عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 19-03-2010, 07:08 PM   #4
هـــند
مشرفة
 
تاريخ التّسجيل: May 2008
الإقامة: بلاد العرب
المشاركات: 4,260
إفتراضي

الكلب
بمعطفه الجديد؛ وبشيء ما يتأبطه يلجُ العريف " آخميلوف " باحةَ السوق يتبعه شرطيٌّ ذوشعر أحمر، حاملاً ما صادراه من فاكهة.. الصمت يشيع في الأرجاء، وليست ثمّة حركة جلّية.. أبوابُ المحلات ونوافذها مواربةٌ علىَ سعتها مثل أفواه جائعة تحدّق بأسى لدنيا الله.
علىَ نحومباغت تٌمزّق أستار الصمت صرخةُ: " هكذا تريد أن تعضّني أيها الكلب الملعون. هذا زمان ما عاد للكلاب حرّية عضّ الآخرين.. آه!.. آه أوقفوه!.
يندلع نباحٌ متواصل.. تتوجّه أنظار " آخميلوف " ناحيةَ الصوت.. هناك كلبٌ برجلٍ عرجاء يفرٌّ هارباً من ناحية " مخزن أخشاب بنجوجن " ملاحَقاً مِن قبل رجلٍ ذي قميص أبيض يحاول الإمساك به فيتعثّر ساقطاً.. غير أنّه يفلح في القبض عليه من قائمتيه الخلفيّتين.. يعوي الكلبُ ومعه تستمرُ صيحاتُ الرجل.
وجوهُ بعيونٍ ناعسةٍ تطلُّ من نوافذ المحلات؛ تُطالع حشداً بشرياً التأم سريعاً كأنّه انبثقَ من ثنايا الأرض.
- " أتعتقد أنّ من الضروري توجيه اللوم والتوبيخ لتجمّع غير مسموح به كهذا؟ ".. يحاور آخميلوف شرطيَّهُ.
يستديرُ يساراً ويخطوباتجاه الحشد جوار الباب الرئيس لمخزن الأخشاب، يشاهد الرجلَ ذا القميص الأبيض يرفع يداً عارضاً على العيون المُبحلِقة إصبعاً مُدمّىَ فيما وجهه يشي بتعابيرِ رجلٍ شبه مخمور: " إنتظر!.. سأجعلك تدفع الكثير مقابل هذا، أيها الشيطان ".
وسرعان ما يتعرّف أخميلوف على الرجل: إنّه " كريوكين "؛ مثلما يشاهد الكلب خالقَ الجلبةِ يرتجفُ وسط الحشد وقائمتاه الأماميتان ممدودتان..كلبٌ أبيض تُبقّع ظهرَه بقعةٌ صفراء، عيناه تمتلئان بتعابير الخشية والقلق.
- " ما الخَطب؟! ".. يروح أخميلوف يتساءل، صانعاً طريقاً له وسط الحشد ". لماذا تقف هنا؟ وما الذي جرىَ لإصبعك؟ ومن كان يصرخ؟ "
- أنا.. لم أمَسَ أحداً.. ينطقُ "كريوكين" ثم يواصل "كنت أتجول في غابة ديمتري ديمتريفتش، هناك عندما هاجمني هذا الكلب المتوحش وعضّ اصبعي.. ليس لديَّ يا سيدي غير هاتين اليدين أعمل بهما، وعضّةُ هذا الكلب ستوقفني عن العمل لفترةٍ لا تقل عن سبعة أيام، لهذا على صاحبه أن يدفع لي تعويضاً؛ ألا يوجد في القانون ما ينبغي تحمله من تبِعات مخاطر الحيوانات، لانّه لوتُرِك لكلِّ حيوان حريةَ العضّ والفتك بالآخرين فلن يبقَ أحدٌ علىَ قيدِ الحياة في هذا العالم"
بصرامةٍ ظاهرة يرتفعُ حاجبا العريف أخميلوف ويهبطان:
- مَن هو صاحب هذا الكلب؟.. لن أسمح لمثلَ هكذا خروقات أن تحدث وتستمر. إنَّ على الجميع أن لا يتركوا كلابَهم طلقيةً كما تشاء، لقد ولّىَ الزمن الذي يُترك فيه مَنْ لا يُطيع القوانين سأعاقب مالكَ هذا الكلب، وسأعُلِّمه من أنا. يستدير إلى الشرطي المرافق:
- يا يلديرين، تحرَّ عمّن يكون صاحب هذا الكلب.. هذا الكلب يجب أن يُقتل.. إفعل ذلك سريعاً، فقد يكون مسعوراً.. على أي حال لمن هذا الكلب؟
- يبدوأنّه كلبٌ الجنرال ييجالوف.. ينطُقُ أحدٌ من الحشد.
- للجنرال ييجالوف؟ ها!.. يالديرين، إخلع معطفي!.. ما هذا الحر الشديد! من المحتمل أن تمطر هذا اليوم.. يوجد ثمة شيء لا أفهمه كيف عضّك هذا الكلب؟ يتوجه العريف أخميلوف إلى "كريوكين" متساءلاً. "وكيف طال أصبعك، إنّه كلبٌ صغير بينما أنتَ رجلٌ كبير؟.. ربّما فعلت ذلك بنفسك وأدّعيت جرحك من فعل هذا الكلب المسكين سعياً للحصول على مال.. أعرفكم أيها الشياطين!!
- " أطفأ السيجارة في وجه الكلب لكن الكلب ليس غبياً فعضّه، ياسيدي. " يتفوه الشرطي يلديرين.
- تكَذٌب!.. ما شاهد مثل هذا، يا سيدي ما شاهد مطلقاً.. ولكنْ دعْ الحاكم يقررّ، القانون يؤكد بسواسية الجميع في هذا العهد؛ ولي أخٌ يعمل في قسم الشرطة فإنْ لم..
- توقف!
- " كلاّ! هذا ليس كلب الجنرال "يقول الشرطي يلديرين مُظهراً إهتماماً، " لا يملك الجنرال كلباً كهذا، هذا كلبٌ لا يمُت إلى كلابه بشيء ".
- أمتأكد من ذلك؟ " يسأل العريف أخميلوف.
- نعم، كلّ التأكيد.
- وأنا متأكد أيضا.. كلابٌ الجنرال غالية الثمن، أما هذا الكلب فليس له شعر مقبول ولا شكل يُعتَد به لماذا يقتني الناس كلاباً قميئة.. لوكان في بطرسبورج أوموسكومثل هذه الكلاب هل تخمن ما يحدث؟ لن يجهدوا أنفسهم في البحث في فقرات القانون للتخلّص منها، بل يصنعون لها نهاية سريعة.. " ياكريوكين " لا شكّ أنك تعاني من ألم الجرح لذلك سوف لا أترك الأمرَ يجري عادياً، سألقّن مالكي هذه الكلاب درساً.. ولكن يبتسم أخميلوف مفكِّراً! أعتقد أنني شاهدتُ هذا الكلب في باحة الجنرال.
- "طبعاً؛ إنه كلب الجنرال " يأتي صوت من عمق الحشد.
- يالديرين؛ ساعدني.. ألبسني معطفي وخذ الكلب إلى الجنرال تأكد إن كان له أم لا. قل وجدته في الطريق فأتيت به؛ قدم لهم رجاءً؛ إرجوهم أن لا يتركوا الكلب في الشارع، لأنه كلب ثمين وقد يرتكب أحدهم حماقة فيطفئ سيجارة في خطمه فيتسبب في إيذائه، الكلب مخلوق رقيق.. وانت أيها الغبي.. أخفضْ يدك فلا ضرورة لعرض إصبعك السخيف، إنها حماقتك.
- ها هوطباخ الجنرال، دعونا نستفهم منه.. مرحباً بروخور تعال هنا للحظة، إنظر هل هذا كلبكم؟!
- هذا!.. لم نقتن مثل هذه الكلاب في حياتنا أبداً.
- هذا كلب لا يستحق السؤال عنه.. يتمتم أخميلوف.. متشردٌّ وينبغي قتله.
- كلا.. ليس لنا مطلقاً، بل هوعائد لأخ الجنرال الذي وصل إلى المدينة توّاً. سيدي لا يفضِّل هذه الأنواع، إنما أخوه من يرغبها.
- هكذا إذاً أخوه فلاديمير إيفانوفيتش وصل إلى هنا " يتساءل أخميلوف بمحّياً مُشرق وابتسامة تغمر وجهه: " حسناً، حسناً، لم أكن أعرف ذلك. " إذاً هوفي زيارة لمدينتنا!
- نعم، ياسيدي في زيارة،
- حسناً، حسناً وهذا هوكلبه، أنا مسرور جداً خذه! يا لهُ من كلب صغير وبارع، سريعاً أمسك باصبع هذا الرجل ها.. ها.. ها، لماذا ترتجف أيها الكلب الصغير.. لم تفعل شيئاً يستحق الخوف؛ وهذا الرجل وغدٌ وشرير..

ينادي "بروخور" على الكلب ويذهب به بينما يوجه أخميلوف تهديداته إلى "كريوكين". يحكم شدّ معطفه على جسده ثم يتخذ طريقه إلى داخل السوق يتبعه الشرطي يلدرين حاملاً الفاكهة المصادرة..

أنطون بافلوفيتش تشيكوف
__________________

هـــند غير متصل   الرد مع إقتباس