عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 09-05-2008, 08:43 PM   #2
عادل نمير
شاعر وعروضي البحيرة
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
المشاركات: 32
إفتراضي تكملة الدراسة النقدية عن شاعر العرائس 2

[FRAME="11 70"]الملامح في شعر صانع العرائس(صفات شخصية وروافد ثقافية)
1 – المفارقة
وهى موجودة علي المستوي الانسانى ولا سيما المستوي الإبداعي
فمحمد محسن الذي قال في مباشرة شديدة :
هي أمة الإسلام كم ذا أنجبت من خيرة العلماء والقـُواد
أمـم رجال شـرفوا تاريخهم من كل صديق ومن جوّاد
هو نفسه الذي سيقول عن التفاحة التي تتعري
أتأملها واجفة .. أتمني أن أقضمها ..وأغوصَ بنصلي للمجهولْ
- يقصد بتفاحة الألم أنثي تأتيه كطبيب بجمالها وربما بأشياء أخرى ليختلي بها في غرفة فحص فيتمني كبشر (رغم أنه لا يفعل ) أن يلمسها أو يتلذذ بجمالها أو حتي يقضمها أو أن يـُعمل " نصله في المجهـول"
هو نفسه محمد محسن الذي يستكين ويخضع ويستسلم :
وأصبّ عذاباتي في قمقم وجدي
فدموعي تحرق مملكتي .. إذ تفضحني
وعذابي يتضخم لو يعرفه الناسْ
ثم ها هو يمتطي جواد نفسه العالية ليقول عن رفعته عن منزلة تلك الحبيبة التي لا تستحقه
النسر حط من السماء بزهوه فجفا الزهور وحن للأشواكِ
وهو الذي يستخدم المفارقة علي المستوي الإبداعي في قوله:
وقلّدوك علي عروش الوهم قردا من ...ذهب!

وفى قوله : وتروسا ملساء
وفى قوله : حطمت من حولي المرايا .. هاربا من وَحدتي
وزحام سجني الانفرادي ..المعتق في الخلايا
لا تلوموني .. أنا وجهي المهشم صار مليونا
يحاصرني .. وتنهشني الشظايا .
رأى نفسه في سجن انفرادي وهو وإن خلا من المُرافِق والمَرافق مزدحم ربما بالهموم أو مزدحم ربما بإطراءات الآخرين وبالذات المتضخمة أو..أو.......
فقام بعد انغلاقه على نفسه بتحطيم المرايا والتي هي أيضا مكون لا يتواجد في سجنه الانفرادي ولكنه يستدرك ليقول (المعتـق في الخلايا ) ولما قام بهذا العمل ازداد الطين بلة وأتت الرياح بما لم تشته سفنه فلا تلوموه

2 – الإدهاش
وأنا أراه صورة أعلى من المفارقة ولا سيما إذا استخدم كخاتمة لقصيدة حبذا لو كانت (ايبيجراما) وهي قصيدة الومضة القصيرة المضغوطة ،،،يقول :
عيناك أوحتا إلي الزنادِ .. مستا الفؤادَ
فانطلقتِ في المدى..... قصيدة !
القصيدة لا تنطلق في المدى كما أن الزناد لا يعمل بمجرد الإيحاء ، فكأنه أراد إن عينيها بما لها من جاذبية وتأثير على الموجودات يكفيها فقط إن توحي بقول أو بإيماءة :يا زناد الحب أصب محمدَ بنَ محمد بن محسن فيطيعها الزناد مذعنا ويا أيها القلب سأمسّك -فكيف إذا خدشتك- فأطلق في المدى شهقة قصيدية لا تنتهي
ويقول : جيوشٌ من عيونك قاتلتني ..كإطلاق الحمام علي الرصاصِ
هل الحمام هو الذي يطلق جيوشا علي الرصاص؟
هذه هي صفات الشاعر الذي يخلع علي الأشياء صفات ليست فيها ويردف بالبيت الآخر
فعدتُ شهيد أشواقي إليها وآب لواحة الإيمان عاصِ
فما أجملها من خلخلة للثوابت
ويقول
وأنى لا أري في الحب
إلا أن يكون النهر مشتاقا إلي الظمآنْ
فإن لم تكن يا من أتعشم فيك نهري المشتاق لظمآن شعوري فلا أهلا بحبك
3-الانفتاح الدلالي
أتحدث أنا الآن عن قصيدة أعدها أجمل ما قرأت له إن لم تكن أجمل ما قرأت في حياتي وهي "المروق في البرق" يقول بعد مطلعها :
وغزوة الفتح انتهت... بفارسٍ
يفتح أبواب المدينةْ .. ويعتلي قلاعك الحصينةْ
لتصبحي في لحظة ... منتصرةْ.
ماذا يقصد بذلك؟ قد يقصد أنه رمى تلك الفاتنة المغرورة بأسهم عينيه فاستطاع بمفرده من ضمن فوارس كثيرة أن يُسلمها للحب يعبث بأقدارها،ربما ولكن بالعودة الي مطلع القصيدة نجد انه يقول :
تذاوبي في لحظة لا تصطلي في العمر إلا مرّة
وعانقيها حلوة ومرّة
فما هي؟ ، ماهي هذه اللحظة التي" تتذاوب" فيها الانثي بل تصطلي وتشعر فيها بالمر قبل الحلو؟
إنها لا شك ليلة الزفاف حين كان الفارس الفاتح الذي اهدى إليها الألم والمتعة لأول مرة مجتمعيْن وفي النهاية أصبحت منتصرة وعندما سمعت منه هذه القصيدة لأول مرة تراءى لذهني انفتاح آخر بحكم مهنتي لكنه ليس علي المستوى المرئي ولكن علي مستوى أدق وهو المستوى المجهري
والحقيقة أنه فوجئ بهذا ولا عيب في ذلك فالنص الجيد الذي يولد أكثر من مرة بعدد مرات انفتاحاته الدلالية
فالانفتاح الثالث- أخي الكريم- والذي هو علي المستوى المجهري هو أن واحدا فقط من ضمن ملايين الامشاج الذكرية تستطيع أن تقتحم أسوار هدف منيع هو البويضة الأنثوية ليتم بذلك التلقيح وهنا يتم لهذه البويضة مهمتها لتصبح بمفارقة شديدة في لحظة" منتصرة " بعد غزوة فتح وأريد أن أتوقف في هذه القصيدة عند شيئين آخرين
1- الحديث عن موضوع شائك في حد ذاته لكن في صورة غير جارحة ولا مبتذلة
2- دور العـَروض في دائرة (عروض ما بعد العروض )ومنطلقا من نظرية الوصل والفصل التفعيلي للأستاذ .محجوب موسى فكلمة (بفارس) أتت هنا منفردة من وزن (مفاعلن) o//o// في الرجز لتؤكد معني التفرد والتوحد فهو فارس متوحد في مكانه وزمانه وجبروته ومتفرد كذلك تفعيليا وكذلك كلمة (منتصرة) جاءت مفصولة عروضيا لأنها التي تحمل معنى المفارقة المطلوبة

4-الروافد الثقافية
يتميز صانع العرائس بتنوع روافده الثقافية ، وهكذا من يريد أن يضع قدمه في رِكاب الشعر تجرأ علي أي علم في الوجود فبعيدا عن الثقافة الطبية -مجبرا أو بطلا -نجد أن د.محمد محسن يتمتع بروافد أخرى يتكئ عليها أهمها التراث الاغريقى والتراث العربي الجاهلي أو الإسلامي فضلا عن توظيف مصطلحات عصرية قد يرى البعض خجلا من ذكرها في الشعر
-الطب : بعيدا عن اللفظة الطبية نتحدث عن الإسقاطات الطبية والحديث عن موضوع طبي جامد بلغة شيقة فكيف يأتى به في الشعر شلال الشعور ؟ ..فيقول
قلبي المجمَّد حين ينقله الطبيب الي مريض آخرَ
كي يكمل العبء الثقيل
فيا تري هل مالك القلب الجديد سيشتهيك حبيبة؟!
وعن هذه الومضة يقول الأخ الكريم الناقد الشاب عبد الباقي عطية أن الاستفهام هنا يحمل أكثر من معنى لربما كان معنى الاستنكار أي لن يتمناك كما تمنيتك ،ولربما كان يمُنّ بحبه على تلك الحبيبة أي ابحثي الآن يا أنتِ عمن يحبك سواي ،أو لربما حمل معنى أسمى وهو الاستفهام بغرض التمني أي تمنيت جسدا أحبك فيه بعد موتي فيا ليته يشتهيك حبيبة ليكمل عبء حبك الثقيل،
الله أكبر!
وننتقل إلي قصيدة بأكملها حينما يتحدث عن الزائدة الدودية كعملية جراحية :
جففْ أو شغلْ شفاطا
وافصل هذي العضلات المرتخية في بحر التخدير
(لم يأتي حتي الآن بجديد وهو طبيب محض )
هذى الفجوة أعمق من ظلمات الجب
وأخطر من ادمان الحب .. فدعِ الفتنة نائمةً
(هو هنا شاعر يتنفس الصعداء ويغلق الجرح الذي قد يحمل تحته نزيفا خطيرا أو التهابا في البريتون أو حتى ورما خبيثا فدعنا منه وخلِّنا نخرج من هنا بالسلامة وأغلق الفتنة النائمة لعن الله من أيقظها )
ومن ذلك قوله :
كبـّاحات القلب المهترئة لا توقفـُهُ
فكما في السيارة الكباحات أو الفرامل فالأعصاب التي تتحكم في دقات القلب لم تعد قادرة على أن توقف سرعة دقات القلب المضطربة في مرض الخفقان
ومن روافده الثقافية يقول :
علـّقت عينيّ في الآفاق زرقاءُ اليمامة
فهو يقلب الآية ويقول انها هي التي علقت عينيه ويسأل بعدها:
هل تراني مثلما دوما أراها
نقطة في البعد أو في القلبِ....
وكذا استخدامه للرمز الشجاعيّ (عنترة العبسي) :
عجبا لعبسٍ جهلهم..حرّرتـَهم فدعـَوْك عبدا أسودا ما أحقرهْ
اجترّ شـِعرك..فالمفاخـر كلها في عالم "الديسكو"هـُراء ثرثرةْ
سقطتْ من الأفلاك شمسك حينما سرقوا من العقد الثمين الجوهرة
أوددت تقبيل السيوف أم الصوا ريخ الرهـيبة والـقنابل ممطرة
قبـّل ثرى بغداد ....غزة إنمـا ثغر الحبيـبة مزقـته المجـزرة
ومنه استخدام التراث الإسلامي ومحاولة التجديد فيه فكلنا قرأ دالية الرقيق يزيد بن معاوية والمعروفة في ديوان الشعر العربي بـ (وأمطرت لؤلؤا ).. قارنها بومضة محمد محسن وعنوانها (أمطرت لؤلؤا)حيث يتحدث فيها عن تكون اللؤلؤة حين تخدش حبة من الرمل قلب المحارة فيقول :
حبة الرمل جرح بقلب المحارْ
أمطرت لؤلؤا عند قاع البحارْ
وهذا بالضبط ما فعلته البنت الشقية :
وأنت جرحت الفؤاد الصموتْ .. وسافرت شمسا بعيدةْ
فانقطع بذلك التصال المادي بينهما
وقلبي لكي لا يموتْ
تصرف تصرفا وجدانيا يبرز أهمية وصفه القلب بالصموت ..
تكور حول هواك
ليصنع لؤلؤة هي أنت .. ويشدو لعينيك أحلي قصيدة
ومنه الإسقاط القرآني :
والغربان انقرضت يا ويلاه.. فكيف أواري قلبي
أو أنفخ روحا من روحي فيه ..
وهو هنا يبرز الجمال في المستقبح فالغراب كرمز قديم للشؤم هو ذاته أول معلم لمهنة من أشرف المهن وهي مهنة اللـّحـّاد
ومن ذلك قوله :
أكلوها ومضت كل الأجيال
لماذا جئت أنا .. كي أدفع عنهم ثمن التفاحة
ومن استخدام الأساطير الرومانية واليونانية أيضا :
سيزيف لم يزل مبعثرا على السفوح والقممْ
معلقا بين القنوط والألم
وصخرتي.. مدينتي .. دماؤها بداخلي
ولم أزل سجين سورها العتيق .

ومنه الحديث عن أسطورة بجماليون وهي تحكي عن تمثال صنعه بجماليون كأجمل ما تكون أنثى لكنه فوجئ في اليوم التالي أن هذا التمثال يتحرك(وإن تحرك تحديدا ليمسك بالمكنسة لينظف المنزل):
أحببت بجماليون أحييت الجما د كأنها والمعجــزات سواءُ

ولابد أن أختتم هذه الإطلالة فمازال هناك الكثير والكثير من أشعار د.محمد محمد محسن وقصائده التي لا تحصى
فتحية وإجلالا لشاعر أجبرني شعره علي الكتابة عنه وننتظر المزيد عن "صانع العرائس"

د. عادل محمد نمير
شاعر وناقد
[/FRAME]

آخر تعديل بواسطة السيد عبد الرازق ، 12-05-2008 الساعة 03:24 AM.
عادل نمير غير متصل   الرد مع إقتباس