عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 05-10-2020, 08:36 AM   #2
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,967
إفتراضي


إن التحاكم إلى سنة النبي (ص)أصل من أصول المحبة والاتباع، فلا إيمان لمن لم يحتكم إلى شريعته، ويسلم تسليما، قال الله تعالى: ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما))[النساء: 65]

وقد بين الله سبحانه وتعالى أن من علامات الزيغ والنفاق الإعراض عن سنته، وترك التحاكم إليها، قال الله تعالى: ((ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا، وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا)) "
الصويان فى الفقرات السابقة حاول شرح محبة النبى (ص) بالأحكام الجزئية كالصلاة عليه وعدم رفع الصوت عليه ونصر دينه والإيمان برسالته وهو كلام لا يفسر المحبة كليا فمحبة النبى(ص) تعنى اتباع دين الله أى إتباع المنزل عليه كله وليس الأحكام الخاصة به فقط كالصلاة عليه وفى هذا قال تعالى :
"قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم"
والأخطاء فى الصفحات السابقة عدة وهى :
الأول تفسير رفع الصوت بأنه اعلاء نبرة الكلام والاستدلال على هذا برواية السائب عن عمر وهو ما يناقض كونه يعنى جعل قول وهو رأى الإنسان أفضل من قول النبى(ص) فرفع الصوت ليس محرما بدليل أن الله أباحه فقال "وأسروا قولكم أو اجهروا به "ومن هنا جاء القول المأثور "إن لصاحب الحق مقالا"
الثانى الكتاب يتحدث عن محبة النبى (ص) فما الذى أدخل فيه مكانة الشيخين؟
ثم بين الصويان مظاهر انحراف محبة النبى (ص) فقال :
"الغلو في محبة الرسول (ص):
انحرف بعض الناس عن هدي النبي (ص)وأحدثوا في دين الله عز وجل ما ليس منه، وغيروا وبدلوا، وغلوا في محبتهم للرسول (ص)غلوا أخرجهم عن جادة الصراط المستقيم، الذي قال الله عز وجل فيه: ((وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله))[ الأنعام: 153]وقد كان رسول الله (ص)حريصا على حماية جناب التوحيد، فكان يحذر تحذيرا شديدا من الغلو والانحراف في حقه، ودلائل ذلك كثيرة جدا منها:
عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله (ص)يقول: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله"
وعن عائشة قالت: قال رسول الله (ص)"لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد إلا أني أنهاكم عن ذلك يحذر ما صنعوا"
وعن عبد الله بن عباس أن رجلا قال للنبي (ص)ما شاء الله وشئت، فقال له النبي (ص)"جعلتني لله عدلا، بل قل ما شاء الله وحده"
وعن أنس أن رجلا قال: يا محمد، يا سيدنا، وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا، فقال رسول الله (ص)"قولوا بقولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل" ونظائر هذه النصوص كثيرة جدا، وثمرتها كلها بيان أن محبة النبي (ص)وتعظيمه لا تكون إلا بالهدي الذي ارتضاه وسنه لنا، ولهذا قال (ص): "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"
الرجل هنا ينعى على البعض كثرة مدحهم للنبى 0ص)ويذكرنا بحرمة اتخاذ قبور ألأنبياء مساجد مع أن ما يسمى المسجد النبوى(ص) الحالى يحتوى على قبره وقبر صاحبيه كما يزعم الناس
ثم بين أن المولد النبوى من مظاهر الانحراف عن محبة النبى(ص) فقال:
" حقيقة المولد النبوي:
ظهرت هذه الفكرة في عصر الدولة العبيدية الباطنية، إظهارا منهم لدعوى محبة النبي (ص) ثم انتشرت في كثير من دول العالم الإسلامي، إلى يومنا هذا فأصبح اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول عيدا مشهودا عند كثير من المبتدعة يجتمعون فيه لإنشاد المدائح النبوية والأوراد الصوفية، وإقامة الحفلات والرقصات، وقد يقترن بذلك بعض الشركيات من دعاء النبي (ص)والاستغاثة به، وقد يحدث الاختلاط بين الرجال والنساء والاستماع إلى الملاهي
إن تحويل الإسلام إلى طقوس وثنية من الأهازيج الشعرية والطبول والمزامير والتمايل والرقص، وبالتالي الانحراف به عن صفائه ونقائه، هو من قبيل جعله إلى العبث والخرافة أقرب منه إلى الدين الحق
وحينما تكون هذه العقلية الساذجة المنحرفة حاكمة للعالم الإسلامي يكون رد الفعل الرئيس لدخول خيول نابليون إلى الأزهر الشريف هو اجتماع الشيوخ للتبرك بقراءة حديث النبي (ص)من صحيح البخاري! وكلما ازدادت الدائرة على المسلمين ازدادت الدروشة، وتمايلت الرؤوس وبحت الأصوات بالأناشيد والأوراد والمدائح النبوية

إن الاحتفال بالمولد النبوي أصبح عند بعض الناس من العامة والخاصة الآية الرئيسة لمحبة النبي (ص) وأذكر أنني كنت قبل سنوات في بلد إسلامي في أوائل شهر ربيع الأول، والناس منهمكون في التجهيز والإعداد لليوم الثاني عشر، تحدثت مع أحد كبار الأساتذة الجامعيين عن هذه البدعة، وبعد أن بح صوتي بذكر الأدلة والشواهد، قال لي: هذا صحيح، ولكن هذا سيدنا النبي عندها تذكرت قول غلاة الصوفية: "من أراد التحقيق فليترك العقل والشرع" ، وصدق ابن تيمية حينما قال عن غلاتهم: "كلما كان الشيخ أحمق وأجهل، كان بالله أعرف، وعندهم أعظم"
ومن المفارقات التي تدعو إلى التأمل، أن بعض الناس قد يعصى النبي (ص)ليلا ونهارا، ويتهاون في تعظيم أوامره، فضلا عن الالتزام بسنته، ومع ذلك فهو يحتفي بيوم المولد، ويوالي فيه ويعادي، وكأن غاية الحب عنده هو إحياء هذا اليوم بالمدائح والأوراد، وبعد ذلك ليفعل ما يشاء؟! يقول الشيخ محمد رشيد رضا "من تتبع التاريخ يعلم أن أشد المؤمنين حبا واتباعا للنبي (ص)أقلهم غلوا فيه ولاسيما أصحابه ومن يليهم من خير القرون، وأن أضعفهم إيمانا وأقلهم اتباعا له هم أشد غلوا في القول وابتداعا في العمل"
وليس عجيبا أن يحظى هذا اليوم باحتفاء رسمي من الحكومات العلمانية وتسخر له كافة الإمكانات الرسمية، وتجري تغطية فعالياته من جميع وسائل الإعلام، لأنها تعلم يقينا أن غاية هؤلاء الدراويش لا تتجاوز الأوراد والمدائح حتى إن النذور والقرابين التي ترمى على القبور والأضرحة والمزارات أصبحت مصدر دخل رئيس لوزارات الأوقاف والسياحة، ولهذا كان حافظ إبراهيم يقول متهكما:
أحياؤنا لا يرزقون بدرهم وبألف ألف يرزق الأموات
من لي بحظ النائمين بحفرة قامت على أحجارها الصلوات؟!

إن محبة الرسول (ص)عقيدة راسخة في قلوب المؤمنين، ثمرتها الاقتداء والبذل والعطاء والتضحية والجهاد في سبيل نصرة دينه وإعلاء لوائه وحماية سنته، ولا يوجد بين محبي الرسول (ص)مكان للعجزة النائحين، وما أجمل قول أنس بن النضر لما مر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم فقال: ما تنتظرون؟ فقالوا: قتل رسول الله (ص) فقال: ما تصنعون في الحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه"ط
كلام الرجل صحيح فالمولد ليس سوى إلهاء للناس عن طاعة الله بذنوب متعددة فالموالد تحدث فيها ألاف مؤلفة من الذنوب أهمها :
-الانقطاع عن العمل الوظيفى يوما وأحيانا أكثر وهو تعطيل لمصالح الناس
-جرح الناس لأنفسهم بما يسمى وضع الأسياخ فى أجزاء من الجسم
-اضاعة وقت الناس بالسير فى طول وعرض البلدة بلا هدف سوى الاعتراف بالسلطة القائمة حتى لو كانت كافرة تحارب دين الله ورسوله(ص) حيث يخرج المولد من مركز حكومى كنقطة الشرطة أو مركز الشرطة وينتهى عنده
-اتعاب الناس بحمل الأعلام والرايات والسيوف وكأن الحرب ما زالت بالسيوف
-اتعاب البعض أنفسهم بحمل كتب والقراءة فيها طول مدة السير
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس