الموضوع: أرثيك ماذا
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 18-05-2010, 06:58 PM   #3
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

أرثيكَ ماذا...؟!


والصخورُ تحركتْ ترثى الجبال..َ
مفارقة مركبة من بيئة متحدة ،تبرز عنف هذا الواقع الأليم

المتمثل في تحرك الصخور ،ولكن إذا كانت حركة الصخور وليس صخرة واحدة أمرًا غريبًا فإن هذا الاستغراب يزول طالما أنها ترثي الجبال ذلك الرمز الذي اتخذته للوالد رحمه الله.
وإذا كانت هناك أفعال تعبر عن حالة التغير إلا أن الفعل تحركت يظهر حالة مختلفة من الحزن هي حركة المعزّين ،فلم يكتف شاعرنا العزيز ببكاء الصخور وإنما وصل الأمر إلى درجة التحريك .ومثل هذه التركيبات الجديدة تبرز براعة الشاعر في استخدام الأفعال ذات الطبيعة الموحية المشعّة كما أنها كانت بداية تظهِر مدى الحزن الذي لا يمكن معه التمهيد لتكون البداية صادمة للقارئ ودافعة في نفس الوقت إلى استكمال القراءة والانفعال بما هو مكتوب لطالما قد كتبته دموع القلب غير أن عبارة أنت وحدك واقف أتت لتثبت العكس ، فتنهد الجبال كلها ويظل الوالد الراحل هو الجبل الوحيد المتبقي.
جزء أشعر أن فيه لمحة سينمائية فريدة في هذا الجبل المتبقي والذي كأن الشاشة تضيء عليه فقط ليكون أول المشهد .

وأنت َوحدكَ واقفُ


فهل استراحتْ مُقلتى


وهل استراحَ لهول ِظنى الموقفُ
تشخيص الموقف بهذه الصفة يجعل للموقف وهو

الحزن صورة في شكل الإنسان الشامت الذي كان
يأمل الرحيل ليحتل مكانة ما ،لكن يظل الجبل أعظم
من هذا الموقف ،إذا يعجز الحزن أن يبلغ مبلغ الرجل
الراحل ويظل -رغم رحيله- أبقى من الحزن الذي هو
بطبيعته متجدد ودائم .

أرثيكَ ماذا...؟!


والحنينُ عواصفُ


وفجاءة ُالأقدارِ لاترعى مدىً


أبدا ولا تلك الوعودُ ترفرفُ

مازلتَ وحدكَ كالجبالِ.. شموخِها


أوكلما مَرَّ السحابُ بركن ِبيتِك َينثنى


لاأنتَ طوعتَ الحروفَ بمهجتى


فعلام بى تتوقفُ
حالة الحركة ورمزيتها بين السحاب والعين ويجتمعان

في دلالتهما على الكثرة كان موفقًا ،وهذا الانثناء للسحاب
الذي يدل على الوقار والاحترام يوازيهما توقف الحياة
حتى كأن السحابة تنثني لهذه الشجاعة في مواجهة الموت
وكان سؤال الاستفهام الاستنكاري معبرًا عن هذا التوحد بالأب
في حالة طفولية أو هي إليها أقرب إذ يصير كمن توقف في منتصف الطريق لا يقوى على إكماله أو كمعلق بين السماء والأرض انثنت السحابة لكن المطر لم يصل إلى الأرض فلا هو مستريح بأحضان السحاب ولا هو لاهٍ مع الأرض وثمارها.كذلك الشاعر لا هو صاحبه في رحلته ولا والده بقي معه .

أنصفتَ بيتَ الشعرِفانتفضتْ فراشاتُ الرؤى
فراشات الرؤى في تعبيرها عن جمال الحياة ومباهجها

كانت تعبيرًا مناسبًا عن قيمة الحياة وتزداد هذه القيمة التصويرية عندما يكون هذا الفراش آخذًا سمة عكس سماته
إذ ينتفض ويرتد من ثغر القصيد ،فلا تحلو حياة ولا تكون لفراشاتها قيمة بعد انتهاء الحياة وكانت تعبيرات ثغر القصيد ،الفراشات ،الإنصاف على تباعدها يجمعها توصيف واحد يجعل لوجودها بهذه الكيفية قيمة أكبر .
فالفراشات هي الأفراح التي ارتدت إلى أماكنها وكأن الشعر
يلفظها لموته رحمه الله .وهذه الصورة فيها قدر كبير من التفكير
والوعي ،وتعد جميلة من خلال مزجها عناصر وصهرها في إطار
موقفي بجعل لكل مفردة منها دلالتها المميزة وحرقتها في النص .
وارتدَ من ثغرْ القصيد ِالمُرتجى


فتحجرتْ بين السطورِ فواصلٌ.. أنصفتـَها
أشعر أنها تفاصيل زائدة للوصول بمراعاة النظير

إلى صورة متكاملة كأنها عملية من البدء حتى الختام
تحاول إعادة صياغة فلسفتها بطريقتك الخاصة.

هل صرتَ وحدكَ تنصفُ
لهذا التساؤل دلالته الأسية على حال الوالد بعد

إذ غاد آخر مثوى له في الدنيا ، فهل أنصفه أهلها
غير أني أخاف أن يفهم القارئ التشكيك في عدالة
الحساب في القبر .وإذا كان الشاعر لم يصرح بوحدته
فإن حزنه هو الذي جعله في هذا الشطر يصرح بوحدة
أبيه ليكون التعبير المباشر العادي له تأثيره الحزين من
خلال مقدمات يستطيع القارئ أن يستنبطها تنتهي به
إلى هذا الحزن العميق.

يامَنْ على كتفِ الزمان ِحمَلتنى


وحَمَلتَ فى صدرِ البيانِ بشارة ً


لونامت الدنيا بحضنِكَ.. لم تنمْ
الله!ما أروع هذا التعبير عن تساميه وعن توازي دلالة

السمو مع كتف الزمان ! كمال قال شوقي رحمه الله:
إنما يكرم الكرام كريم
ويقيم الرجال وزن الرجالِ
إن صورة الجبل ما تزال حاضرة في الذهن بما يجعل سمو
هذا الراحل قد جعله يرفع ابنه على كتف الزمان.وإذا كان
هذا الارتفاع المادي فإنه يقابله سمو إنساني معنوي متمثل في
عدم نومه إذا نامت الدنيا في أحضانه.وإذا كانت الدنيا لا يتحقق لها أبدًا الاجتماع في أحضان إنسان ،فكذلك الحروف لا تملك القدرة على الوفاء بهذا الحزن ليكون للتساؤل أرثيك ماذا دوره الفاعل في إضاءة النص أكثر مما هو مضاء.

هدهَدتهَا بالعطف يا صدر الحنين


ولم تزل تهدى الوجود محبة ً


وتؤجلُ السفرَ الطويلَ.. وتعطف ُ


سافرت َوحدَك َصاحبتكَ حمائمٌ


تشتاقُ فى لثم الموانئ ساعديك...
كان تعبيرًا له طابع تشكيلي جميل في لثم

الموانئ للساعدين ، هذه الموانيء ربما
هي التعبير عن الجموع المنتظرة إياه وربما يكون
لها دلالة على المكان الذي كان يعمل فيه.وهذه الحمائم
تعبير عن الرحمة والسلام الذي ينعم به الإنسان بعد الموت
وإن كنت أتحفظ على مثل هذه التعبيرات لأسباب دينية.

على الكفوف ِسماحة ٌتتشرفُ


سافرت وحدك َ...مَنْ أنا ؟!


وقميصُكَ الظمآنُ لايدرى هـُدى ً


عند الوداع ِسحابة.ٌ


خلف الشتاء ِالمعطفُ

لم أتمكن -والعيب غالبًا مني- من فهم هذا التعبير

ودلالته المحتملة خاصة السطر خلف الشتاء المعطف.
ولعل المبدع إذ ينفعل مع هذا الحدث لا يجد إلا أن يلتفت إلى أبسط الأشياء التي كانت
تعبر عن وجوده المادي وترمز له ممثلة في القميص ،ليكون لهذه الأشياء دور أكثر
بروزًا في إظهار مدى ارتباط الشاعر بوالده الراحل رحمه الله .
قـُل لى بربِك أى فجرٍ يُرتجى


وملوك ِكهان ِالخرافةِ قابعون َعلى الصدورِ..


وفى الغياب ِوفى الحضورِ


وفى العيون ِغمامة ٌ

أفأىِّ نجم ٍيُعرَفُ؟!
رائع ذلك التعبير ،ليكون انسداد الدمع بالعين أثناء البكاء

هو الحائل دون أن يرى أي نجم.وكأن الأنجم التي كانت
تسطع فوق هذ االجبل قد رحلت وأفلت برحيله .أي نجم فرحة يعرف بعد أن انسدت العين بغيمة البكاء ؟! حقًا وللجبال من يبكونها.

أتراك تأملُ بعد هذا موطنا ً


والحورُ تسكن ُفى رحابـِكَ زمرة ً


تشتاقُ روضَكَ ياحبيبى هل تـُرى


أبقيتـَها عند اللقا ..تتلهفُ !

مرة أخرى أرى أن موقف الموت ومصائرالعباد نقطة لابد من الوقوف عندها ونسأل الله الرحمة ،ولا نزكي على الله أحدًا.ولكن التعبير من جانبه الفني كان جميلاً للغاية متمثلاً في تلهف الحور العين للقيا الإنسان ، وهذا ثابت في الحديث النبوي .
كما أن النهاية بكلمة تتلهف تجعل القارئ ينفعل مع القصيدة بشكل يرى فيه الشاعر يسقط على نفسه هذه اللهفة ،ويظل الراحل رحمه الله هو نقطة إجماع اللهفة من أهل الدنيا والآخرة(نسأل الله له ذلك).
أحسنت شاعرنا العزيز ولك منا خالص الشكر على ما أمتعتنا به وفقك الله دمت مبدعًا دومًا ولا تطل الغياب .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس