عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-02-2008, 11:48 PM   #4
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="13 70"]البرفيسور بابكر دشين
عميد كلية الدراسات العليا
قسم اللغه العربيه
جامعة امدرمان اتلاسلاميه

يكتب عن
المرحوم الشاعر عبد النبي عبد القادر مرسال


بسم الله الرحمن الرحيم
أراد أن يشعر فغنى
ما كان لي أن اكتب عن شعر الشاعر عبد النبي عبد القادر مرسال في ديوانه المطبوع : " على الطريق " بعد أن كتب عنه أستاذنا الراحل المقيم البروفيسور عبد الله الطيب رحمه الله تعالى رحمة واسعة لولا الرغبة الصادقة لابنه البار ناشر ديوانه سعادة اللواء (م) ناجي عبد النبي عبد القادر ، فها أنا ذا اكتب هذه الكلمة الوجيزة نزولاً على رغبته رغم ضيق الوقت وكثرة الواجبات وفي هذا ما يوحي باعتذاري عما يلاحظه القارئ من استطراد وتشعيث .
وابدأ بشكر الابن الأستاذ ناجي على ثقته فيّ فقد حملتني هذه الثقة على أن أعود إلى الديوان مرة ثانية بعد أن كنت أشرفت على رسالة الماجستير التي أعدها الطالب .
وحاولت أن اقرأ القصائد مترنماً بها أو ملقيا لها إلقاء على الطريقة التي كان يلقي بها الشاعر الشعر في الإذاعة السودانية كما وصفها الأستاذ الإعلامي الأديب الأمين حاج الطيب ؛ فتكشفت لي في ديوانه جوانب تستحق أن تدرس .

واكتفي هنا بالوقوف عند الجوانب الآتية :
الغناء والطرب وما يتصل بهما من الآلات المختلفة كالمزهر الخ
التكرار
الجمل الاعتراضية ـ والمبالغة
وكل هذه الجوانب تحقق لشعره رنيناً وعذوبة
وهو في هذا يشبه الشاعر العباسي أبا عبادة البحتري الذي قال عنه ابن الأثير عبارته المشهورة { أراد أن يشعر فغنى } .
واستعرت هذه العبارة لأصف بها شاعرنا لمشابهته للبحتري في هذا الجانب
من كل ذلك أن البحتري كان ينشد شعره أمام ممدوحيه ويتغنى به فقد روى انه كان إذا انشد القصيدة يتلفت يمنة ويسرة ويأتي بحركات عجيبة في إنشاده فإذا فرغ من القصيدة أعاد أولها ؛ وقد فسر هذه الظاهرة استأذنا المرحوم البروفيسور عبد الله الطيب تفسيراً مبتكراً حيث رأي إن صنيع البحتري هذا دليل على إحساسه بوحدة القصيدة العربية كأنه لما فرغ منها ما فرغ ؛ لان أخرها مثل أولها فلهذا أعاد أولها عند أخرها .
وقد قال أبو العلاء المعري عن البحتري
" وكانت له قدما طاؤوس "
وترجمها مترجمو الموسوعة العربية بقولهم : " قدما ديك "
وهذا لأنها ظهرت في الطبعة الإنجليزية مقطعة هكذا Pea.. .
فلم يتنبهوا إلى الجزء الأول Cock feet pea ووجدوا أمامهم Cocks feet فترجموها ( قدما ديك ) وهي قدما طاؤوس ، والظاهر أن المقصود بعبارة المعري المذكورة إن البحتري كان مزهواً بشعره ويمشى في إنشاده مشية الطاؤوس . وجعل شاعرنا عبد النبي شعره طاؤوساً في قوله عن شعره
الشعر في عيد المحبة يفخر
ويتيه كالطاؤوس زهواً يخطر

هذا هو الشاعر نفسه يتيه كالطاؤوس بشعره أي مثل البحتري كانت له قدما طاؤوس وتقرأ القصيدة لشاعرنا فتجد في خواتمها أصداء فواتحها مثل قصيدته الشاعر يقول في أولها :

انه المجنون لا يدري الشجون

ويقول في أخرها

انه القلب به تحيا الشجون
أي أن الشجون لم تفارق قلبه

ومثل قوله في قصيدة أخرى

نداؤك يا مبسام أوحي لخاطري
أناشيد أضلاع بها قلب شاعر

وأثناء القصيدة تجد أبياتا فيها النداء
مثل

فناد وناد إن ادْني في الدجى
وان نامتا تهوي غناء المزاهر

وسنعلق على هذا البيت عند الحديث عن المزهر ويقول في القصيدة أيضاً :

وناد فبالأضلاع يا بدر مهجة
لكم سمتها يا ويلها خسف جائر

وفي هذه القصيدة ترددت عبارة النداء تم ختمها بها كما بدأها فقال :

فنادِ ونادِ إنما الصبٌّ قلبه
يناديك يا قلب الحبيب المجاور

ومثلها قصيدته عن ديجول بدأها بنداء ديجول :

ماذا تقول خسئت يا ديجول
أتريدها خبزاً وأنت أكول
وختمها بنداء ديجول
ديجول لا ترد المنون فإننا
قوم أباة الضيم يا ديجول

فإذا كان البحتري يترنم بإعادة مطلع قصيدته بعد الفراغ منها فان شاعرنا عبد النبي يترنم بكلمات أو عبارات يختم بها قصيدته مأخوذة من مطلعها فكأنه أعاد المطلع .

ومثل قصيدته سمراء
يقول في مطلعها :

لما سرت بفؤادها الأدواء
ذهب الزمان بحسنها سمراء

ويختم القصيدة بسمراء كما بدأها بها فيقول

ولتمنعوا مثلي بملء قلوبكم
عاشت بأرض جدودها سمراء

وقد تقرأ القصيدة لشاعرنا فتجد فيها أنغام البحتري وأصداء شعره كما في قصيدته الرائية وعنوانها ( في المولد النبوي الشريف )

رقصت على نور ابتسامك عبقر وشدا لمطلعك الحبيب المزهر
وفيها
والبدر إن طلعت مواكب نوره
وإنجاب عن وجه الفلاة العشير

فهذا ينظر إلى قول البحتري :
حتى طلعت بنور وجهك ما نجلت ** تلك الدجى وإنجاب ذاك العثير
وفيها يقول :

وتقيم صرح الحق فابتسم الورى
لما يدعوتك استجاب المنبر

وهذا أيضاً ينظر إلى قول البحتري في القصيدة نفسها :
ولو أن مشتاقاًَ تكلف فوق ما
في وسعه لسعى إليك المنبر
وفي موضوع القصيدتين مشابهة ما ، فالبحتري يمدح المتوكل على الله ويصف موكبه في عيد الفطر . وشاعرنا يتحدث عن المواد النبوي الشريف وهو في السودان عيد أي عيد
وحكتا القصيدتين تتفقان في أنهما من بحر الكامل التام وان حرف روبهما الراء المضمومة في قافية المتدارك ونجد أنفاس البحتري وأصداءه في مثل قول شاعرنا
والشادن الغرد الجميل فديته
من شادن غرد جميل امثل

هذا البيت ترنم محض بهذا التكرار العذب ويقول البحتري :
وكم أذللت من رجل عزيز
وكم أعززت من رجل ذليل
فهذا كما ترى ترنم محض
ومن مظاهر اهتمامه بالغناء والطرب في شعره إكثاره من ذكر آلاته المختلفة مثل المزهر والقيثارة والعود والناي الخ .
وقد ورد لفظ المزهر في شعره كثيراً مثل قوله

يا أيها البلد الحبيب تحية
اشدي بها يوم اللقاء المزهر

ومثل قوله

فأتيت للإخوان احمل مزهري
وبعثت من فيه القوافي شردا

ويقول في
تعزيت بالنجوى وصيحت مزهري
أناديك كي ألقاك بين الازاهر

يصطحب الشاعر دائماً مزهره لأنه حبيب إليه كما قال :

رقصت على نور ابتسامتك عبقر
وشداء لمطلعك الحبيب المزهر

يقول وليت به مثل الــــ تجاوبت
مع الغير في تلك المجالي مزاهره

استخدم الشاعر هنا حرف التمني ليت من غير نون الوقاية مع يا المتكلم فقال ليت وهذا نادر والكثير الفاشي أن قول ـــــ ليتني بنون الوقاية قال ابن مالك . وليتني قشا وليتني نورا
وهذا يدل على إطلاع الشاعر على كتب النحو ويقوي هذا خلو ديوانه من اللحن .
وبلغ من حب الشاعر لمزهره الحبيب وولعه به انه يهوى أبناءه وهو نائم
فناد وناد إن ادنّى في الدجى
وان نامتا تهوى غناء المزاهر
ونقف هنا عند نوم الأذنين لان النوم للعينين لكن الشاعر خلع على الأذنين وظيفة العينين كما فعل عكس ذلك حيث خلع على العينين وظيفة السمع الذي للأذنين في قوله

عيناك عيناك اللتان اراهما ** تتغنيان باعذب الأنغام

وورود هذا في معرض الطرب يشير إلى أن الطرب امتزج بروح الشاعر فصار يطرب بعينيه وينام بأذنيه هو يطرب للغناء وهو نائم بل إن الغناء شيء امتزج بالروح فصار آلته الروح لا الناي والعود يقول في ص 142
كل يغنيك لو أقبلت بشعره
بالروح .. بالروح لا بالناي والعود
ويقول

ماذا تقول لمزهري وغنائه
أما أتاك مبايعاً بولائه

فالشاعر هو المزهر الذي يبايع . وألحان المزهر تخلد صاحبها
ما مات من عزفت مزاهر أيكه لحناً تطيب به القلوب وتطرب
كأنه يريد أن شعره يخلده بأنغامه المطربة وتقف عند اقتران اللحن والمزهر بالموت ففي قصيدة الشهيد تقرأ قوله :

وفراش ألحان في حلل الأنوار تهفو على زهور نجاده وتغني الطيور مزهرة الهيمان بالحب والهوى لسعادة :

فاسمعوا لحن الجميل وقولوا
يا نجاة العرين من أساده
إن قبر الشهيد أرحب دنيا
من حياة الكريم واستعباده

عد أيها القارئ لباقي القصيدة فستجد فيها غناء وطرباً وفرحاً مثل قوله فيها
وتمل الجمال في فرش الفردوس والحسن في وثير وساده
والملاك الطيور من رتل الرحمن يتلو عليه سفر جهاده
فكان الشاعر هنا يصف عرساً فهل هذه نبوءة شاعر تنبأ بعرس الشهيد قبل أن يصبح واقعاً في سوداننا الحبيب
ومن الآلات التي ذكرها كثيراً القيثارة كما في قوله ص 5 :
غناك ميمان بالأشعار قيثاري
فاطرب لك الله فالأشعار أشعاري


وقوله :
فأقبلت بالقيثارة أشدو وركبه
على الطائر الميمون يمشى إلى البشر
وقد يرسل قيثاره انغاماً حزينة مثل مزهره يقول

وصبحت قيثاري وفي القلب مأتم
لما حاق بالأفراح ياسر بالوكر

وعلى ذكر الفعل صيح نشير إلى أننا سنذكر شيئاً عنه أخر هذه الكلمة أن شاء الله تعالى .
لشاعرنا ولع بالتكرار
وقد تعجبه عبارة فيكررها مترنماً بها مثل عبارة : يا صاح أو صاح في قصيدته بين عهدين بدأها بقوله

صاح ما بي وأنت تعلم ما بي
لو تغنيت بالهوى والشباب

هذا تكرار ترنمي محض ويقول فيها :

أنا يا صاح والحياة خداع
في خداع وحسنها كالسراب
فلتكن في الأنام يا صاح سيفاً
وإذا أهمت فكلهم بالرقاب

ويبلغ الشاعر في هذه القصيدة غاية انفعاله فيكرر عبارته بهذه الطريقة
إيه صاح ... وقلتها إيه صاح
من فؤاد من الأسى في اضطراب
لعله يلتمس بتكرارها راحة لفؤاده الحزين المضطرب . ومن هذا تكراره لعبارة ( يا سدرة الملتقى ) في قصيدته التي جعل عنوانها ( يا سدرة الملتقى ) حيث يقول

يا سدرة الملتقى بالشط هل ذكرت
في روضك الورق من أمسى بغير دد
وفيها يقول
يا سدرة الملتقى بالشط ما انصرفت
عن صبوتي فيك أمالي ولم تحد
ارتاح الشاعر في غربته في مصر والام العربية بتكرار هذه العبارة ذاكراً بها ملتقى النيلين وهذه السدرة بالشط التي يبصرها بقلبه منصرفاً عما حوله بمصر :
بصرت ما العين لم تبصر إذا نظرت
في مصر في جنة الدنيا ولم تجد
أقسمت بالحب يا دنياي ما برحت
تهواك رغم النوى نفس إلى الأبد
واستوقفني في هذه القصيدة قوله :
لا اكذب الله أني رغم ما زعموا
ما رمت إلاك في الدنيا ولم أرد
فهل الم بالشاعر في مصر ما الم بالشاعر محمد سعيد العباسي فقال :
لا اكذب الله كم جرعت من غصص
من بعضهم ولكم ذقنا بهم الماً
لاتفاق العبارتين عند الشاعرين في معرض الشكرى
( لا اكذب الله )
يدلك على هذا قوله

[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس