عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 18-01-2011, 11:30 AM   #19
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

هـ- بناء القدرة الاستراتيجية الذاتية

إن الوطن العربي لا يملك حماية استقلاله وأمنه ومكتسباته دون حيازة قدرة استراتيجية ذاتية: دفاعية وتنموية وعلمية وتقانية، يتحصن بها الاستقلال والأمن. إنه في حاجة إلى انتهاج استراتيجية تستهدف الاستخدام الأمثل للموارد والقدرات المتاحة بشكل منهجي ومدروس وتجنيدها في سياسات تنموية قادرة على توفير أجوبة للحاجات الاقتصادية والاجتماعية للوطن والمواطنين. وهو في حاجة إلى تنميةٍ علمية يتغذى منها المجال المعرفي وتتغذى منها التنمية الاقتصادية. وهو في حاجة إلى إعادة توطين التقانة وصولاً إلى إنتاجها. ثم إنه في حاجة إلى تطوير منظومته الدفاعية بتطوير البحث العلمي في المجال الدفاعي وبناء صناعة عسكرية عربية مشتركة متقدمة وعصرية لتحرير القرار الدفاعي العربي من شروط وإملاءات القوى المتحكمة في سوق السلاح. وليس في وسع أية دولةٍ عربية بمفردها أن تنهض بذلك لأن مواردها المحدودة لا تسمح به. وعليه، لا مناص من إطلاق استراتيجية قومية عربية للتنمية تعتمد التكامل والاندماج من أجل تعظيم القوة وبلوغ هدف حيازة القدرة الاستراتيجية الذاتية.

ولكي تضمن استراتيجية حماية الاستقلال الوطني والأمن القومي العربي النجاح في مواجهة ن جزءاً من استراتيجية ممانَعَةٍ كونية بين القوى المتضررة من الهيمنة الأمريكية على مصير العالم، والرافضة لتلك الهيمنة، في أفق تصحيح حال الخلل القائمة في التوازن الدولي، وإصلاح مؤسسات الأمم المتحدة على مقتضى العدالة والديمقراطية والمشاركة المتوازنة في صناعة القرار، وبما يضمن مصالح الإنسانية جمعاء، وخاصة شعوب "العالم الثالث"، من أجل بناء نظام عالمي جديدٍ حقّاً للأمن والسِّلم والتعاون والفرص المتكافئة. ولا شك أن القوى التي تجمعنا بها قواسم حضارية مشتركة تأتي في مقدمة القوى الحليفة للعرب في مسعاهم من أجل بناء هذه الاستراتيجية.

2- استراتيجية الأمن الوطني والقومي


إن نقطة الانطلاق في تصحيح وضعية الاستباحة للأمن العربي بشقيه الوطني والقومي تكمن في صياغة مفهوم عربي مشترك يستند إلى المصلحة القومية، ويضع المصالح القطرية في اعتباره مع التأكيد على أن هذه المصالح لا يجب أن تشكل أدنى تهديد للأمن العربي ككل، ويتطلب هذا إجراء مراجعة موضوعية لكل المحطات البارزة في التاريخ العربي المعاصر منذ انطلاق فكرة مشاريع النهضة والوحدة العربية لاستخلاص الدروس من الأخطاء التي ارتكبت، وتحديد الفرص الضائعة التي ألحقت ضرراً فادحاً بالأمن القومي والعربي. وتنطوي استراتيجية الأمن الوطني القومي على بعدين أحدهما عسكري والثاني غير عسكري.

أ- استراتيجية الرّدع

وتقوم على مبدإ تنمية المقومات والعناصر اللازمة لردع العدو عن القيام بأي عمل عسكري ضدّ أية بقعة من بقاع الوطن العربي. وهذا يتطلب بناء منظومة دفاعية من قوات بحرية وجوية وبرية عصرية مجهزة بأحدث المعدات ومدرَّبة على أحدث فنون القتال وبأعداد كبيرة، ومن نظام معلومات ورصد واستخبار عسكريّ متطور. ومن دون قيام صناعة عسكرية عربية متقدمة تلبي احتياجات الجيوش، سيظل استيراد السلاح قيداً على استراتيجية الردع، كما إنه من دون حيازة قوة ردع استراتيجية – مثل السلاح النووي – لن يكون في وسع الوطن العربي ردّ الأخطار التي تُحدق بأمنه واستقلاله. وهذا ما أدركتْه في السابق دول مثل الصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية، فكان حافزاً لها على الانصراف إلى إقامة صناعة عسكرية تلبي احتياجاتها، وإلى بناء منظومة ردع نووي تقيها الأخطار الخارجية.


ب- مواجهة التهديدات غير العسكرية

ومن هذه التهديدات خطر المشاريع السياسية المطروحة على النظام العربي سواء لتفتيته وإلحاقه بكتل إقليمية وعالمية تضيع فيها هويته، أو لتسوية صراعاته الإقليمية وعلى رأسها الصراع العربي-الصهيوني على النحو الذي يصفي الحقوق الفلسطينية والعربية، ولن تكون مواجهة هذه المشاريع ممكنة بغير بلورة رؤية عربية مشتركة واعتماد النهج التفاوضي الجماعي بشأنها، والقضاء على الأوضاع التي تيسر الاختراق الأجنبي للأقطار العربية واستقواء قوى سياسية داخل هذه الأقطار بذلك الاختراق.

من هذه التهديدات أيضاً المخاطر التي باتت تحيط باللغة العربية من أكثر من مصدر سواء نتيجة تفشي مؤسسات التعليم الأجنبي في الوطن العربي أو النزوع إلى تعزيز اللهجات المحلية على حساب اللغة القومية، أو الإفراط في الاعتماد على العمالة الأجنبية وما يستتبعه ذلك من دخول مفردات لغات أجنبية في الحياة اليومية العربية بما في ذلك تربية النشء في بعض الأقطار العربية، ولن تكون مواجهة هذه التهديدات ممكنة دون العمل على تحقيق السيادة الفعلية للغة القومية في الإدارة والتعليم والثقافة والعلوم بما في ذلك العمل على تعريب التعليم في الكليات العلمية العربية.

ومن هذه التهديدات خطر فقدان الأمن المائي والغذائي والأمن العلمي والتقني، الأمر الذي يهدّد بفقدان الاستقلال والإرادة والارتهان الدائم للأجنبي، ناهيك بالسقوط في دوامة من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية لعدم القدرة على توفير الغذاء والماء ومستلزمات الحياة.

من ناحية أخرى لا شك أن ظاهرة العمالة الأجنبية في الوطن العربي باتت تمثل خطراً داهماً على الأمن القومي العربي والاستقرار الداخلي في وحداته ناهيك عن أنها تضرب أصلاً فكرة التكامل القومي في جوهرها، والأمر المؤكد أن استفحال هذه الظاهرة يهدد بمزيد من استتباع الأقطار العربية خاصة وأن قطاعات واسعة من هذه العمالة تنتمي إلى قوى إقليمية ذات شأن، ويفاقم من هذا التهديد الأوضاع المتردية للفئات الدنيا من هذه العمالة. ومع التأكيد على ضرورة حصول هذه الفئات على حقوقها الاقتصادية والاجتماعية فإن الأمر من منظور الأمن القومي العربي يتطلب إعادة نظر شاملة في سياسات العمالة في الوطن العربي يجب أن تفضي إلى استراتيجية قومية تعتمد على العمالة العربية بصفة أساسية في تلبية الاحتياجات للعمالة في الأقطار العربية.

كما يتعرض الوطن العربي إلى عمليات تدمير منهجية للبيئة حيث تحول العديد من مناطقه إلى مستودعات للمواد السامة المشعة والملوثة بتواطؤ داخلي في أغلب الأحيان. ولابد من موقف عربي جماعي رسمي يواجه هذه الظاهرة وتداعياتها الخطيرة على الأمن البيئي العربي، ويتضافر مع قوى المجتمع المدني الفاعلة من أجل بيئة عربية آمنة.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس