الموضوع: جسد بلا روح
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 01-09-2003, 12:26 PM   #39
أطياف الأمل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2000
الإقامة: على نفحات الأمل
المشاركات: 3,258
إفتراضي (بعض المشاهد في هذا الفصل مقتبسه من رواية مجدي صابر)

في المحكمه


نظر سعود إلى ساعته بتوتر .. فعلم أن الوقت قد حان.. أخذ حقيبته الجلديه السوداء ونهض من مكانه .. اتجه نحو قاعة المحكمة حتى وصل بالباب.. أخذ نفسا عميقا ودخل ..
- مـحــــكــــــمـــــه
كلمة صاح بها الحاجب بلهجة تحمل أكبر قدر من الوقار والهيبة .. نهض الجالسون في القاعة احتراما لحظة دخول القاضي .. وباشارة من يده جلس الجميع واستقروا في مقاعدهم .. صاح الحاجب مناديا باسم موكل سعود فتحرك من مكانه بسرعه للدفاع عنه ..
كانت دقات قلبه تتصاعد وأنفاسه تتلاحق .. كان سعود خائفا من الفشل .. من عدم النصر .. كان خائفا أن يخذل هذا الرجل .. ولكنه استجمع قواه وقال في نفسه : سانجح بإذن الله ..
نادى الحاجب: المتهم أحمد عبد الإله
وعلى الفور .. هب كتلة العظام التي كانت متقوقعة على نفسها في القفص الحديدي .. هب المتهم ذا ملابس السجن الزرقاء ما أن سمع اسمه ونظر إلى سعود الذي تقدم نحو منصة القضاء .. نظر إليه وفي عينه ذعر وخوف ودمع ..التقت نظراته الزائفة بنظرات سعود .. الفى سعود نظرته إليه وكأنه يطمئنه ثم صوب كلامه إلى القاضي مباشرة : المحامي سعود سلطان حاضر للدفاع عن المتهم ..
بدأ مرافعته بقوله : سيدي القاضي .. إن هذا المتهم لا ينكر جرمه ..لاينكر ان يديه امتدت إلى ما ليس له ..إلى خزنة العمل .. تلك الخزنة التي كان من المفترض ان يكون امينا عليها .. المتهم لا ينكر التهمه ولا الدفاع ينكرها .. ولكن هنالك جانب من القضية لم نلتفت اليه ولم يلقي له القانون بالا ..
صمت قليلا فتعلقت ابصار الجالسين به .. وومض في عينيه وميض غامض ..ثم اشار باصبعه نحو المتهم وقال: إن هذا المتهم الذي قيدتم برائته بهذه الأغلال في يده وتلك السلاسل والبذلة الزرقاء قد أمضى في وظيفته كأمين للصندوق لمدة 20 عاما .. 20 عاما كان مثالا للنزاهة والأمانة والشرف ..
سكت برهة ثم أضاف بلكنة حزينة: هذا المتهم له من الأولاد ثمانية وابنة واحده غير امهم وامه .. كانوا جميعهم يعيشون على مرتب هذا الرجل عيشة سعيدة..راضين بحالهم قانعين بنصيبهم.. ولكن فجأة .. وبدون سابق انذار .. تحول هذا الرجل الشريف الأمين إلى لص محتال !! تحول إلى لص بعد أن امتدت يده إلى الخزنة وأخذ منها مبلغا وقدره 1500 ريال!! 1500 ريال من أصل 35000 كانوا في الخزينة ..كان باستطاعته ان يسرقها كلها لو أراد .. ولكنه اكتفى بهذا المبلغ الضئيل .. لم ياترى؟ألم نسأل أنفسنا ذلك ؟ لم تحول إلى سارق لأجل حفنة من النقود ؟
سكت سعود بمرارة وقد ضاقت عيناه وهو يصوب نظراته إلى القاضي..وكأنه بذلك لا يخاطبه ذاته.. وإنما يخاطب ضميره.. كأنه يخاطب قلبه ومشاعره.. ساد القاعة سكون عجيب وقد امتلأت عينا المتهم بدموع غزيرة تدفقت من عينيه وانسابت بغزارة على خده ..
أكمل سعود بلكنة حزينة متألمة: لقد سرق المتهم هذا المبلغ الضئيل ليس لينفقه في رحلة ما أو يشتري به مالا أو غذائنا .. بل لأجل أن ينقذ كيان غالي عليه .. لأجل أن ينقذ ابنته!! ليدفع تكاليف علاج ابنته الصغيرة المريضة..ابنته التي ليس لديه سواها .. اختلس من اجل فلذة كبده .. اضطرت يداه إلى أن تمتد إلى ما ليس لها لينقذ ابنته من الموت.. ولو كان الثمن..حياته وشرفه ..
ماذا يفعل وكيف يتصرف؟ أيترك ابنته تموت ؟ بالطبع لا يستطيع !! ماذا يفعل إذا وقد أغلقت دور الخير أبوابها في وجهه ورفض الناس مساعدته بحجة أن قادر على العمل ؟
من منكم يستطيع أن يدين هذا الرجل على ما فعله ؟ من منكم كان يمكن أل يفعل ما فعله لو كان في نفس موقفه؟
استدار سعود عائدا إلى مكانه وعاد السكوت ليصبح سيد الموقف .. فيملأ القاعة كلها ..
ارتعشت شفتا المتهم خلف القضبان وهتف: يارب .. أنت العليم بما في القلوب والضمائر ..
ونطق القاضي بعد لحظة تمهل : حكمت المحكمة بسجن المتهم أحمد عبد الإله سنة مع ايقاف التنفيذ وبأن يتم تقسيط المبلغ الذي أخذه بغير وجه حق من راتبه ..
ضجت المحكمة بهتافات الفرح وبكى الكثيرون من السعادة .. رغم عدم معرفتهم للمتهم .. وابتسم سعود ابتسامة مبللة بعبق الدموع ورفع عينه لموكله في القفص.. فرآه يشهق ببكاء هستيري غير مصدق واطفاله يحتضنونه خارج القفص باكين .. فقد كانت تلك أقل عقوبة يمكن الحكم بها حيث يستحيل الحكم بالبراءة ..


يتبع ..
__________________


أحـــــــ هو حيــــــــــاتــــــي ــــمـــــــــــــد


أطياف الأمل غير متصل   الرد مع إقتباس