الموضوع: جسد بلا روح
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-08-2003, 04:06 AM   #35
أطياف الأمل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2000
الإقامة: على نفحات الأمل
المشاركات: 3,258
إفتراضي

حلم بالبراءه


لم يتأخر فهد كثيرا .. لذا ما إن حضر .. حتى تناولنا غدائنا .. ثم انصرف كل منا

لغرفته ..
وخلال يومين .. كان سعود منشغلا جدا .. يكاد لا يخرج من غرفته .. فأنا أحضر

له الأكل الذي يمتنع عن تناوله في غرفته .. لا سعود لا يمتنع عن الطعام.. بل

هو ينسى تناوله .. مسكين يا أخي .. كان منشغلا في كتابة المذكرة الخاصة

بالقضية الأخيرة .. قضية الرجل المسن ..
دخلت عليع غرفته وكان يبدو حائرا ضائعا في بحر أفكاره .. سألته : مابك يا

سعود ؟ أتفكر بالقضية ؟
أجابني بشرود : أجل ..
سكت قليلا ثم أردف : لا أدري ماذا أفعل .. كيف أجعلهم يقتنعون ببرائته وكل

الأدلة ضده ؟ لا شيء معه .. كل شيء ضده .. بصماته على الخزنه .. لا أحد

معه المفاتيح غيره .. كل شيء .. آه يا روز .. لا أعلم ماذا أفعل .. أشعر أن

مصير هذا الرجل بين يدي .. مصير أبناءه السته وأمهم مرهونا بما سأقدمه في

المحكمة .. وأنا إلى الآن لا أحس بأني سأقدم شيء مفيدا !!
جال ببصره في أنحاء الغرفة بيأس .. فقلت له: يا أخي .. أنا أعلم أن قادر على

إنقاذ هذه العائلة المسكينة .. فكما أقنعتني أنا بنزاهة هذا الرجل .. تستطيع

أن تقنع القاضي وجميع الناس.. أجل يا أخي .. تستطيع ذلك .. باسلوبك الرائع

وثقتك من نفسك .. تستطيع فعل كل ذلك .. أنا واثقة أنك تستطيع !! إجعل

البراءة نصب عينيك .. حاول أن تصل لها بأي طريقة .. اسلك أي مسلك .. فقط

لتحصل على البراءة لهذا الرجل ..
- لا أدري يا روز .. كلما تذكرت نظرة ابنه الصغير عندما اتتني زوجته طالبة متي

أن أترافع عن زوجها .. كلما تحطمت ..
قاطعته قائلا : لا يا سعود .. بل يجب أن تزيدك نظرته قوة وايمانا .. يجب أن

تزيدك اصرار وعزيمة .. لا تيأس .. ولا تستسلم للظروف!! كن أقوى منها .. لا

تجعلها تهزمك بل اهزمها أنت ..
- أتعتقدين هذا يا روز ؟
- أجل يا سعود .. أجل .. أنا واثقة منك .. وواثقة بأنك تستطيع أن تخفف على

الرجل وأسرته بقدر ما تستطيع ..
- سأحاول يا أختي .. بقدر ما أستطيع سأحاول .. لأنك لا تدري كم يعذبني

قلبي كلما تذكرت أولاده وزوجته وامه العجوز المسنه .. من سيصرف عليهم

ويتحمل مسؤوليتهم ؟ من سيرعاهم ويهتم بشؤونهم وأكبر أولاده في العاشرة

من عمره !!
سألت باهتمام : سعود .. ألا أقارب لديهم ؟ أعمام و أخوال ؟
- لا يا صغيرتي .. لا أحد لديهم .. فجميع أهلهم بعيد جدا عنهم .. هذا الرجل

هو وحيد أمه المسنة وأبوه المتوفى .. أما زوجته .. مسكينه هي .. فلقد تبرأ

أهلها منها بسبب زواجها من هذا الرجل الطيب .. ولم يمدون لها يد العون حتى

بعد معرفتهم بمرض ابنتها الصغيرة الشديد .. فكيف تتوقعين أن يساعدوها في

حال إذ سجن زوجها ؟؟ بالطبع لن يساعدوها ولو بقرش واحد ..
- يالله .. كم هم قساة .. أيعقل أن يفعل ذلك إنسان له مشاعر وله قلب يخفق

بين ضلوعه ؟ ألا ترق قلوبهم لحال ابنتهم ؟
- عزيزتي .. هؤلاء قلوبهم تحجرت .. بل اضمحلت وتلاشت .. لم يعد لديهم

قلوب.. فلقد استبدلوها بحجارة قاسية صماء !! لا تحس ولا تشعر .. لذلك لا

ترق قلوبهم ولا تنزف ألما عندما يرون كرامة ابنتهم تمرغ في التراب ..
أطرقت حزنا ثم قلت لأخي : أعاذنا الله من قسوة القلوب .. أخي .. أنا لا أريد أن

أصبح مثلهم .. لا أريد لقلبي أن يصبح قاسيا لا يحس ..
ابتسم سعود وقال: لا تخافي يا عزيزتي .. فالقلب العامرة بذكر الله ومحبته .. لا

يمكن أن تقسو أبدا .. وأنت يا روز تملكين في قلبك طيبة لو وزعت على العالم

بأسره لكفته .. فلا تخافي القسوة لأنها أبعد صفة عن قلبك الطاهر ..
ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي .. قلت بعد برهه : أستأذنك الآن يا

سعود .. سأتركك لتكمل مذكرتك .. إلى اللقاء الآن ..
- إلى اللقاء ياعزيزتي ..
خرجت وظل سعود غارقا بين كتبه وملفاته .. يبحث عن مسلك .. لبراءة ذلك

الرجل !!


يتبع...
__________________


أحـــــــ هو حيــــــــــاتــــــي ــــمـــــــــــــد


أطياف الأمل غير متصل   الرد مع إقتباس