عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 04-09-2011, 02:03 PM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(7)

سليمان بك، موظف دولة كبير، ابتدأ حياته السياسية منذ عهد الدراسة الثانوية منتمياً لأحد الأحزاب المنادية بالوحدة العربية والإطاحة بكل الأنظمة العربية. تنقل بين دولتين عربيتين مقيماً فيها أكثر من عشر سنوات، ونَسب عنه أقاربه ومعارفه بطولات، لم ينفها هو ولم يؤكدها. اتخذ من سلوك بعض رفاقه الذين انضموا لإدارات الأنظمة العربية الحاكمة في سوريا ومصر والعراق ولبنان والأردن، مبرراً يمهد لإتباع نفس السلوك. فمنهم من تذرع بأن العمل من داخل الدولة أفضل من معارضتها ومنهم من اختصر الطريق وأفشى لنظام الحكم خطط رفاقه فتم تكريمه وضمه لجوقة الحكم.

كان سليمان بك، إذا التقى مع بعض معارفه القدماء، لا يتوانى عن التهكم على بعض شخصيات الحكم، وكان يترفع في نفس الوقت عن الطلب من تلك الشخصيات، أن تقدم له خدمة طلبها أحد معارفه القدماء، لكي يتماشى سلوكه مع ما يعتقد أنه يمتاز عليهم به.

ولم يسأله معارفه عن سبب انضمامه للحكم، فكانوا يجلسون بحضرته كأصحاب حظوة خاصة، يمنون أنفسهم بأنهم قد يستثمروا تلك الحظوة في مسألة تعزز مكانتهم الاجتماعية أو الاقتصادية.

كان هذا الصنف من الموظفين، يريد أن يبعث برسالتين مزدوجتين تجعل منصبه في مأمنٍ من التغيير، أحدهما لإدارة الدولة، بأنه على صلة واسعة مع جماهير المثقفين وغيرهم، وهذه الصلة قد تهدئ من احتجاجهم ضد الدولة، أو أنه في حالة إهماله من الترقيات والتشكيلات الحكومية فإنه ربما يستثمر مثل تلك العلاقات. والرسالة الثانية لأتباعه أو ممن يراهنون على استثمار علاقاتهم به بأنه على علاقة مع أهم مفاصل الدولة، فعليهم أن يقبلوا جاهه إذا جاء للصلح بين طرفين متخاصمين عشائرياً، أو عليهم أن يسمعوا وجهة نظره في ترشيح رؤساء البلديات أو أعضاء مجلس النواب.

كان نادراً ما يتوسط لأحد عند الحكومة، وإن فعل فإنه سيحسبها حساباً دقيقاً، ما هو وزن أثر تلك الوساطة، وهل بالإمكان أنها ستمر دون المساس بإراقة ماء وجهه.

(8)
وقف علوان أمام حديقةٍ منزلية تتبع لبيت فخم، ولمح في أطرافها بقايا من السماد العضوي. تعرف الى أن هذا الروث يعطي ثماراً لذيذة ووروداً لها رائحة زكية، ومن يدري فلعل من في داخل البيت يكتسبون مظهرهم الأرستقراطي يتغذون بنفس الطريقة.

عندما ولج أبو علوان بيت قريبه سليمان بك، قابله بابتسامة، أو بثُمْن ابتسامة، كانت كافية لجعله يحس باطمئنان، كما أنه شجعه على عدم التحرج من نزع حذائه المُرَقّع ووضعه في مكان ما.

كان أبو علوان يكبر سليمان بك ببضعة سنوات، وكان يجعله ينتصر في مشاجراته مع أترابه في صغره. وكان يعتقد أن سليمان قادرٌ على التوسط، حتى لو كانت المشكلة مع حلف الأطلسي.

لقد جاءه من أجل التوسط لدى معهد (غوتا) لتعليم الألمانية، لولده نجيب الذي يكبر علوان بسبعة سنوات، والذي كان يرغب بالانتقال من كلية الهندسة من جامعة عربية، للدراسة في (ميونيخ). وقد استعد الوالد لذلك حيث باع قطعة أرض، كان قد اشتراها من والدة سليمان عندما كان في الجامعة أو في اللجوء السياسي كما كان يحب أن يقال عنه.

بفطنته السريعة، انتبه سليمان للسيناريو الذي سيصل إليه هذا الأمر فيما لو تحقق، فقرر أن ينزع فكرة الدراسة في معهد غوتا وميونيخ من رأس قريبه. فامتدح الجامعة العربية التي يدرس فيها نجيب، وعدد ثلاثة من رؤساء الوزراء الذين تخرجوا منها ومر على الكثير من كبار شخصيات الدولة ومن بينهم شلال عبد الفتاح. ولم ينس أن يضع الصعوبات في الدراسة بالجامعات الألمانية وبالذات جامعة ميونيخ، فذكر مثالاً يعرف والد علوان عشيرة من كان يتحدث عنه: (لقد كان يدرس أربع عشرة ساعة، لم يذق قطرة خمرٍ واحدة، وانكب على دراسته عشر سنوات وعاد دون مؤهِل جامعي!).

لقد صدَّق والد علوان كل كلمة قالها قريبه، وكان أصلاً مهيئاً لقبول أي حجة تصدر من قريبه لثني ابنه نجيب عن تحقيق هذا الطلب، فكيف إذا جاءت تلك المبررات من سليمان بك؟

(9)

ابتهج سليمان بك، للتمرين الذي نجح فيه لثني قريبه في طلبه دون أن يُكلف نفسه أي جهد، فأراد أن يُتوج هذا الانتصار بالإلحاح عليه في البقاء لتناول الغداء.

أراد أبو علوان، أن يصلي الظهر قبل أن يدركه العصر بقليل، تم إرشاده الى مكان الوضوء، وناولوه قطعة ليُصلي عليها، بدت وكأنها لم تُستخدم من قبل لنظافتها وحسن رسمها ونسيجها.

للصدفة كان الغداء مكوناً من (العكوب أو الكعوب) واللحم واللبن، ولكن الإضافات في الحساء ومواعين المقبلات جعلته مختلفاً عن مثيله في القرية.

كانت أدوات تناول الطعام الفاخرة جداً من صحون وملاعق وشُوَّكٍ وسكاكين، ترمق الجالسين الجدد بقربها استعداداً لاستعمالها بنظرات احتقارٍ واضحة، فهم طارئون على التعامل معها. وقد أحس علوان قبل أبيه بمثل ذلك الإحساس، فلم يستعملا أكثر من الملعقتين، لتناول القليل من الطعام.

أقلهما سليمان بك الى موقف السيارات، وغاب قليلاً ليدفع أجرتهما، ودس يده بجيبه ليضع قطعة ورق نقدية بيد علوان.

كان لتلك القصة أثرٌ كبير في القرية، لحسن تعامل سلمان بك مع أقاربه!
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس