عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 14-10-2010, 09:43 PM   #4
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

كل هذا ، والأبيات تصف مشهد التحرك نحو الاستشهاد ،
والطفل الرسام ما زال يتذكر هذا الموقف ،وبصعوبة -كما سنجد فيما بعد-يتفاعل معه تفاعلاً
أقرب إلى المتلجلج في حضرة المحبوبة ، قبل الوصول هذه اللحظة التي كان ينتظرها الطفل ،
أو ينتظرها الفدائي هي لحظة حاسمة بكل المعايير لكنثمة ما حدث تخافت شدو ودوى هدير ، لعله ها هنا
هدير الرصاص ،ذلك الصوت الذي أفقد المقاوم الفدائي أو الطفل التركيز ، وإذا كان هذا ما حدث
قبل الوصول بشيء يسير ، فليس لدينا ما يمكن من خلاله أن نعرف هل أنجزت المهمة أم لا ،
ولعل هذا يعد من المآخذ التي عمّقت دلالة السيريالية لا لتكون شكل اللوحة ، بل وأسلوب الشاعر نفسه في بعض جزئيات القصيدة .
بين تخافُت ِشدو ودوى هدير وبين التحليق في الأفق للطير مستطير الشريظهر لنا أن ثمة حدثًا تم هو الذي جعل المكان فيما بعد ملفوفًا بصمت القبور ، إلا أن دلالة سرب من الطير تحتمل هنا أن يكون المقصود بها
طائرات الهليكوبتر الصهيونية التي قد غلفت المكان بكل ما فيه بصمت القبور ، إلا أنه وسط هذا الركام
يطلق الطفل الصرخة الأخيرة ندت عن الوصول إلى حيز الوجود لتستقر في الذات ، وكأن أصداء هذه الصرخة غير المسموعة بشريًا إنما هي مسموعة في نقطة الوصول المنشودة وهي حائط البراق .
ينتقل الشاعر بنا بعد كل ذلك إلى الطفل الرسام الذي لم تصدق مخيلته الطفولية البريئة أو قُل لم تصدق إرادة
الحياة فيه أن تكون هذه هي صورة اللوحة التي ينشدها ولا يهنأ له بال بهذا الحال الأسيّ الذي هو في أحسن الأحوال فقد مجهول النتائج ، لا تصدق مخيلة الطفل ولا إرادته وأداتها الألوان
أن تنتهي عملية كتلك قبل بدايتها ، وأن يكون خاوي الوفاض ، فكانت هذه هي ردة فعله (التضامنية) مع المقاوم وهو طفل مثله في نفس سنه :
أتاه من الأرض صوت ارتطام
فعاد إلى الأرض محض حطام
تأمل ريشته في انفعال
ولوحاته ،والجدار الرخام
وقام إلى الأحمر الدموي ّ
فأفرغه في إناء الطعام
كسى وجهه ، والمدى والجدار
وكسر ريشته ثم نام
ما زالت أصداء هذه الصرخة حاضرة في ذهنه وهو عندما أوشك يرسم الصورة تخيل صوت الارتطام
والتفجر ،وكأنما هذا الانفجار دوى في ذاتهذا الرسام الذي عاد بخياله من السماء إلى الأرض وقد صار محض حطام يتأمل في ريشته الملتاعة المتلجلجة ، والجدار الرخام غير أني شخصيًا
أشعر أن تداخلاً لإكمال القافية ما كان له أن يتم بسبب الجدار الرخام ، فإذا كان الطفل رسامًا ، فعلى اللوحة
رسمه ، فماذا تفيد الرخام ؟ وهل الرسم على الرخام فن يقوم به الأطفال ؟ربما تأتي للرخام دلالة يقصد بها الشاعر منزل الرسام نفسه ، الأنيق المزخرف بعكس الدار التي خرج منها الطفل
الفدائي ، لكن هذا الاختلاف بينهما في الواقع الاجتماعي لم يحل بين اتحادهما نضاليًا ووطنيًا .
ومن هول المفاجأة يمسك الطفل بالوعاء الذي يحتوي على الألوان المختلفة (وليس إناء الطعام !) وقد تكون
لهذا الإناء دلالة على تشرب الدماء أي أنالطفل الرسام قرر الانتقام ، فصار حتى شربه وطعامه دمًا ، لكن حتى هذا الاحتمال لا يسعفني شخصيًا أن أجد له مسوغًا ، إذ أن الطفل بعد أن كسى وجهه بهذا الإناء كسر
ريشته ثم نام !إنها النهاية التي لا يجد الطفل فيها حلاً أمام تداخل هذه الصور ، والحقيقة الصادمة إلا أن يكسر الريشة ، لينام والنوم هنا تعبير عن حالة ترك المهمة.
إنها النهاية التي لا تجد فيها براء ةالطفل إلا أن تطلب الفرار من هذه الصور التي تنتهي بوفاة هذا الزميل
المقاوم ، ولتبقى الحياة بعمق معناها المجازي هي المطلب الذي ينشده الشاعر ، ولعل نومة هذا الطفل أتت لاستقبال هذا المقاوم في منامه لتنفتح أمامه آفاق أخرى من الصور علها لا تكون سيريالية هذه
المرة .
إن القصيدة تشير وبقوة إلى هذا الواقع الذي يعيشه الإنسان العربي المقاوم ، وتتخذ من الطفل رمزًا
لتساؤلات المستقبل الخفية ، والتي تظل مكبوتة في ذات أطفال صغار لم يتفتحوا بعد على بساتين الورود ، وإنما مخازن البارود ، وتظل صورة الشهادة والحياة وما يدور في فلكيهما هو المطلب النهائي لهم .
ميز هذه القصيدة -على ما فيها من أخطاء أشرت إليها-هذه الإيماءة إلى روح التمرد الطفولية والتي تتخذ
من التكسير أداة احتجاج لها ، والتي ترفض أشكال الموت ولولاها لما اتخذ الطفل الفنان هذا المشهد مادة لرسومه .كما أن العنوان تطابق بشكل كبير مع الرؤية ، فاللوحة سيريالية تختلط فيها الأوهام
بالأحلام والحقائق بالخرافات والبراءة بالجرأة ، كما أن الطفل المبتدئ يرمز إلى طفولة الأمل الداخلة إلى
أعماق الجمهور العربي والإسلامي ، وهذا الموقف الجديد هو ما كان داعيًا حقًا إلى الاستغراب من مدخلات هذه الصورة الأليمة .
إن الشاعر إذ يتحدث عن اللوحة السيريالية والفنان المبتدئ ، وإذ تكون اللوحة هذه هي الوطن وأقرب ما
تكون واصفة إياه الوطن الفلسطيني لأنه الأكثر شهرة بالعمليات الفدائية الناسفة ، وإذ تكون يكون الفنان المبتدئ هو أول خيوط الكفاح ، فإن الصدق في هذه الرؤية جاء من خلال التوازي بين أحداث
الرسم وبين العملية الفدائية ، وإن كان الشاعر قد انتحى منحى سيرياليًا في بعض تعبيراته التي نتجت -
ربما- عن عدم قدرته على إيصال الفكرة بشكل جيد في بعض جوانبها ، أو لوقوف الصورة الذهنية بشكلها الجامد حائلاً دون تطويعها للموقف الشعري .
وفي ظل هذا الواقع المأزوم والذي خفتت فيه نغمة العمليات الاستشهادية تكون هذه القصيدة هي النداء الذي
يستدعي فيه الشاعر هذه النغمة في الكفاح النضالي المسلح للشعوب الحرة والفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم الله هدى ، ترى متى يتوجه السلاح الفلسطيني إلى مكانه الصحيح وتعود هذه الأوتار
العازفة لألحان الخلود مرة أخرى ؟ قل عسى أن يكون قريبًا .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 14-10-2010 الساعة 09:50 PM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس