عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 21-07-2008, 12:09 AM   #66
اليمامة
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية لـ اليمامة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
الإقامة: بعد الأذان
المشاركات: 11,171
إفتراضي

تبني مبادئ أخلاقية عليا
يقال أن كلمة رسك ( Risk ) الإنجليزية ، والتي تعني المخاطرة ، يرجع أصلهَا إلى كلمة رزق في اللغة العربية ، حيث استخدم التجار المسلمون خلال القرون الوسطى كلمة الرزق في إشارة إلى أن ما يقومون به من أعمال تجارية هو ابتغاءٌ للرزق من الله عزوجل . إلا أن الغربيين حولوا مفهوم كلمة الرزق إلى مفهوم المخاطرة ، على اعتبار أن التجارة هي مخاطرة استثمارية للحصول على أرباح أكبر.
وبعض النظر عن أصل كلمة ( Risk ) في اللغة الإنجليزية وعلاقتها بكلمة رزق العربية فإن التجار المسلمين والأفراد لا يزالون بعد مئات السنين يعتقدون في أن الرزق من عند الله عزوجل أولاً وأخيراً ، وأن الرزق الحلال يؤدي إلى زيادة البركة ، والتي يعتبرها الكثير من التجار ورجال الأعمال أهم من الربح.
ومع ما لتوخي البركة . من تأثير إيجابي على سلوكيات رجال الأعمال والأفراد من حيث الالتزام بالأمانة والعدل والصدق في تعاملاتهم ، إلا أن تفعيل هذا المبدأ وأمثاله يبقى عادةً على المستوى الشخصي . هذا في حين أن تفعيله على مستوى المؤسسات والمجتمع له مردود أكبر من مردوده على المستوى الشخصي.
ومع أن تفعيل هذه المفاهيم على مستوى المؤسسات يبدو في ظاهرة غير عملي وبعيد عن مفهوم وأنظمة ممارسة الأعمال الحديثة ، إلا أن ذلك في الحقيقة تصور خاطئ . ذلك أن تبني ثقافة خاصة بالمؤسسة ترتكز على مبادئ عملية وأخلاقية معينة يتماشى مع آخر ما وصلت إليه نظريات إدارة الأعمال الحديثة.
في كتابهما بعنوان " تشخيص وتغيير ثقافة المؤسسات " أشار الخبيران العالميان كيم كامرون وروبرت كوين إلى أن إدارة الأعمال الحديثة قد ركزت خلال فترة الستينات على السلعة ، والسبعينات على السوق ، والثمانينات على العميل ، والتسعينات على الشركة ، أما الآن فقد اتجه تركيزها إلى ثقافة المؤسسة . لذلك فإن المؤسسات الحديثة تقوم بتبني مبادئ عملية وأخلاقية كجزء من ثقافاتها الضرورية لتميزها عن غيرها ، وكعنصر داعم لقدراتها التنافسية على مستوى الشركات الأخرى والعالم.
وانطلاقا من أهمية مفهوم البركة لدى جميع الأفراد ورجال الأعمال بالعالم الإسلامي
وما يرتبط به من قيم سامية مثل الأمانة والصدق والإنصاف والتراحم والبر والإحسان وإتقان العمل ، والتي هي مبادئ أخلاقية ذات علاقة مباشرة بالفعالية والعمل ، فإنه يمكن تأصيل مفهوم البركة ، أو مفاهيم مشابهة ، كعنصر أخلاقي رئيسي في ثقافة المؤسسات الحديثة .
إضافةً إلى ترسيخ هذه المبادئ الراقية على مستوى المؤسسة وتفعليها على مستوى حياتنا الشخصية والعملية ، بدلاً من حصرها على المستوى الشخصي والديني ، فإن تطبيقها على مستوى المؤسسة يؤدي إلى رفع أداء المؤسسة ومدى ربحيتها . ذلك أن اللوائح والسياسات المنظمة لسلوكيات منسوبي المؤسسات والعلاقات بينهم لا يمكنها التأثير بعمق في الوازع الداخلي للفرد ، والذي هو أساس تشكيل سلوكياته . هذا في حين أن تبني مفهوم الأمانة على سبيل المثال كسمة شخصية مرتبطة بقناعة دينية ، سينعكس على أسلوب عمل الموظف من حيث المحافظة على وقت المؤسسة ومصالحها ويمنعه من اللجوء إلى الغش أو التدليس.
كما أن تبني الصدق كمبدأ أخلاقي مبني على اعتقاد ديني وكعنصر أساس في ثقافة المؤسسة يمنع الموظف من الكذب بجميع ألوانه أو إعطاء بيانات مغلوطة ، حتى لو كانت شبه قانونية . وإن تبنِّي مبادئ العدل والبر والإحسان يمنع الرؤساء من ظلم موظفيهم أو التمييز بينهم حتى لو كان ذلك بشكل لا يخالف اللوائح .
من جانب آخر فإن تبني مبدأ إتقان العمل كأسلوب حياة مبني على قدوة سنها سيد البشر صلى الله عليه وسلم ، سيفجر طاقات كامنة لدى الأفراد على المستوى الشخصي ومستوى المؤسسة تؤدي إلى تحري التميز ي أي عمل مهما صغر والالتزام بالتطوير الدائم لتحقيق هذا المبدأ.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن أحدى المؤسسات العربية قد بدأت بالفعل في تطوير أساليب تبني هذه المبادئ كجزء من ثقافة مؤسستها . ولقد انعكس ذلك على تحقيق نتائج إيجابية على مستوى المؤسسة ومنسوبيها .
وإضافةً إلى إمكانية تضمين ثقافة المؤسسة لهذه المفاهيم وتفعيلها على المستوى الرسمي
فإنه يمكن أيضاً تطبيقها بشكل إجرائي تدريجي عن طريق القدوة الحسنة والتوجيه السديد.
فعلى سبيل المثال ، قد يحدث أن يأتي الموظف إلى مديره ليخبره بسعادة أنه قد تمكن من إنجاز أمرٍ ما أو حل مشكلة معينة بطريقة لا يرى المدير أنها تتماشى مع المثل العليا في العمل . وبدلاً من أن يغض المدير المسؤول النظر عنها باعتبار أن الموظف قد أنجز المهمة لا تتماشى مع المبادئ العليا التي سيكون في إتباعها الحصول على البركة في الرزق على مستوى الفرد والمؤسسة . هذا مع التأكيد على أن هناك دائماً وسيلة للوصول إلى الغرض بطرق تتماشى مع المبادئ العليا.
وأنه ( المدير المسؤول ) على استعداد لإبداء الرأي عند حاجة الموظف إلى ذلك . وبالطبع فإن من المهم جداً أن يتمسك المدير نفسه بهذه المبادئ ليكون قدوةً لموظفيه.
أخيراً ... فإن تبني مبادئ أخلاقية سامية يجب أن لا يقتصر على الموظفين المسلمين
أو المؤسسات الإسلامية ، ذلك أن الأديان السماوية الأخرى لا تختلف في مبادئها الأساسية عن المبادئ الأخلاقية الإسلامية السامية ، حيث أن منبع هذه الأديان السماوية واحد.
يتبع
__________________
تحت الترميم
اليمامة غير متصل   الرد مع إقتباس