عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 05-03-2008, 02:06 AM   #7
الفارس
عضو شرف
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2005
الإقامة: مصـر
المشاركات: 6,964
إفتراضي

حيدر السليمان-الكويت:
هناك كرسي شاغر لتنصيب أشعر شعراء العرب الذين ما زالوا على قيد الحياة، مَن ترشّح له ؟
ما فائدة الشعر في زمن الدم الفلسطيني النازف يومياً ؟
- لا.. يا حيدر، ما كان ينبغي أن تعلن عن شغور هذا الكرسي، بل كان يجب، في اللحظة التي رأيته فيها، أن تقفز نحوه بسرعة، وتلتصق به مستخدماً نوعية "الصمغ السوبر" نفسها التي يستخدمها حكّامنا الرائعون .
بهذا كنت ستحل مشكلة لا تستطيع الجنّ حلّها .
أتعرف قصّة "دائرة الطباشير القوقازية" ؟ هي حكاية نزاع بين امرأتين على بنوّة طفل، حكم القاضي بوضعه وسط دائرة، وطلب أن تشدّه كلّ منهما من جانب، على أن يكون من نصيب التي تستطيع جذبه إلى ناحيتها أكثر من الأخرى .
ونهاية القصة معروفة، إذ حكم القاضي ببنوّة الطفل للمرأة التي رفضت أن تشدّه خشية أن تتقطّع أوصاله .
أنت، الآن، تضعني في موضع ذلك القاضي، وهو أمر لا أحسد عليه . ومع ذلك فأنت معذور، إذ لعلّك لا تعلم أنّ لدى العرب،الآن، أكثر من مليون ( أشعر شاعر )!
" تكفى يا الحبيب"، اكسر الشّر، واقعد على الكرسي، واحفر اسمك عليه.. ولك مني وعد بأن أرسل إليك كلّ ما تحتاجه من الصمغ الأصلي .
أمّا بالنسبة لسؤالك عن فائدة الشعر في زمن الدم الفلسطيني النازف، فأود القول بأن الشعر ليس بديلاً عن الفعل، بل هو قرين له، هو فن من مهماته التحريض والكشف والشهادة على الواقع والنظر إلى الأبعد. وهو بذلك يسبق الفعل، ويواكبه، ويضيء له الطريق، ويحرسه من غوائل التضليل .
قديماً قال نصر بن سيّار إنّ "الحرب أوّلها كلام" ، والواقع أنّ الكلام محيط بالحرب من أوّلها إلى آخرها: توعيةً وتحريضاً وتمجيداً.. وهذا ما مثّله نصر بن سيار نفسه .
لا غنى للفعل عن الكلام الصادق المؤثر، لأنّ غيابه يعني امتلاء الفراغ بالكلام النقيض، ونحن نعلم أنّ هذا النقيض موجود وفاعل حتى بوجود الصدق، فما بالك إذا خلا له الجوّ تماماً ؟
ما مِن "مقاومة" على وجه الأرض استغنت بالمقاتل عن الشاعر. كل مقاومة حيّة تدرك أن لا غنى للدم عن الضمير.
وتاريخ أمتنا، بالذات، أكبر شاهد على أهميّة دور الشاعر في الحرب، بل إن المقاتل نفسه طالما شحذَ سيفه ولسانه معاً، وهو يخوض غمرات الوغى: " وكرَّ مرتجزاً " أو " طعنه راجزاً " أو " هوى صريعاً وهو يرتجز " .
وإذا كان أبو تمّام قد قال إنّ " بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشكّ والرّيب " فهو قد جعل رأي الشاعر أوّلاً، إذ أكّد –ضمناً - أنّ سود الصحائف هي الدليل المبصر لبيض الصفائح العمياء..أليس في بيته هذا قد عيّن الأداة المطلوبة في الموقف، وحرّض على استخدامها ؟
وما قاله أبو تمّام، موارباً، قاله أبو الطيّب، دون مواربة: (الرأي قبل شجاعة الشجعان.. هو أوّل وهي المحلّ الثاني) .
الشعر مهم، خاصّة بالنسبة لنا نحن العرب، ولولا ذلك لما حفيت أقدام المخابرات المركزية الأميركية في سعيها من أجل تدميره بأيدي المغول الجدد الذين يدّعون النطق بلغتنا، ثمّ يفضحون هذا الادّعاء ، منذ الخطوة الأولى، بشعورهم بالعار من أسمائنا، و بإخراجهم الألفاظ من سياقاتها، وهدمهم المعاني والقواعد ، وسطوهم على المصطلحات وتوجيهها في غير ما وضعت له، وجعلهم فنون الكلام مجرد سقوف معلّقة في الهواء !
ولايكتفون بذلك، بل يحكمون حتى على تلك السقوف بألاّ تتفاعل مع واقعها أو قضاياها، وأن تترك السياسة للسياسيين والوطن للغزاة، وأن تهتم فقط باستعراض ألبستها الداخلية !
وهم في الوقت الذي يطلبون منك أن تترك الحاكم والحكم والمعتقدات جانباً، يسارعون، قبل زوال صدى كلامهم، إلى شتم حاكم الأرض والسماء !
وفي جوّ مكيدة مريعة كهذه، فإنّ مجرّد قول الشعر على أصوله، يصبح فعل مقاومة بحد ذاته، فما بالك إذا اتّصل بالدم اتّصال اللغة بالهويّة ؟


الفارس غير متصل   الرد مع إقتباس