عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 23-12-2019, 10:48 AM   #2
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,950
إفتراضي

وذلك كان أكثر أموال الأنصار، الذي قال -: أنه من أكثرهم مالا ويستأنس له بما ورد أنه كان له بستان يحمل في السنة مرتين، وكان فيه ريحان يجيء منه ريح المسك وجاءه قيمه في أرضه فقال: يا أبا حمزة عطشت أرضك، فتردى -أي: لبس رداءه- ثم خرج إلى البرية، ثم صلى ما قضى الله له، ثم دعا فثارت سحابة فجاءت وغشيت أرضه، ومطرت حتى ملأت صهريزة له، وذلك في الصيف فأرسل بعض أهله، فقال: انظروا أين بلغت، فإذا هي لم تعد أرضه والمال الآخر، هو: النقد المدخر وغيره، ثم إن من كره المال إنما كرهه للحساب عليه، وكون الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم، وهو خمس مئة عام ، ولكن كان سفيان الثوري يقول: لأن أخلف عشرة آلاف درهم يحاسبني الله عليها أحب إلي من أن أحتاج إلى الناس ، ونحوه قوله (ص)«إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس»
وقال الثوري مرة لمن عاتبه في تقليب الدنانير: دعنا عنك فإنه لولا هذه لتمندل الناس بنا تمندلا بل جاء عنه أنه قال: المال في هذا الزمان سلاح المؤمن ونحوه قول ابن عيينة -رحمه الله-: من كان له مال فليصلحه، فإنكم في زمان من احتاج فيه إلى الناس؛ فإن أول ما يبذله دينه
وكأن السفيانين رحمهما الله أشارا إلى ما يروى عنه (ص)أنه قال: «إذا كان آخر الزمان لا بد للناس فيها من الدراهم والدنانير، يقيم الرجل فيها دينه ودنياه» ونحوه: «يأتي على الناس زمان من لم يكن معه أصفر ولا أحمر لم يتهن بالعيش»
«الدنانير والدراهم خواتيم الله في أرضه، من جاء بها قضيت حاجته، ومن لم يجىء بها لم تقض حاجته» إلى غير ذلك، مما ينتشر الكلام بسببه بل يروى عنه (ص)أنه قال: «إنما يخشى المؤمن الفقر؛ مخافة الآفات على دينه»
وكان سعيد بن المسيب يقول: اللهم إنك تعلم أني لم أجمع المال إلا لأصون بها حسبي وديني
وعن ابن أبي الزناد وقيل له: أتحب الدراهم وهي تدنيك من الدنيا؟! فقال: هي وإن أدنتني منها فقد صانتني عنها
وقد جنح إمامنا الشافعي إلى تفضيل الغني الشاكر على الفقير الصابر ، فهذا ما فتح الله -عز وجل- به في الجمع بين هذين الحديثين
وقد استروح الداودي المالكي فقال في حديث الدعاء لأنس: أنه يدل على بطلان الحديث الآخر، قال: وكيف يصح ذلك وهو (ص)يحض على النكاح والتماس الولد؟!
ولذلك تعقب الداودي شيخنا -رحمهما الله- وقال: «إنه لا منافاة بينهما، يعني بين الحض على النكاح والتماس الولد، وبين الدعاء بعدم حصول الولد والمال معا، لاحتمال أن يكون ورد في حصول الأمرين معا»
قال: لكن يعكر عليه كراهيته لغير أنس ما دعا به له، ثم أجاب عنه بما أسلفته معزوا إليه فإن استشكل دعاؤه (ص)على من لم يؤمن به بكثرة المال والولد بمن يشاهد من الكفار المقلين منهما معا، والحال أن دعاءه (ص)مجاب، أمكن أن يقال: لعله (ص)لم يقصد حقيقة الدعاء عليهم، إنما أراد منه تنفير من يحبهما معا من محبيه على الوجه المذموم كما تقدم ونحوه القول في غالب من دعا عليهم (ص)من الكفار، ممن تخلف دعاؤه فيهم، بأنه لم يرد بذلك إهلاكهم، وإنما أراد ردعهم؛ ليتوبوا
وقد قيل في (عقرى) و (حلقى) أن ظاهره الدعاء لكنه غير مراد، وكذا قيل في (ويل أمه) و (لا أبا له) ، و (تربت يداه) ، و (قاتله الله) ونحو ذلك
ويحتمل أن يقال: لعله أراد قوما مخصوصين في زمنه (ص)أو يقال بالفرق بين من صدر منه الدعاء عليه بطريق التعيين، وبين من اندرج في العموم، لا سيما بعد نزول قوله -تعالى-: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون} [آل عمران:128] ، فقد صح أنه (ص)كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع، فربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده: «اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف» يجهر بذلك
وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: «اللهم العن فلانا وفلانا» لأحياء من العرب، حتى أنزل الله -عز وجل-: {ليس لك من الأمر شيء} الآية ويستأنس له بقول شيخنا في حديث: «أيما مؤمن سببته أو جلدته، فاجعل ذلك كفارة له يوم القيامة» : «ما أظنه يشمل ما وقع منه بطريق التعميم لغير معين، حتى يتناول من لم يدرك زمنه »
على أنه قد جاء في «صحيح مسلم» من حديث سعد بن أبي وقاص أنه (ص)أقبل ذات يوم من العالية حتى إذا مر بمسجد بني معاوية، دخل فركع ركعتين، وصلينا معه، ودعا ربه طويلا، ثم انصرف إلينا فقال: «سألت ربي ثلاثا، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، فسألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألت ربي أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها»
وفي الباب عن أنس ، وثوبان ، وخباب بن الأرت ، وابن عباس ، ومعاذ بن جبل ، وأبي بصرة الغفاري وبه تعقب شيخنا قول بعض شراح «المصابيح» أن جميع دعوات الأنبياء (ص) مستجابة، وقال: «إن في قوله غفلة عن الحديث الصحيح، وهو «سألت الله ثلاثا» » وذكره
ويساعد شيخنا من أجاب من استشكل ظاهر قوله (ص)«لكل نبي دعوة مستجابة» بما وقع لكثير من الأنبياء من الدعوات المجابة، ولا سيما نبينا (ص)بقوله: إن المراد بالإجابة في الدعوة المذكورة القطع بها، وما عدا ذلك من دعواتهم فهو على رجاء الإجابة
وكذا من قال أن المراد بأن لكل منهم دعوة عامة مستجابة في أمته، إما بإهلاكهم وإما بنجاتهم، وأما الدعوات الخاصة فمنها ما يستجاب، ومنها ما لا يستجاب وبالجملة فالمقام خطر، وما قلته أولا من الاحتمالات أنسب، وآخرها أحسنها، وليس المسؤول بأعلم من السائل"
أكثر السخاوى من النقول ولم يجب الجواب اليقينى كما قال فى نهاية الكتاب :
"وما قلته أولا من الاحتمالات أنسب، وآخرها أحسنها، وليس المسؤول بأعلم من السائل"
والمفروض فى كتاب يتحدث عن مشكلة فى حديثين أن يذكر نص الحديثين ولكن السخاوى اكتفى بكلامه هو عن مضمون الحديثين وللعلم نذكر الحديثين:
الأول:
"عن أنس بن مالك قال : دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " اللهم أكثر ماله وولده وأطل حياته "، فأَكْثَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ مالي؛ حتى إن كرماً لي يحمل مرتين، وولد لصلبي مئة وستة أولاد .
هذا حديث حسن صحيح"
الثانى:
" عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله(ص)إذا دعوتم لأحد من اليهود والنصارى فقولوا أكثر الله مالك وولدك" وهذا الحديث ضعيف السند فقد رواه ابن عدي وابن عساكر وضعفه الشيخ الألباني"
الحديث الأول لا يصح لأمرين :
1-علم النبى(ص) أن كثرة الإنجاب وقلته وعدمه شىء يحدث لمشيئة الله وليس للدعاء دخل فيه مع قوله تعالى وفى هذا قال تعالى:
"لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما"
ومن ثم فهو لن يدعو بشىء يعلم انه ليس بالدعاء ولا بغيره
2- طول الحياة أمر محال لقوله تعالى "لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"
فالعمر مقدر ولا يمكن أن يزيد أو ينقص عن المدة التى هددها الله من قبل
3- وجود رواية تقول" دفنت من صلبى مائة واثنين" وهى تناقض رواية الدعاء فهذا معناه أن من عاش من ولده أربعة وكلهم ماتوا وهذا ليس عددا كثيرا
4- أننا لو افترضنا كما يقولون أن عاش مائة سنة وأنه تزوج بعد وفاة النبى(ص) لأنه كان يخدمه ولا يفارقه وهو فى سن الخامسة والعشرين تقريبا وتزوج أربعا فهذا معناه أن الرجل كان يعصى الله فى إنجاب الأولاد فالمفروض هو إنجاب طفل كل ثلاث سنوات سنة حمل وسنتين رضاعة ومن قم فكل امرأة لو تزوجها فى الخامسة عشر ستنجب على الأكثر حتى الخمسين حوالى 15 طفلا وأربع نسوة فى15 بستين طفلا وليس مائة
5- أن الرسول(ص) يعلم أن الله قسم الرزق بالعدل وهو التساوى فقال :
"وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين" فكيف يدعو للرجل بكثرة المال وهو يعلم أنه قسم الرزق بالعدل فإن طلب زيادته لواحد فقد دعا عليه أو أراد به الشر لأن تلك الزيادة تغنيه ومن اغتنى يكفر كما قال تعالى :
"كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى"
كما أنه يعلم أن الأرض بكل ما فيها من مال رزق للمسلمين جميعا بالعدل وهو التساوى إلا أن يريد الله زيادة طفيفة عبر وسائل شرعها كالورث والهبة والغنيمة وفى هذا قال تعالى :
"ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون"
الحديث الثانى :
لايصح هو الأخر بغض النظر عن السند للتالى:
1-أن الشريعة لا تخص فريق من الكفار بشىء فلو كان حديثا لكان عاما فى كل الكفار والأقرب أن يدعو للمشركين وهو قد فعل فى الاستغفار كما قال تعالى "ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم"
2-أن المسلمين لا يدعون لشىء يعلمون أنه لا يتغير بالدعاء وهو إنجاب الأولاد فهذا أمر قدره الله لكل واحد
ومن ثم فالكتاب قام على حديثين غير صحيحيين
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس