الموضوع: رحلة ابن فضلان
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 29-09-2007, 07:51 PM   #5
*سهيل*اليماني*
العضو المميز لعام 2007
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2006
المشاركات: 1,786
إفتراضي

قال: ورأيت القمر لا يتوسط السماء بل يطلع في أرجائها ساعة ثم يطلع الفجر فيغيب القمر وحدثني الملك أن وراء بلده بمسيرة ثلاثة أشهر قوم يقال لهم ويسو الليل عندهم أقل من ساعة قال: ورأيت البلد عند طلوع الشمس يحمره كل شيء فيه من الأرض والجبال وكل شيء ينظر الإنسان إليه حين تطلع الشمس كأنها غمامة كبرى فلا تزال الحمرة كذلك حتى تتكبد السماء وعرفني أهل البلد أنه إذا كان الشتاء عاد الليل في طول النهار وعاد النهار في قصر الليل حتى إن الرجل منا ليخرج إلى موضع يقال له إتل بيننا وبينه أقل من مسيرة فرسخ وقت طلوع الفجر فلا يبلغه إلى العتمة إلى وقت طلوع الكواكب كلها حتى تطبق السماء فما برحنا من البلد حتى امتد الليل وقصر النهار.

ورأيتهم يتبركون بعواء الكلاب جداً ويفرحون به ويقولون: سنة خصب وبركة وسلامة.

ورأيت الحيات عندهم كثيرة حتى إن الغصن من الشجرة لتلتف عليه العشرة منها والأكثر ولا يقتلونها ولا تؤذيهم حتى لقد رأيت في بعض المواضع شجرة طويلة يكون طولها أكثر من مئة ذراع وقد سقطت وإذا بدنها عظيم جداً فوقفت أنظر إليه إذ تحرك فراعني ذلك وتأملته فإذا عليه حية قريبة منه في الغلظ والطول فلما رأتني سقطت عنه وغابت بين الشجر فجئت فزعاً فحدثت الملك ومن كان في مجلسه فلم يكترثوا لذلك وقال: لا تجزع فليس تؤذيك ونزلنا مع الملك منزلاً فدخلت أنا وأصحابي تكين وسوسن وبارس ومعنا رجل من أصحاب الملك بين الشجر فرأينا عوداً صغيراً أخضر كرقة المغزل وأطول فيه عرق أخضر على رأس العرق ورقة عريضة مبسوطة على الأرض مفروش عليها مثل النابت فيها حب ولا يشك من يأكله أنه رمان أمليسي فأكلنا منه فإذا به من اللذة أمر عظيم فما زلنا نتبعه ونأكله.

ورأيت لهم تفاحاً أخضر شديد الخضرة وأشد حموضةً من خل الخمر وتأكله الجواري فيسمن عليه ولم أر في بلدهم أكثر من شجر البندق لقد رأيت منه غياضاً تكون الغيضة أربعين فرسخاً في مثلها ورأيت لهم شجراً لا أدري ما هو مفرط الطول وساقه أجرد من الورق ورؤوسه كرؤوس النخل له خوص دقاق إلا أنه مجتمع يجيئون إلى موضع يعرفونه من ساقه فيثقبونه ويجعلون تحته إناء فتجري إليه من ذلك الثقب ماء أطيب من العسل إن أكثر الإنسان منه أسكره كما يسكر الخمر.

وأكثر أكلهم الجاورس ولحم الدابة على أن الحنطة والشعير كثير وكل من زرع شيئاً أخذه لنفسه ليس للملك فيه حق غير أنهم يؤدون إليه في كل سنة من كل بيت جلد سمور وإذا أمر سرية بالغارة على بعض البلدان فغنمت كان له معهم حصة ولا بد لكل من يعترس أو يدعو دعوة من زله للملك على قدر الوليمة وساخرخ من نبيذ العسل وحنطة ردية لأن أرضهم سوداء منتنة.

وليس لهم مواضع يجمعون فيها طعامهم ولكنهم يحفرون في الأرض آباراً ويجعلون الطعام فيها فليس يمضي عليه إلا أيام يسيرة حتى يتغير ويريح فلا ينتفع به وليس لهم زيت ولا شيرج ولا دهن بتةً وإنما يقيمون مقام هذه الأدهان دهن السمك فكل شيء يستعملونه فيه يكون زفراً ويعملون من الشعير حساء يحسونه الجواري والغلمان وربما طبخوا الشعير باللحم فأكل الموالي اللحم وأطعموا الجواري الشعير إلا أن يكون رأس تيس فيطعم من اللحم.

وكلهم يلبسون القلانس فإذا ركب الملك ركب وحده بغير غلام ولا أحد يكون معه فإذا اجتاز في السوق لم يبق أحد إلا قام وأخذ قلنسوته عن رأسه فجعلها تحت إبطه فإذا جاوزهم ردوا قلانسهم إلى رؤوسهم وكذلك كل من يدخل إلى الملك من صغير وكبير حتى أولاده وإخوته ساعة ينظرون إليه قد أخذوا قلانسهم فجعلوها تحت آباطهم ثم أوموا إليه برؤوسهم وجلسوا ثم قاموا حتى يأمرهم بالجلوس وكل من يجلس بين يديه فإنما يجلس باركا ولا يخرج قلنسوته ولا يظهرها حتى يخرج من بين يديه فيلبسها عند ذلك.

وكلهم في قباب إلا أن قبة الملك كبيرة جداً تسع ألف نفس وأكثر مفروشة بالفرش الأرمني وله في وسطها سرير مغشى بالديباج الرومي.

ومن رسومهم أنه إذا ولد لابن الرجل مولود أخذه جده دون أبيه وقال: أنا أحق به من أبيه في حضنه حتى يصير رجلاً وإذا مات منهم الرجل ورثه أخوه دون ولده فعرفت الملك أن هذا غير جائز وعرفته كيف المواريث حتى فهمها.

وما رأيت أكثر من الصواعق في بلدهم وإذا وقعت الصاعقة على بيت لم يقربوه ويتركونه على حالته وجميع من فيه من رجل ومال وغير ذلك حتى يتلفه الزمان ويقولون: هذا بيت مغضوب عليهم.

وإذا قتل الرجل منهم الرجل عمداً أقادوه به وإذا قتله خطأً صنعوا له صندوقاً من خشب الخدنك وجعلوه في جوفه وسمروه عليه وجعلوا معه ثلاثة أرغفة وكوز ماء ونصبوا له ثلاث خشبات مثل الشبائح وعلقوه بينها وقالوا: نجعله بين السماء والأرض يصيبه المطر والشمس لعل الله أن يرحمه فلا يزال معلقا حتى يبليه الزمان وتهب به الرياح.

وإذا رأوا إنساناً له حركة ومعرفة بالأشياء قالوا: هذا حقه أن يخدم ربنا فأخذوه وجعلوا في عنقه حبلاً وعلقوه في شجرة حتى يتقع.

ترجمان الملك أن سندياً سقط إلى ذلك البلد فأقام عند الملك برهة من الزمان يخدمه وكان خفيفاً فهماً فأراد جماعة منهم الخروج معهم فنهاه عن ذلك فاستأذن السندي الملك في الخروج معهم فنهاه عن ذلك وألح عليه حتى أذن له فخرج معهم في سفينة فرأوه حركاً كيساً فتآمروا بينهم وقالوا هذا يصلح لخدمة ربنا فنوجه به إليه واجتازوا في طريقهم بغيضة فأخرجوه إليها و جعلوا في عنقه حبلاً وشدوه في رأس شجرة عالية وتركوه ومضوا.

وإذا كانوا يسيرون في طريق فأراد أحدهم البول فبال وعليه سلاحه انتهبوه وأخذوا سلاحه وثيابه وجميع ما معه وهذا رسم لهم ومن خط عنه سلاحه وجعله ناحية وبال لم يعرضوا له وينزل الرجال والنساء إلى النهر فيغتسلون جميعاً عراة لا يستتر بعضهم من بعض ولا يزنون بوجه ولا سبب ومن زنا منهم كائناً من كان ضربوا له أربع سكك وشدوا يديه ورجليه إليها وقطعوا بالفأس من رقبته إلى فخذيه وكذلك يفعلون بالمرأة أيضاً ثم يعلق كل قطعة منه ومنها على شجرة وما زلت اجتهد أن يستتر النساء من الرجال في السباحة فما استوى لي ذلك ويقتلون السارق كما يقتلون الزاني وفي غياضهم عسل كثير في مساكن النحل يعرفونها فيخرجون لطلب ذلك فربما وقع عليهم قوما من أعدائهم فقتلوهم وفيهم تجار كثير يخرجون إلى أرض الترك فيجلبون الغنم وإلى بلد يقال له ويسو فيجلبون السمور والثعلب الأسود.

ورأينا فيهم أهل بيت يكونون خمسة الآف نفس من امرأة ورجل قد أسلموا كلهم يعرفون بالبرنجار وقد بنوا لهم مسجداً من خشب يصلون فيه ولا يعرفون القراءة فعلمت جماعة ما يصلون به.


__________________

آخر تعديل بواسطة *سهيل*اليماني* ، 29-09-2007 الساعة 07:57 PM.
*سهيل*اليماني* غير متصل   الرد مع إقتباس