عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 15-06-2011, 12:13 AM   #166
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي


(161)



أم من عويل الصبايا بين أحجار ِ
منها تنزّ لدماء السود واللبن المشوي كالقار
من أي أحداث طفل فيك تغتصب ؟
من أي خبز وماء فيك ما صلبوا ؟
من أيما شرفة ؟ من أيما دار ِ؟
تنهل ّ أشعاري

وهكذا يستمر الصراع بين هذين البعدين حتى نهاية القصيدة ، حيث يندجمان ليصبحا إحساسًا واحدًا يمتزج فيه الاعتزاز بالأسى ، ويصبح الشعور بفداحة التضحية باعثًا من بواعث الفخار بالنصر ،ويختار الشاعر الشكل الموروث -بنبرته القوية -ليصوغ فيه هذا الشعور الجديد الذي امتزج فيه البعدان تعبيرًا عن غلبة نغمة الشموخ والاعتزاز في النهاية :

يا قلعة النور .. .. تدمى كل نافذة
فيها ، وتلظى ، ولا تستسلم الحُجَرُ
أحسست بالذل أن يلقاك دون دميال
شعري ،وأني بما ضحيت أنتصرُ
لكنها باقة أسعى إليك بها
حمراء ، يخضل فيها من دمي زهر ُ

وقد تأثر بمحاولة السياب هذه أكثر من شاعر من شعرائنا المعاصرين ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في الفصل السابق .
ولكن الرؤية الشعرية ازدادت تشابكًا وتركيبًا ، وأصبحت أبعادها ومستوياتها في بعض الأحيان أكثر تنوعًا من أن تستطيع الوسائل الشعرية منفردة التعبير عنها ، ومن ثم لجأ الشاعر إلى تكنيكيات فنية مخلتفة للتعبير عن تعدد الأبعاد هذا في القصيدة الحديثة .
اخترع بعض الشاعر بعض هذه التكنيكات كالرمز التراثي والمفارقة التصويرية ، بما فيهما من تصوير للحوار والصراع بين الأبعاد المختلفة في رؤية الشاعر ، فالرمز التراثي-والرمز عمومًا-يعكس التفاعل والحوار بين الدلالة التراثية أو الواقعية للرمز وبين دلالته الرمزية ، والمفارقة التصويرية تعكس الصراع والحور بين طرفيها بشتى الصور والأنماط التي تصرو التناقض بين هذين الطرفين . ولم يكتف الشاعر بهذه التكنيكات الفنية التي ابتكرها ، وإنما لجأ إلى الفنون الأخرى يستعير من أدواتها وتكنيكاتها الفنية ما يعبر به عن تعدد الأبعاد وتفاعها في رؤيته الشعرية الحديثة .
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس