الموضوع: رحلة ابن فضلان
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 29-09-2007, 08:04 PM   #6
*سهيل*اليماني*
العضو المميز لعام 2007
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2006
المشاركات: 1,786
إفتراضي

ولقد اسلم على يدي رجل يقال له طالوت فأسميته عبد الله فقال: أريد أن تسميني باسمك محمداً ففعلت وأسلمت امرأته وأمه وأولاده فسموا كلهم محمداً وعلمته الحمد لله و قل هو الله أحد فكان فرحه بهاتين السورتين أكثر من فرحه إن صار ملك الصقالبة.

وكنا لما وافينا الملك وجدناه نازلاً على ماء يقال له خلجة وهي ثلاث بحيرات منها اثنتان كبيرتان وواحدة صغيرة إلا أنه ليس في جميعها شيء يلحق غوره وبين هذا الموضع وبين نهر لهم عظيم يصب إلى بلاد الخزر يقال له نهر إتل نحو الفرسخ وعلى هذا النهر موضع سوق تقوم في كل مديدة ويباع فيها المتاع الكثير النفيس.

وكان تكين حدثني أن في بلد الملك رجلاً عظيم الخلق جداً فلما صرت إلى البلد سألت الملك عنه فقال: نعم قد كان في بلدنا ومات ولم يكن من أهل البلد ولا من الناس أيضاً وكان من خبره أن قوماً من التجار خرجوا إلى نهر إتل وهو نهر بيننا وبينه يوم واحد كما يخرجون وهذا النهر قد مد وطغى ماؤه فلم أشعر يوماً إلا وقد وافاني جماعة من التجار فقالوا: أيها الملك قد قفا على الماء رجل إن كان من أمة تقرب منا فلا مقام لنا في هذه الديار وليس لنا غير التحويل.

فركبت معهم حتى صرت إلى النهر فإذا أنا بالرجل وإذا هو بذراعي اثنا عشر ذراعاً وإذا له رأس كأكبر ما يكون من القدور وأنف أكثر من شبر وعينان عظيمتان وأصابع تكون أكثر من شبر شبر فراعني أمره وداخلني ما داخل القوم من الفزع وأقبلنا نكلمه ولا يكلمنا بل ينظر إلينا فحملته إلى مكاني وكتبت إلى أهل ويسو وهم منا على ثلاثة أشهر أسألهم عنه فكتبوا إلي يعرفونني أن هذا الرجل من يأجوج ومأجوج وهم منا على ثلاثة أشهر عراة يحول بيننا وبينهم البحر لأنهم على شطه وهم مثل البهائم ينكح بعضهم بعضاً يخرج الله عز وجل لهم كل يوم سمكة من البحر فيجيء الواحد منهم ومعه المدية فيجز منها قدر ما يكفيه ويكفي عياله فإن أخذ فوق ما يقنعه اشتكى بطنه وكذلك عياله يشتكون بطونهم وربما مات وماتوا بأسرهم فإذا أخذوا منها حاجتهم انقلبت ووقعت في البحر فهم في كل يوم على ذلك.

وبيننا وبينهم البحر من جانب والجبال محيطة بهم من جوانب أخر والسد أيضاً قد حال بينهم وبين الباب الذي كانوا يخرجون منه فإذا أراد الله عز وجل أن يخرجهم إلى العمارات سبب لهم فتح السد ونضب البحر وانقطع عنهم السمك.

قال: فسألته عن الرجل فقال: أقام عندي مدة فلم يكن ينظر إليه صبي إلا مات ولا حامل إلا طرحت حملها وكان إن تمكن من إنسان عصره بيديه حتى يقتله فلما رأيت ذلك علقته في شجرة عالية حتى مات إن أردت أن تنظر إلى عظامه ورأسه مضيت معك حتى تنظر إليها فقلت: أنا والله أحب ذاك فركب معي إلى غيضة كبيرة فيها شجرُ عظام فتقدمني إلى شجرة سقطت عظامه ورأسه تحتها فرأيت رأسه مثل القفير الكبير وإذا أضلاعه أكبر من عراجين النخل وكذلك عظام ساقيه وذراعيه فتعجبت منه وأنصرفت.

قال: وارتحل الملك من الماء الذي يسمى خلجة إلى نهر يقال له جاوشيز فأقام به شهرين ثم أراد الرحيل فبعث إلى قوم يقال لهم سواز يأمرهم بالرحيل معه فأبوا عليه وافترقوا فرقتين فرقة مع ختنه وكان قد تملك عليهم واسمه ويرغ فبعث إليهم الملك وقال: إن الله عز وجل قد من علي بالإسلام وبدولة أمير المؤمنين فأنا عبده وهذه الأمة قد قلدتني فمن خالفني لقيته بالسيف وكانت الفرقة الأخرى مع ملك من قبيلة يعرف بملك اسكل وكان في طاعته إلا أنه لم يكن داخلاً في الإسلام فلما وجه إليهم هذه الرسالة خافوا ناحيته فرحلوا بأجمعهم معه إلى نهر جاوشيز وهو نهر قليل العرض يكون عرضه خمسة أذرع وماؤه إلى السرة وفيه مواضع إلى الترقوة وأكثره قامة وحوله شجر كثير من الشجر الخدنك وغيره وبالقرب منه صحراء واسعة يذكرون أن بها حيواناً دون الجمل في الكبر وفوق الثور رأسه رأس جمل وذنبه ذنب ثور وبدنه بدن بغل وحوافره مثل أظلاف الثور له في وسط رأسه قرن واحد غليظ مستدير كلما أرتفع دق حتى يصير مثل سنان الرمح فمنه ما يكون طوله خمسة أذرع إلى ثلاثة أذرع إلى أكثر وأقل يرتعي ورق الشجر جيد الخضرة إذا رأى الفارس قصده فإن كان تحته جواد أمن منه بجهد وإن لحقه أخذه من ظهر دابته بقرنه ثم زج به في الهواء واستقبله بقرنه فلا يزال كذلك حتى يقتله.

ولا يعرض للدابة بوجه ولا سبب وهم يطلبونه في الصحراء والغياض حتى يقتلوه وذلك أنهم يصعدون الشجر العالية التي يكون بينها ويجتمع لذلك عدة من الرماة بالسهام المسمومة فإذا توسطهم رموه حتى يثخنوه ويقتلوه.

ولقد رأيت عند الملك ثلاث طيفوريات كبار تشبه الجزع اليماني عرفني أنها معمولة من أصل قرن هذا الحيوان وذكر بعض أهل البلد أنه الكركدن.

قال: وما رأيت منهم إنساناً يحمر بل أكثرهم معلول وربما يموت أكثرهم بالقولنج حتى إنه ليكون بالطفل الرضيع منهم وإذا مات المسلم عندهم أو زوج المرأة الخوارزميه غسلوه غسل المسلمين ثم حملوه على عجلة تجره وبين يديه مطرد حتى يصيروا به إلى المكان الذي يدفنونه فيه فإذا صار إليه أخذوه عن العجلة وجعلوه على الأرض ثم خطوا حوله خطاً ونحوه ثم حفروا داخل ذلك الخط قبره وجعلوا له لحداً ودفنوه وكذلك يفعلون بموتاهم.

ولا تبكي النساء على الميت بل الرجال منهم يبكون عليه يجيئون في اليوم الذي مات فيقفون على باب قبته فيضجون بأقبح بكاء يكون وأوحشه.

هؤلاء للأحرار فإذا انقضى بكاؤهم وافى العبيد ومعهم جلود مضفورة فلا يزالون يبكون ويضربون جنوبهم وما ظهر من أبدانهم بتلك السيور حتى تصير في أجسادهم مثل ضرب السوط ولا بد من أن ينصبوا بباب قبته مطرداً ويحضروا سلاحه فيجعلونها حول قبره ولا يقطعون البكاء سنتين.

فإذا انقضت السنتان حطوا المطرد وأخذوا من شعورهم ودعا أقرباء الميت دعوة يعرف بها خروجهم من الحزن وإن كانت له زوجة تزوجت هذا إذا كان من الرؤساء فأما العامة فيفعلون بعض هذا بموتاهم.

وعلى ملك الصقالبة ضريبة يؤديها إلى ملك الخزر من كل بيت في مملكته جلد سمور وإذا قدمت السفينة من بلد الخزر إلى بلد الصقالبة ركب الملك فأحصى ما فيها وأخذ من جميع العشر وإذا قدم الروس أو غيرهم من سائر الأجناس برقيق فللملك أن يختار من كل عشرة أرؤس رأساً.

وابن ملك الصقالبة رهينة عند ملك الخزر وقد كان اتصل بملك الخزر عن ابنة ملك الصقالبة جمال فوجه يخطبها فاحتج عليه ورده فبعث وأخذها غصباً وهو يهودي وهي مسلمة فماتت عنده فوجه يطلب بنتاً له أخرى فساعة اتصل ذلك بملك الصقالبة بادر فزوجها لملك اسكل وهو من تحت يده خيفة أن يغتصبه إياها كما فعل بأختها وإنما دعا ملك الصقالبة أن يكاتب السلطان ويسأله أن يبني له حصناً خوفاً من ملك الخزر.

قال: وسألته يوما فقلت له: مملكتك واسعة وأموالك جمة وخراجك كثير فلم سألت السلطان أن يبني حصناً بمال من عنده لا مقدار له فقال رأيت دولة الإسلام مقبلة وأموالهم يؤخذ من حلها فالتمست ذلك لهذه العلة ولو أني أردت أن أبني حصناً من أموالي من فضة أو ذهب لما تعذر ذلك علي وإنما تبركت بمال أمير المؤمنين فسألته ذلك.

وفيما يلي .. المسار التقريبي للرحلة ..




يتبع.
__________________

آخر تعديل بواسطة *سهيل*اليماني* ، 29-09-2007 الساعة 08:19 PM.
*سهيل*اليماني* غير متصل   الرد مع إقتباس