر مصدرا رئيسيا (للهيلينيستية) التي غلب عليها الطابع الشرقي .. و ( سيردون) الفيلسوف السوري و آخرون.

وهكذا وبعد أن أصبحت أفاميا مركزا وقبلة للفلاسفة من مختلف الجهات، ولأكثر من أربعة قرون .. فقد تسللت الأفكار التي تجسدت من النشاط الفلسفي فيها الى حين ابتدأ النشاط الفلسفي (الفكري والعقلي) عند المسلمين في نهاية الدولة الأموية والدولة العباسية ..

وباستطاعتنا تلخيص المعتقدات الفلسفية والفكرية، التي تحاذت مع النشاط الديني المسيحي، وتعاملت مع بناه فلاسفة البراهما (الهنود) والمجوس وقدماء المصريين والعراقيين والتي كانت تتعامل مع فكرة ( الهرمسية ) بما يلي :

إقامة ثنائية حادة بين الإله والمادة، بين الخير والشر، باعتبارهما من طبيعتين مختلفتين تماما، وقد عبر تلك الثنائية خير تعبير (نومنيوس) كالآتي :

1ـ تصوير الإله الواحد كمدبر وهو الإله المتعالي وهو مصدر كل الخير وهو المنظم للكون .. ولكنه لا يدخل في علاقة ما مع الكون، بمعنى أنه منزَه عن الكون نفسه ..

2ـ بالمقابل هناك في الطرف الآخر (المادة) وهي مصدر النقص والشر، بل هي الشر نفسه، وباعتقاد أصحاب الرأي بأن تلك المادة قديمة جدا وهي لم تصدر عن مصدر الخير (الإله المتعالي) لأنها نقيض للخير، فلا يعقل أن يصدر الشر عن الخير ..

3ـ كان لا بد من طرف ثالث عند أصحاب هذا الاعتقاد، وهو ما وجد في النصوص الهرمسية : وهو (الإله الصانع) .. وعلاقته بالإله المتعالي حسب رأي أصحاب الاعتقاد : بأنه كالعلاقة بين مالك الحديقة والبستاني الذي يغرس الأشجار، فالإله المتعالي بذر البذور وأوجد الخلق والإله الصانع يتولى غرسها وإعادة توزيعها .. والإله الصانع عند هؤلاء أصبح وكأنه والعالم شيئا واحدا أمام الذات الإلهية العليا ..

إن هذا الشكل من التفكير والذي كان يسمى (الغنوصية) قد تسلل الى نفوس أو (عقول) الكثير من رجال الدين في الديانات (حتى السماوية) منها .. واحتل مكانا عند بعض الطوائف الإسلامية ولا يزال .. وهو يشكل دافعا إبستمولوجيا قويا لتصنيف الكثير من المواقف الدنيوية والتي تلف بطابع ديني بظاهرها ، إلا أن الجذور الفلسفية الغنوصية تظهر لمن يريد التأمل بكثير من هذا السلوك .. والذي أصبح يتسلل الى صانعي القرار السياسي في كثير من بلدان العالم من الولايات المتحدة حتى إيران ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس