الموضوع: رحلة ابن فضلان
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 27-09-2007, 08:59 PM   #1
*سهيل*اليماني*
العضو المميز لعام 2007
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2006
المشاركات: 1,786
إفتراضي رحلة ابن فضلان


بسم الله الرحمن الرحيم

قال أحمد بن فضلان :

لما وصل كتاب ألمش بن يلطوار ملك الصقالبة إلى أمير المؤمنين المقتدر يسأله فيه البعثة إليه ممن يفقهه في
الدين ويعرفه شرائع الإسلام ويبني له مسجدا وينصب له منبرا ليقيم عليه الدعوة له في بلده وجميع مملكته
ويسأله بناء حصن يتحصن فيه من الملوك المخالفين له فأجيب إلى ما سأل من ذلك.
وكان السفير له نذير الحرمي فندبت أنا لقراءة الكتاب عليه وتسليم ما أهدى إليه والإشراف على الفقهاء
والمعلمين وسبب له بالمال المحمول إليه لبناء ما ذكرناه وللجراية على الفقهاء والمعلمين على الضيعة
المعروفة بأرثخشمثين من أرض خوارزم من ضياع ابن الفرات.
وكان الرسول إلى المقتدر من صاحب الصقالبة رجل يقال له عبد الله بن باشتو الخزري والرسول من
جهة السلطان سوسن الرسي مولى نذير الحرمي وتكين التركي وبارس الصقلابي وأنا معهم على ما
ذكرت فسلمت إليه الهدايا له ولامرأته ولأولاده واخوته وقواده وأدوية كان كتب إلى نذير يطلبها.

رحلة ابن فضلان-ابن فضلان 3
العجم والأتراك
فرحلنا من مدينة السلام يوم الخميس لأحدى عشرة ليلة خلت من صفر سنة تسع وثلاثمئة فأقمنا بالنهر
وإن يوماً واحداً ورحلنا مجدين حتى وافينا الدسكرة فأقمنا ا ثلاثة أيام ثم رحلنا قاصدين لا نلوي على
شيء حتى صرنا إلى حلوان فأقمنا ا يومين.
وسرنا منها إلى قرميسين فأقمنا ا يومين ثم رحلنا فسرنا حتى وصلنا إلى همذان فأقمنا ا ثلاثة أيام.
ثم سرنا حتى قدمنا ساوة فأقمنا ا يومين ومنها إلى الري فأقمنا ا أحد عشر يوماً ننتظر أحمد ابن علي
أخا صعلوك لأنه كان بخوار الري.
ثم رحلنا إلى خوار الري فأقمنا ا ثلاثة أيام ثم رحلنا إلى سمنان ثم منها إلى الدامغان صادفنا ا ابن قارن
من قبل الداعي فتنكرنا في القافلة وسرنا مجدين حتى قدمنا نيسابور وقد قتل ليلى بن نعمان فأصبنا ا
حمويه كوسا صاحب جيش خراسان.
ثم رحلنا إلى سرخس ثم منها إلى مرو ثم منها إلى قشمهان وهي طرف مفازة آمل فأقمنا ا ثلاثة أيام
نريح الجمال لدخول المفازة.
ثم قطعنا المفازة إلى آمل ثم عبرنا جيحون وصرنا إلى آفرير رباط طاهر بن علي.
ثم رحلنا إلى بيكند ثم دخلنا بخارا وصرنا إلى الجيهاني وهو كاتب أمير خراسان وهو يدعى بخراسان
الشيخ العميد فتقدم بأخذ دار لنا وأقام لنا رجلاً يقضي حوائجنا ويزيح عللنا في كل ما نريد فأقمنا أياماً.
ثم استأذن لنا على نصر بن أحمد فدخلنا إليه وهو غلام أمرد فسلمنا عليه بالإمرة وأمرنا بالجلوس فكان
أول ما بدأنا به أن قال: كيف خلفتم مولاي أمير المؤمنين أطال الله بقاءه وسلامته في نفسه وفتيانه
وأوليائه فقلنا: بخير قال: زاده الله خيراً.
ثم قرئ الكتاب عليه بتسلم أرثخشمثين من الفضل بن موسى النصراني وكيل ابن الفرات وتسليمها إلى
أحمد بن موسى الخوارزمي وإنفاذنا والكتاب إلى صاحبه بخوارزم بترك العرض لنا والكتاب بباب الترك
ببذرقتنا وترك العرض لنا.
فقال: وأين أحمد بن موسى فقلنا: خلفناه بمدينة السلام ليخرج خلفنا لخمسة أيام فقال: سمعاً وطاعة لما
أمر به مولاي أمير المؤمنين أطال الله بقاءه.
قال: واتصل الخبر بالفضل بن موسى النصراني وكيل ابن الفرات فأعمل الحيلة في أمر أحمد بن موسى
وكتب إلى عمال المعاون بطريق خراسان من جند سرخس إلى بيكند: أن أذكوا العيون على أحمد بن موسى الخوارزمي في الخانات والمراصد وهو رجل من صفته ونعته فمن ظفر به فليعتقله إلى أن يرد عليه
كتابنا بالمسألة فأخذ بمرو وأعتقل.
وأقمنا نحن ببخارا ثمانية وعشرين يوماً وقد كان الفضل بن موسى أيضاً واطأ عبد الله بن باشتو وغيره من
أصحابنا يقولون: إن أقمنا هجم الشتاء وفاتنا الدخول وأحمد بن موسى إذا وافانا لحق بنا.
قال: ورأيت الدراهم ببخارا ألواناً شتى منها دراهم يقال لها الغطريفية: وهي نحاس وشبه وصفر يؤخذ
منها عدد بلا وزن مئة منها بدرهم فضة وإذا شروطهم في مهور نسائهم: تزوج فلان ابن فلان فلانة بنت
فلان على كذا وكذا ألف درهم غطريفية وكذلك أيضاً شراء عقارهم وشراء عبيدهم لا يذكرون غيرها
من الدراهم ولهم دراهم أخر صفر وحده أربعون منها بدانق ولهم أيضاً دراهم صفر يقال لها السمرقندية
ستة منها بدانق.
فلما سمعت كلام عبد الله بن باشتو وكلام غيره يحذرونني من هجوم الشتاء رحلنا من بخارا راجعين إلى
النهر فتكارينا سفينة إلى خوارزم والمسافة إليها من الموضع الذي اكترينا منه السفينة أكثر من مئتي فرسخ
فكنا نسير بعض النهار ولا يستوي لنا سيره كله من البرد وشدته إلى أن قدمنا خوارزم فدخلنا على أميرها
محمد ابن عراق خوارزم شاه فأكرمنا وقربنا وأنزلنا داراً فلما كان بعد ثلاثة أيام أحضرنا وناظرنا في
الدخول إلى بلد الترك وقال: لا آذن لكم في ذلك ولا يحل إلي ترككم تغررون بدمائكم وأنا أعلم أا
حيلة أوقعها هذا الغلام يعني تكين لأنه كان عندنا حداداً وقد وقف على بيع الحديد ببلد الكفار وهو
الذي غر نذيرا وحمله على كلام أمير المؤمنين وإيصال كتاب ملك الصقالبة إليه والأمير الأجل يعني أمير
خراسان كان أحق بإقامة الدعوة لأمير المؤمنين في ذلك البلد لو وجد محيصاً ومن بعد فبينكم وبين هذا
البلد الذي تذكرون ألف قبيلة من الكفار وهذا تمويه على السلطان وقد نصحتكم.
ولا بد من الكتاب إلى الأمير الأجل حتى يراجع السلطان أيده الله في المكاتبة وتقيمون أنتم إلى وقت يعود
الجواب فانصرفنا عنه ذلك اليوم ثم عاودناه ولم نزل نرفق به ونقول: هذا أمر أمير المؤمنين وكتابه فما
وجه المراجعة فيه حتى أذن لنا فانحدرنا من خوارزم إلى الجرجانية وبينها وبين خوارزم في الماء خمسون
فرسخاً.
ورأيت دراهم خوارزم مزيفة ورصاصاً وزيوفاً وصفراً ويسمون الدرهم طازجة ووزنه أربعة دوانيق
ونصف والصيرفي منهم يبيع الكعاب والدوامات والدراهم.
وهم أوحش الناس كلاماً وطبعاً كلامهم أشبه شيء بصياح الزرازير وا قرية على يوم يقال لها أردكو
أهلها يقال لهم الكردلية كلامهم أشبه شيء بنقيق الضفادع وهم يتبرؤون من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في دبر كل صلاة.
فأقمنا بالجرجانية أياماً وجمد ر جيحون من أوله إلى آخره وكان سمك الجمد سبعة عشر شبراً وكانت
الخيل والبغال والحمير والعجل تجتاز عليه كما تجتاز على الطرق وهو ثابت لا يتخلخل فأقام على ذلك
ثلاثة أشهر.
فرأينا بلداً ما ظننا إلا أن باباً من الزمهرير قد فتح علينا منه ولا يسقط فيه الثلج إلا ومعه ريح عاصف
شديدة وإذا أتحف الرجل من أهله صاحبه وأراد بره قال له: تعال إلي حتى نتحدث فإن عندي ناراً طيبة
هذا إذا بالغ في بره وصلته إلا أن الله تعالى قد لطف م في الحطب أرخصه عليهم: حمل عجلة من حطب
الطاغ بدرهمين من دراهمهم تكون زهاء ثلاثة آلاف رطل.
ورسم سؤالهم أن لا يقف السائل على الباب بل يدخل إلى دار الواحد منهم فيقعد ساعة عند ناره
يصطلي ثم يقول: بكند يعني الخبز فإن أعطوه شيئاً أخذ وإلا خرج.
وتطاول مقامنا بالجرجانية وذلك أنا أقمنا ا أياماً من رجب وشعبان وشهر رمضان وشوال وكان طول
مقامنا من جهة البرد وشدته ولقد بلغني أن رجلين ساقا اثني عشر جملاً ليحملاً عليها حطباً من بعض
الغياض فنسيا أن يأخذا معهما قداحة وحراقة وأما باتا بغير نار فأصبحا والجمال موتى لشدة البرد.
ولقد رأيت لهواء بردها بأن السوق ا والشوارع لتخلو حتى يطوف الإنسان أكثر الشوارع والأسواق
فلا يجد أحداً ولا يستقبله إنسان ولقد كنت أخرج من الحمام فإذا دخلت إلى البيت نظرت إلى لحيتي
وهي قطعة واحدة من الثلج حتى كنت أدنيها إلى النار.
ولقد كنت أنام في بيت جوف بيت وفيه قبة لبود تركية وأنا مدثر بالأكسية والفرى فربما التصق خدي
على المخدة ولقد رأيت الجباب ا تكسي البوستينات من جلود الغنم لئلا تتشقق وتنكسر فلا يغني ذلك
شيئاً.
ولقد رأيت الأرض تنشق فيها أودية عظام لشدة البرد وأن الشجرة العظيمة العادية لتنفلق بنصفين لذلك
فلما انتصف شوال من سنة تسع وثلاثمئة أخذ الزمان في التغير وانحل ر جيحون وأخذنا نحن فيما نحتاج
إليه من آلة السفر واشترينا الجمال التركية واستعملنا السفر من جلود الجمال لعبور الأار التي نحتاج أن
نعبرها في بلد الترك وتزودنا الخبز والجاورس والنمكسوذ لثلاثة أشهر.
وأمرنا من كنا نأنس به من أهل البلد بالاستظهار في الثياب والاستكثار منها وهولوا علينا الأمر وعظموا
القصة فلما شاهدنا ذلك كان أضعاف ما وصف لنا فكان كل رجل منا عليه قرطق وفوقه خفتان وفوقه
بوستين وفوقه لبادة وبرنس لا تبدو منه إلا عيناه وسراويل طاق وآخر مبطن وران وخف كيمخت وفوق الخف خف آخر فكان الواحد منا إذا ركب الجمل لم يقدر أن يتحرك لما عليه من الثياب وتأخر عنا
الفقيه والمعلم والغلمان الذين خرجوا معنا من مدينة السلام فزعا من الدخول إلى ذلك البلد وسرت أنا
والرسول وسلف له والغلامان تكين وبارس.
فلما كان في اليوم الذي عزمنا فيه على المسير قلت: لهم يا قوم معكم غلام الملك وقد وقف على أمركم
كله ومعكم كتب السلطان ولا أشك أن فيها ذكر توجيه أربعة آلاف دينار المسيبية له وتصيرون إلى
ملك أعجمي فيطالبكم بذلك فقالوا: لا تخش من هذا فإنه غير مطالب لنا فحذرم وقلت: أنا أعلم أنه
يطالبكم فلم يقبلوا.
واستدف أمر القافلة واكترينا دليلاً يقال له قلواس من أهل الجرجانية ثم توكلنا على الله عز وجل وفوضنا
أمرنا إليه ورحلنا من الجرجانية يوم الاثنين لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة تسع وثلاثمئة فترلنا رباطاً يقال
له زمجان وهو بباب الترك ثم رحلنا من الغد فترلنا مترلاً يقال له جيت وجاءنا الثلج حتى مشت الجمال
إلى ركبها فيه فأقمنا ذا المترل يومين.
ثم أوغلنا في بلد الترك لا نلوي على شيء ولا يلقانا أحد في برية قفر بغير جبل فسرنا فيها عشرة أيام
ولقد لقينا من الضر والجهد والبرد الشديد وتواصل الثلوج الذي كان برد خوارزم عنده مثل أيام الصيف
ونسينا كل ما مر بنا وأشرفنا على تلف الأنفس.
ولقد أصابنا في بعض الأيام برد شديد وكان تكين يسايرني وإلى جانبه رجل من الأتراك يكلمه بالتركية
فضحك تكين وقال: إن هذا التركي يقول: لك أي شيء يريد ربنا منا هو ذا يقتلنا بالبرد ولو علمنا ما
يريد لرفعناه إليه فقلت له: قل له يريد منكم أن تقولوا لا إله إلا الله فضحك وقال: لو علمنا لفعلنا ثم
صرنا بعد ذلك إلى موضع فيه من حطب الطاغ شيء عظيم فترلناه وأوقدت القافلة واصطلوا ونزعوا
ثيام وشرورها.
ثم رحلنا فما زلنا نسير في كل ليلة من نصف الليل إلى وقت العصر أو إلى الظهر بأشد سير يكون
وأعظمه ثم نترل فلما سرنا خمس عشرة ليلة وصلنا إلى جبل عظيم كثير الحجارة وفيه عيون تنجرف عبره
وبالحفرة تستقر الماء.
فلما قطعناه أفضينا إلى قبيلة من الأتراك يعرفون بالغزية وإذا هم بادية لهم بيوت شعر يحلون ويرتحلون ترى
منهم الأبيات في كل مكان ومثلها في مكان آخر على عمل البادية وتنقلهم وإذا هم في شقاء وهم مع
ذلك كالحمير الضالة لا يدينون لله بدين ولا يرجعون إلى عقل ولا يعبدون شيئاً بل يسمون كبراءهم
أرباباً فإذا استشار أحدهم ريئسه في شيء قال له: يا رب إيش أعمل في كذا وكذا وأمرهم شورى بينهم
غير أم متى اتفقوا على شيء وعزموا عليه جاء أرذلهم وأخسهم فنقض ما قد أجمعوا عليه.

يتبع
__________________
*سهيل*اليماني* غير متصل   الرد مع إقتباس