عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 20-07-2009, 07:23 PM   #338
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

أهلاً بك أخي المبدع العزيز والذي قد صاغ العيد ظاهرة إنسانية عكسية لديك تلك الظاهرة هي الحزن لفقدك عزيزًا كنت ترجوه جوارك في العيد وترجوك جواره في غير العيد ، وقبل الخوض في التعليق على النص أحب الإشارة إلى أن شعراء وأدباء المراثي اتخذوا من الحالة الإنسانية المسماة بالفقد \الموت أداة لإبراز فلسفياتهم في النظر إلى الوجود .
ونظرًا لأن أشكال الرثاء والعناصر المصاحبة لها اختلفت فقد برزت أسماء عدة تتعلق بجزء معين من الفقد فالخنساء رضي الله عنها كان فقدها أخويها لاسيما صخرًا عنصرًا مُدِرًّا للعديد من الأشعار والتي لا تقول عند قراءتها إلا أنني أقرأ دموعًا في شكل كلمات .
كذلك الشاعر الأندلسي العظيم ابن حمديس الصقلي رحمه الله لقب بشاعر الحنين وكذلك شاعر المراثي واللقب الثاني لست متأكدًا من صحة نسبته إليه ،فقد فقد أباه وعمته وحبيبته جوهرة وكان احتلال النورماند لمدينة أشبيلية ورحيله عنها معززًا ذلك الرثاء والحنين معًا .
وكذلك كانت قصيدة الراحل نزار قباني في رثاء زوجته العراقية بلقيس تحفة من تحف المراثي الحديثة قلما أبدع فرد في صياغتها على هذا النحو.
وها أنت ذا قد يأتي اليوم الذي يتحدث النقاد فيه عن ظاهرة عيد المراثي إن صح التعبير ، ذلك العيد الذي تستخدمة أداة لبث أشجانك والذي يختلف فيه معنى العيد لديك لتمكن مشاعر الفقد من الوصول إلى هذا الذهن المُرهق في كل عيد . لا أريد تشجعيك على هذه الظاهرة لأسباب عدة منها الديني ومنها الإبداعي لكني أقول إنها قد تكون علامة مميزة للرثاء لديك إذ أن الرثاء لديك ليس رثاء مكررًا في تفصيلاته بل هو رثاء متفرد بجانب معين وهو المحبوب\ العيد ، حيث أن منسوب الشجن والشعور بقسوة الفقد يرتفع بدرجة كبيرة اتكاء على هذه المناسبة . وفي هذا النص يأتي العيد ببعد ثان لمرثيّ ثان وهو الإنسان العربي غالبًا والمسلم اتكاء على ذكر الصلاة بشكل أعمّ . العيد وتوالدية الحزن أضعه عنوانًا لأعمالك الثلاثة أبتاه فرحتي بالعيد تموت في أكفان الغياب والقصيدة التي أتت على هذا النمط وهذه الخاطرة..
والآن لنجلس في حضرة نصك الرائع.


***
تتخذ العبارة كل عام وأنت هنا شكلاً دائريًا في حضورها أربع مرات في هذا النص القصير نسبيًا وقد يتساءل القارئ عن دلالة مجيئه بهذا العدد الكبير نسبيًا وبهذا التفاوت في المقاطع وأنا شخصيًا أميل إلى الاعتقاد بأنها جاءت كأداة استدرار العديد من المشاعر الشجية أكثر من كونها أداة للتعبير عن إضافة رؤيوية أو دلالية للنص . وأقصد برؤيوية ذات رؤية جديدة مغايرة لموروث أو فكر تقليدي.
كل عام وأنتَ هنا ..
تقتاتُ نزيفَ الوهمِ
تمسحُ عنْْْْْْْْ نوافذكَ الصدئةِ بقايا ذكريات
قد يتساءل الكاتب عن ماهية كلمة هنا فإن قصدت بها الوطن اليمن فذلك سيكون له دلالته الإنسانية الحزينة على مصير هذه الأرض التي كانت سعيدة أعادها الله إلى هذا العهد وإن كنت تقصد به مكان كتابة هذه القصيدة جدة فإن فكرة الاغتراب ستكون حاضرة وسيكون لعنصر الجغرافيا دوره في إثارة إشكالية تتعلق بالعروية والإنسان إذ يغدو ابن اليمن جار الجدار في هذه الأرض وهو في هذه الحالة الأسية من الإهمال والتجاهل .
إذًا لقد كانت العبارة كل عام وأنت هنا افتتاحية قوية للنص ولكن التكرار بهذه الدرجة هو الذي لم يكن إيجابيًا في وجهة نظري الشخصية .
كان التعبير تمسح عن نوافذك الصدئة بقايا الذكريات جميلاً من حيث أن تعبير عن الذكريات التي صارت كالغبار هذا التشبيه للذكريات بالغبار المتطاير كان مقويًا من الصورة واستدعاء صورة النافذة في مدلولها الرمزي يعطي انطباعات متباينة لكنها في هذا النص تأخذ شكلاً أسيًا بسبب هذا الصدأ كما أن تشبيه القلب بالنوافذ الصدئة زاد من قوة التعبير وولوجه إلى خلفية حزينة يتخيلها القارئ .
نزيف الوهم تعبير كان غير موفق لأن النزيف وهو الدماء يُسقى ولا يُقتات ولئن قصدت أو ظن القارئ اأن المراد من التعبير بأن الدماء تتكوم لتكون كتلاً متجمدة كأنها تؤك فإنني أظن هذا التأويل متكلفًا بشكل كبير .

كل عامٍ وأنت هنا
لا شيء يشبهك غير جثتِك
حين تتكومُ آخِرَ الرصيف
يرميك منفاك آخر الصفوف
آخر المهنئين
آخر كل شيء
لكنك أولَ المخدوعين بزخارف عيدك


لا يشبهك غير جثتك ميّز هذا التعبير القدرة من خلال التعبير عن تجريد الإنسان من كل شيء ليكون جثة فحسب كذلك التعبير يرميك منفاك .. ماذا تقصد مرة أخرى ؟ اليمن أم جدة ؟ البراهين على كلتا الكلمتين أوضح من أن يحاول القراء البحث عنها (الواقع!). وكان التعبير تتكوم مساعدًا على إظهار هذه الحالة من اللاشيئية إذ يغدو الإنسان كقطعة ورق يتكوم بجميع مكوناته الفكرية والإنسانية ...
ولاحظ معي انفتاح دلالة الرصيف ليكون الوطن \ القلب .
بعد ذلك يأتي تعبير يرميك منفاك آخر الصفوف ليضيف إضافة جيدة على صعيد الجانب الصوتي في الموسيقى بين كلمة الرصيف والصفوف في شِبه تقفية ، كان يميز النص أنسنة الرصيف وإعطاؤه سمة من أسوأ سمات الإنسان وهي الإلقاء والتجاهل .إن المنفى هو تلك الأرض لكنه يتسع ليكون هؤلاءالذين يعيش الإنسان حولهم ليكونوا طوقًا ثانيًا حوله وبؤسًا لها من حياة .
أتت كلمة آخر ثلاث مراة بينما آول جاءت مرة واحدة لتعبر عن هذا التغليب للتذييل ،وكان مجيء التعبيرات المباشرة آخر المهنئين آخر كل شيء وأول المخدوعين .. لينتقل الخطاب إلى حالة التأكيد على الضيق والحزن كأنما كان المخاطَب غير مصدق فاستدعى ذلك النزول باللغة إلى مستواه المباشر لتأتي الصفعة قوية مؤلمة في أول المخدوعين بزخارف عيدك حيث يضحي العيد مجرد رسوم زخرفية حول صورة متشحة بالسواد .

كلُّ عام وأنتَ هناك
يتقيؤك الناسُ بعدَ الصلاة
ويرفعون أثوابهم حين يمرون على جسدك
أنت وحدك هناك
برغم العيد ..ألا تزال حيا!!


ما أروع هذا التعبير الذي شبهت فيه الإنسان بالأكل الممضوغ غير المستساغ!!
إنه تشبيه يتسق بقوة مع الحالة وكان تدرج التعبيرات حتى الوصول إلى هذا التعبير الشديد عنصر قوة فاعل في النص .
ثم يتخذ الإنسان شكلاً آخر هو الوحل ، فبعد أن كان من (آكلي الدماء-الجِيَف ) صار هو نفسه جثة ثم مضغة غير مستساغة ثم وحلاً ..كلها تعبيرات تتدرج فيها قوة التعبيرات المعبرة عن الهوان والمذلة لتصبح على هذه الشاكلة .(قل لي ولن أخبر أحدًا لمن وجهت هذا الخطاب؟ )
برغم العيد ألا تزال حيًا!!
ميز هذا التعبير بشكل واضح انعكاس الدلالة والاستغراق بها إذ أن العيد يبدو لديك كأنه قاعدة أنه سبب حزن أو كأنه مذبح ما يستدعي حالة الاستغراب من الحياة بدلالتيها المجازية والحقيقية وتأتي كلمة العيد في هذا السطر موازية لكلمة الموت والحزن .

كل عام ..كل عام
يضحي بك النائمون على سفح الأحلام
فهنيئا لك بؤسك
وحزْنك
وأعيا د ك

كلمة كل عام .. كل عام أتت لتعبر عن شعور المبدع بعدم جدوى الكلام ، وانتفاء الدلالة المكانية هنا لتصبح هنا تعبيرًا عن كل مكان وعن كل عيد ولأنها أصبحت ثابتة لديه على هذا النسق كمسلّمة فليس من داع لذكرها .
وكانت النهاية عنيفة ممثلة في الموت ذبحًا إذ يذبح الإنسان ذبحًا معنويًا على سفح هذه الأحلام التي لم تتحقق (ولا أريد القول لن )سفح الأحلام هذه الجبال تغدو كلها من أحلام مما يستدعي صورة فانتازية في العلو خاصة بتداخلات لونية للزهور والخضرة والنضارة والفراشات ..
لكن هذه التعبيرات تكون ذات دلالة تقوي الحزن لما يكون هذا الجبل يضحَّى بالإنسان من فوقه ويكون للموت شكل أكثر حزنًا من كونه ميتًا دون أن يكون مضحّى به .
بؤسك حزنك أعيادك .. جمي أنك لم تجعل فواصل في النقاط بين كلمة حزنك وأعيادك لتكون الكلمة من حيث تخيل طريقة نطقها معبرة عن ترادف بين احزن والعيد وهنا اتكاء على الموقف والتشبيهات يكون المبدع قد أقنع المتلقي فعلاً -بناء على هذا الواقع المرير- بأن العيد لا يكون إلا حزنًا .
***
أخي العزيز :
هلا سامحت هذا العيد الذي فقدت فيه من تحب أو عاجلتك فيه ظروف غير سارة ؟!!
ربما تكون خواطر في غير صدق شعوري لأن المبدع هو أكذب الإنسان علاقة بين الحرف والشعور،لكن كفاك فخرًا بأنك أقنعت القارئ بمبررات هذا الحزن .
وبلسان حالك أقول : متى يضحّى بك أيها الحزن ؟
عملك رائع للغاية ينبغي أن يكون أداة للدراسة للناشئة في هذا المنتدى وفي العالم العربي أجمع .. فقط أعط هذه النصوص لنقاد أكثر منهجية في االدراسة والعلم وهم يكونون لك خير سند بإذن الله .
دمت مبدعًا وفقك الله .
وبمناسبة العيد أقول :
لوكان يُهدى للإنسان قيمته
لكانت هديتك الدنيا بما فيها
************************************************** *************************************
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 28-11-2009 الساعة 11:54 AM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس