عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 18-02-2010, 09:29 AM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الاقتصاد الجزئي مقابل الاقتصاد الكلي

بعد كل أزمة اقتصادية عالمية أو إقليمية مؤثرة، يقوم خبراء الاقتصاد بمراجعة النظريات الاقتصادية المعمول بها والتي آل تأثيرها الى النتائج الراهنة، فيتتبع هؤلاء الصيغ القانونية التي نظمت اقتصاديات الدولة أو الإقليم، أو حتى العالم في الحالة الراهنة، فينتقدون الهفوات التي جاءت من خلال الممارسة، أو يذهبوا الى أكثر من ذلك في انتقاد النظرية نفسها، فيخرج جيلٌ جديد من نظريات مُحسنة ليست على قطيعة كاملة بما سبقها من نظريات، بل تطور تلك النظريات وتضيف عليها لتتجاوز من خلالها ما وقع به الاقتصاد من أزمات، وتُعقد الندوات وتدرس المراكز المتخصصة والجامعات والمعاهد تلك الأفكار المستحدثة ويمتلئ الفضاء الذهني بمثل تلك المناقشات، وتتأثر السلطات التشريعية التي تدقق النظر في الدراسات والتوصيات المختلفة، فيتم بعد ذلك تعديل وتصويب القوانين المؤثرة بعلاقات الإنتاج.

في الدول التي تتنافس في البقاء بين مصاف الدول الأكثر قوة في العالم، توضع حزمة أو حُزَم من الدراسات التي تناقش كل ركائز القوة نفسها (اقتصادية، عسكرية، صحية، تعليمية، الخ). فالدولة أو النظام الاقتصادي والسياسي الموسوم بسمة معينة، سيقوم الباحثون فيه بمناقشة كل صغيرة وكبيرة، من خلال دراسات وإحصاءات موثوقة، انطلاقاً من أن كل شيء يتأثر بكل شيء.

في بلادنا، ليس هناك سمة واضحة وثابتة لأي اقتصاد أو حتى نظام سياسي، فتجد الاقتصاد الحُر (المرتبط بالليبرالية كفكر سياسي واقتصادي متكامل) تتعايش مع أفكار اشتراكية منتخبة بما يتماشى مع نظرة النظام السياسي، ولكن ليس بحدود ثابتة وقواعد معروفة، بل يمكن أن تنام البلاد على حالة مركزية التعليم والصحة بصورتها وأهدافها الاشتراكية، وتصبح على قرار يأمر بخصخصة مشاريع صحية أو إنتاجية أو متعلقة بالاتصالات والمواصلات والنفط والمياه الخ.

وفي بلادنا، يعيش النظام الجمهوري، مستلهماً خصائص النظام الملكي في كل شيء. أما النظام الملكي، فلن تجد له مثيل في كل أنحاء العالم، فقد تكون الدولة العربية من نتاج النظام البريطاني في مؤسساتها وتوجهاتها واختيار صداقاتها، لكنها لا تقبل بطبيعة النظام الملكي البريطاني، من حيث طبيعة صنع القرار فرئيس الوزراء يعينه الملك، ورئيس الوزراء يعين الوزراء، والوزراء لا يعترضون على قرار، والشكل البرلماني ما هو إلا ديكور، يبقى طالما قام بمباركة ما تراه مؤسسة الملك في كل شيء، وإن بدت أي معارضة، يتم حل البرلمان ضمن صلاحيات دستورية وُضعت لصيانة نظام الملك، وأصبحت لحماية نظام رئيس الجمهورية أو الأمير أو أي مسمى آخر في البلدان العربية.

والاقتصاد، ورأس مال الدولة، يذهب في جُله في خدمة مؤسسات تُبنى يوماً بعد يوم، دوافعها الأساسية والكامنة، هي الهواجس الأمنية، فتتضخم وزارات الداخلية وتكثر مبانيها، وتتفرع لدوائر وتكثر المسميات والأجهزة الإلكترونية ودورات احتراف المحققين وكلف تلك الدورات، حتى يتشوه الاقتصاد وتتشوه مفاهيم الحريات، وتبقى دوائر تناقل السلطة والمسئوليات محصورة بعينات محدودة ومراقبة لتصل للجد الثالث أو الرابع.

خلاصة القول، أن بلداننا والكثير من بلدان العالم الثالث، لا تسهم في صياغة نظريات وأسس قانونية لتنظيم علاقات الإنتاج، بل تنتقي ما يحلو لها من نُظم مبتكرة في أقوى الدول بالعالم، وضعتها تلك الدول لمعالجة أوضاعها هي، وليس لمعالجة أوضاع العالم الذي يشكل لها ميداناً رحباً لإثبات قوتها.

ماذا يعني الاقتصاد الجزئي والاقتصاد الكلي؟

دراسة الاقتصاد الجزئي هي دراسة الندرة والاختيار. والاقتصاد الجزئي يركز على صنع القرار الفردي أو (المجموعي) في أجزاء أو قطاعات من الاقتصاد من المناسب كثيراً وصفها كأسواق (حسب قول: كيث هارتلي). والسوق هو أي ترتيب يقوم الأفراد من خلاله بتبادل اختياري قائم على معطى أساس يفترض وجود مردودات من المعاملات والمتاجرة الاختياريتين.

في الاقتصادات الرأسمالية تتعدد الأسواق المتبادلة الاعتماد على بعضها، فمثلاً لا يعتمد الطلب على النفط على سعره فقط بل أيضاً على أسعار الفحم والغاز والكهرباء والسيارات أيضاً، وستتأثر سلعٌ وخدماتٌ أكثر بُعداً من ذلك، مثل الثلاجات والمطاعم، وتذهب الى الأفراد العاملين في حقولٍ تصب في مناحي لها علاقة بأي سلعة. فمثلاً في بلادنا، عندما يتم محاصرة بلد مثل العراق (سابقاً) فإن ميكانيكي السيارات سيكون له شأن أكثر من دولة مثل الأردن، لأن قطع الغيار واستيراد السيارات لا يكون سهلاً في حالة العراق.

في حين يعني الاقتصاد الكلي للدولة، مجموع الاقتصادات الجزئية، وبعد أن تم استحداث منظمة التجارة العالمية، وبعد أن أصبحت الأموال تتنقل ما وراء الحدود والبحار والقارات، فإن كل اقتصاد وطني والذي هو مجموع الاقتصادات الجزئية للبلد، سيكون جزءا للاقتصاد الكلي العالمي. وهذا ما لوحظ في الأزمة المالية والاقتصادية العالمية والتي طال تأثيرها كل مناطق العالم، فلن يستطيع أحدنا أن يذهب (متذاكياً) الى بنغلاديش أو السودان ليستورد منها بعض الحبوب كغذاء للإنسان أو الحيوان، ظناً منه أنها في معزلٍ عن حركة الأسعار في العالم.

كيف يتم اختيار الاقتصاد الجزئي وتوجيهه؟

سواء كان الاقتصاد اشتراكي أو رأسمالي، فإنه في حالة اختيار نوعياته وأنماطه الجزئية سيخضع الى صيغتين (النمساوية والكلاسيكية) إذ على القائمين أن يقرروا:

1ـ ماذا سننتج ـ مثلاً ـ سيارات، أو أجهزة تلفزة، أو مدارس، أو مستشفيات، أو أسلحة؟

قبل أكثر منعقدين من الزمن، في نهايات الثمانينات من القرن الماضي، كانت تنتشر في الأردن وفود تضع دراسات، منها أمريكية ومنها يابانية، وكان أحد واضعي الدراسات اليابانية أو ممن يملئون الاستمارات الاستبيانية يتجول في النقابات المهنية، ويطرح في استمارته عشرة خيارات لنوع الاقتصاد المرغوب في البلاد، طالباً من المستجوَب أن يرتبها حسب أهميتها ( صناعة ثقيلة، تعليم، زراعة، صحة، سدود، صناعات تحويلية الخ). وقد ضحك فجأة، وعندما سُئل عن سبب ضحكه، أجاب: أن رجال الأعمال والمهندسين والأطباء والطلاب والكسبة والوزراء وضعوا الزراعة في المرتبة الأولى، وبلادكم لا تصلح للزراعة، فلا ماء بها ولا سكان يستوجب هدر الأموال في الزراعة، لو تمرنتم على صناعة المساطر والأقلام لدرت عليكم أرباحاً أكثر من الزراعة!

2ـ كيف سينتج السلع والخدمات، مثلاً، هل يجب استعمال الفحم، أو النفط، أو الطاقة النووية لتوليد الكهرباء؟

3ـ من سيشتري تلك السلع أو يقبل على طلب تلك الخدمات، وكيف يتم توزيعها وأين، وما هي تسعيرتها وعلى ماذا تعتمد؟

نلاحظ في أسواق الدجاج، أنه عندما يقل المعروض من تلك السلعة، تفتح الدولة باب الاستيراد، فيدب الذعر في صفوف المنتجين، والسؤال هنا؟ كيف ينتج الفرنسي أو الهولندي دجاجاً في بلاده التي تزيد فيها أجور العمال عن بلادنا؟ ولهذا حديث مطول، لم يتم الإجابة عليه مركزياً من قبل الحكومات العربية، تتعلق بتخفيض الكلفة ودعم المنتجين الخ.

4ـ من سيقوم بالاختيار؟ أي اختيار نمط أو أنماط الاقتصادات الجزئية، هل تكفي رغبة الدولة أن تدفع الاقتصادات الجزئية لأن تتوجه الى نوع من الاقتصاد، فكيف يمكن للحكومة الأفغانية حالياً أن تقنع مزارعي الأفيون أن يستبدلوه بالقمح؟ إنها قضية أو قضايا متشابكة ومعقدة.

يتبع
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس