عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 23-01-2010, 01:04 AM   #5
ياسمين
مشرفة Non-Arabic Forum واستراحة الخيمة
 
الصورة الرمزية لـ ياسمين
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
الإقامة: المغرب
المشاركات: 2,102
Lightbulb

إن الإنسان الذي تمنى يوما ما أن تجعل منه التقنية سيدا صار

به الحال عبدا للأدوات التي أنتجها، مما ساعد في عدم شعوره

بالأمان وازدياد مظاهر القلق والاكتئاب إلى حد بلغت فيه روحه

كما سمي سارتر روايته الشهيرة: الغثيان ، وأصبح في الوقت

نفسه أسرى صدمات وتشنجات عنيفة بالمقدار نفسه الذي يحس

بأنه مشحون بقوة حيوية تضخم كينونته كلها.

يلغي هذا الفهم عند هيدجر حياد التقنية وهو رأي متداول وشائع

بعد أن ساد الاعتقاد بأنها في حد ذاتها ليست خير أو شر كله،

بل يتوقف الأمر على كيفية استخدامنا لها، والمثال الذي يجري

تقديمه كل مرة و بكل أريحية، هو الطاقة الذرية التي يمكن أن

تستخدم لغرض سلمي أو غرض مدمر.

يعارض هيدجر هذا المفهوم الماركسي أشد الاعتراض، ويرى

أنه في اللحظة التي تنطلي علينا حيلة أن التقنية محايدة نضل

سواء السبيل ونقع في المحظور ونوقع صك نهايتنا وبأسوأ

الأشكال. ويفسر ذلك بأن الأزمة لا تنبع من وظائف ما يصدره

الإنسان بعد اكتمال المنجز التقني، لكنها تبدأ أصلا من أسسه

حتى قبل الشروع في إنجازه. فالتقنية نوع من اللعبة الخبيثة

التي تجيد إطباق فخاخها على الإنسان، لأنها تنطوي على

مفارقة كامنة في صلبها، فيكون المتحقّق منها دائما عكس

المرجو، وبطريقة مفاجئة أغلب الأحيان.

وإذا كانت التقنية واختراعاتها تفتتنا بسحرها ما دام عالمها

غرائبيا، فهي أيضا عالم شيطاني مرعب، عالم يخرج من دائرة

التحكم، عالم يهدد ويهدم بشكل أعمى وهو يتحرك كاسحا كل ما

حوله. ولا أدلّ على ذلك إذا أردنا أن نستخدم مجازا يقارب ما

يذهب إليه هيدجر، شخصية فرانكشتينFrankenstein))

لماري شيلي Marry Shelle. فهاته الشخصية الغريبة تمثل

في مسعاها البشري سعي الإنسان اللامحدود لتوسيع الطاقة

والقدرة الإنسانية عن طريق العلم والتقنية. لكن صنيعهما ينقلب

إلى وحش ضاري تنفجر في وجهه بصورة لا عقلانية وغير

منتظرة وبنتائج كارثية.

فإذا كانت الميتافيزيقا دشنت مشروع فهم أصل العالم

والمجرّدات، فلقد انطلقت التقنية شيئا فشيئا لتصبح ''ميتافيزيقا

مكتملة'' في العالم المعاصر، تقارب حلم الفلسفة الأول في فهم

العالم، وخير دليل على ذلك مظاهرها التالية: تطور لانهائي،

خلق وتجديد أزليين يطبعها في جميع ميادين الحياة، فهي الآن

ثورة مستمرة...

فهي مشحونة بأكثر أشكال الفرح غبطة وحبورا كمصل البنسلين

وبأحلك ألوان المرارة سوادا كمرض جنون البقر والالتهاب

الرئوي اللانمطي، إنها فرانكشتين جديدة، بل أصبحت أيضا

قادرة على التدمير و جعل الحروب مربحة. إنها بمثابة دوران

حلزوني يدور على نفسه إلى ما لانهاية، يحاول تجريب جميع

البناءات والتركيبات الممكنة التي يحبل بها.

أليس الأمر كما رصده أدورنو في كتابه الكبير Dialectique

négative:<< ليس هناك من تاريخ كوني يفضي من

العبودية إلى نزعة محبة للإنسانية، وإنما هنالك تاريخ يفضي

من المقلاع إلى القنبلة التي تعادل قوتها قوة مليون طن من ال

ت.ن.ت... فهو التاريخ الواحد الوحيد الذي لا يزال يتكررّ إلى

هذا اليوم مع- وقفة بين لحظة وأخرى لالتقاط الأنفاس- وغايته

أن يكون ألما مطلقا>>. (320:1937)

يبدو الإنسان في هذا العصر<< بدون سلطة على مصير الوجود

وبالتالي لا يجب عليه[حسب هيدجرِ] أن يشرع في أي نشاط أو

تمرد، وإلا سقط في فخ الفكرٍِ[ الأداتي] الحاسب والتقانية، فلا

يوجد فعل إنساني يمكنه أن يغير جوهر التقنية>>.

__________________



" كان بودي أن آتيكم ,, ولكن شوارعكم حمراء ,,

وأنا لا أملك إلا ثوبي الأبيض ",,

* * *

دعــهــم يتــقــاولــون

فـلــن يـخــرج الـبحــر

عــن صمته!!!

ياسمين غير متصل   الرد مع إقتباس