عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-07-2019, 07:50 AM   #1
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,909
إفتراضي قراءة فى كتاب مسألة في الإرادة

قراءة فى كتاب مسألة في الإرادة
الكتاب تأليف الشيخ المفيد وموضوعه إرادة الله تعالى والإرادة تختلف من الخالق إلى المخلوق
إرادة الله تعالى طبقا لكونه واحد أحد لا يتجزأ ولا يتبعض هى الله نفسه ومن ثم فقولنا ذو علم وذو حياة وغير هذا كله واحد
إرادة المخلوق تعنى أنه يرغب فى قول أو فعل وهو قد يقوله أو لا يقوله يفعله أو لا يفعله وهو يحتاج لأدوات للقول أو الفعل بينما إرادة الله تعنى فعله أى عمله وهو خلقه للشىء كما قال تعالى :
"إنما إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون"
إرادة الله لا تحتاج لأداة ليتم الخلق بها وإنما هى كن وهو ما عبر المفيد عنه بقوله:
"قال الإرادة من الله جل اسمه نفس الفعل ومن الخلق الضمير وأشباهه مما لا يجوز إلا على ذوي الحاجة و النقص وذاك أن العقول شاهدة بأن القصد لا يكون إلا بقلب كما لا تكون الشهوة و المحبة إلا لذي قلب ولا تصح النية والضمير العزم إلا على ذي خاطر يضطر معها في الفعل الذي يغلب عليه إلى الإرادة له والنية فيه والعزم ولما كان الله تعالى يجل عن الحاجات و يستحيل عليه الوصف بالجوارح و الآلات و لا يجوز عليه الدواعي و الخطرات بطل أن يكون محتاجا في الأفعال إلى القصود و العزمات و ثبت أن وصفه بالإرادة مخالف في معناه لوصف العباد و أنها نفس فعله الأشياء و إطلاق الوصف بها عليه مأخوذ من جهة الاتباع دون القياس"
وقال معبرا عن ما قلته بألفاظ أخرى فقال :
"قال شيخنا المفيد رحمه الله أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب الكليني عن أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى قال قلت لأبي الحسن ع أخبرني عن الإرادة من الله تعالى و من الخلق فقال الإرادة من الخلق الضمير و ما يبدو لهم بعد كذا الفعل و الإرادة الإرادة من الله تعالى إحداثه الفعل لا غير ذلك لأنه جل اسمه لا يهم و لا يتفكر"
ونتناول ما قاله المفيد وهو :

"لا يخلو تعالى جده أن يكون مريدا لنفسه أو بإرادة و لا يجوز أن يكون مريدا لنفسه لأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون مريدا للحسن و القبيح و قد دل الدليل على أنه لا يريد القبيح و لا يفعله و لا يجوز أن يكون مريدا بإرادة لأنها لا تخلو من أن تكون موجودة أو معدومة و لا يجوز أن تكون معدومة لأن المعدوم ليس بشيء و لا يوجب لغيره حكما و إن كانت موجودة لم تخل من أن تكون قديمة أو محدثة فإن كانت قديمة وجب تماثلها للقديم تعالى و كذلك السوادان و البياضان فيجب تماثل القديمين كذلك و أيضا فلو كان مريدا بإرادة قديمة لوجب قدم المرادات بأدلة قد ذكرت في مواضعها فلم يبق إلا أن يكون تعالى مريدا بإرادة محدثة و هذا باطل من حيث كانت الإرادة عند مثبتيها عرض و الأعراض لا تقوم بأنفسها و لا بد لها من محال و لم تخل محل هذه من أن يكون هو أو غيره و محال كونه تعالى محل شيء من الأعراض لقدمه الإرادة و لا يجوز أن يكون مريدا بإرادة محدثة تحل في غيره لوجوب رجوع حكمها إلى المحل و لا يصح أن يكون حكمها راجعا إلى محلها و يكون تعالى مريدا بها و وجودها لا في محل غير معقول و إثبات ما ليس بمعقول يؤدي إلى الجهالات فثبت أنه مريد مجازا لا حقيقة فتأمل ذلك "
الأخطاء هى :
الخطأ الأول القول : لا يجوز أن يكون مريدا لنفسه لأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون مريدا للحسن و القبيح و قد دل الدليل على أنه لا يريد القبيح و لا يفعله "
الله مريد لنفسه كما قال تعالى "كتب ربكم على نفسه الرحمة "فالله أراد لنفسه الرحمة
والله مريد للحسن والقبح أى الخير والشر أى الحسنة والسيئة كما قال تعالى :
"وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله"
فالحسنة والسيئة كلاهما من خلق أى إرادة الله فهو كما قال:
" فعال لما يريد"
والمسألة المختلطة فى العقول من الحسنة والسيئة أى الخير والشر هى مسألة الكفر والإسلام فالله فاعل أى مريد أى مشيئته شاءتهما كما قال تعالى :
"وما تشاءون إلا أن يشاء الله "
ولكنه يرضى عن الإسلام كما قال تعالى :
"ورضيت لكم الإسلام دينا"
ولا يرضى والمراد لا يقبل الكفر من عباده كما قال تعالى :
" ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم "
الخطأ الثانى القول: ولا يجوز أن يكون مريدا بإرادة لأنها لا تخلو من أن تكون موجودة أو معدومة
إرادة اى مشيئة الله موجودة بلا بداية وبلا نهاية لكونها ذاته فالله لا ينقسم ولا يتبعض فلو لم يكن له إرادة ما كان شىء مما هو موجود وما هو قادم كما قال تعالى :
"ولا تقولن لشىء إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله"
ووضح المفيد أن إرادة البشر تجعل الشىء الواحد إرادتين كقول الحمد لله رب العالمين فمرة يقصد به البشر قول الله فى القرآن ومرة يقصدون به الثناء على الله وكلاهما يكون صحيحا وفى هذا قال المفيد :
"مسألة إن قال قائل إذا كنتم تقولون أن إرادة الله تعالى لفعله هي نفس ذلك الفعل و لا تثبتون له إرادة غير المراد فما معنى قولكم أراد الله بهذا الخبر كذا ولم يرد كذا وأراد العموم ولم يرد الخصوص وأراد الخصوص و لم يرد العموم جواب قيل له معنى ذلك أن المقدور أخبارا كثيرة عن أشياء مختلفة فقولنا أراد كذا ولم يرد كذا فهو أنه فعل الخبر الذي هو عن كذا و لم يفعل الخبر الذي هو عن كذا و فعل القول الذي يفهم منه كذا و لم يفعل القول الذي يفهم منه كذا و هذا كقولنا إنا إذا قلنا الحمد لله رب العالمين وأردنا القرآن كان ذلك قرآنا وإذا أردنا أن يكون منا شكرا لله تعالى كان كذلك فإنا لسنا نريد أن قولا واحدا ينقلب بإرادتنا قرآنا إن جعلناه قرآنا و يكون كلاما لنا إن جعلناه لنا كلاما و إنما معناه أن في مقدورنا كلامين نفعل هذا مرة و هذا مرة فإن قال فكان من قولكم أن الحمد لله رب العالمين إذا أردتم به القرآن يكون مقدورا لكم قلنا هذا كلام في الحكاية و المحكي "
كما وضح الكتاب أن بعض ما يوصف به الله ليس معناه عنده هو معناه فى الخلق فقال :
" قال الكراجكي رضوان الله تعالى عليه في كنز الفوائد بيان صفات المجاز فأما الذي يوصف الله تعالى به ومرادنا غير حقيقة الوصف في نفسه فهو كثير فمنه مريد وكاره وغضبان وراض ومحب ومبغض وسميع وبصير وراء ومدرك فهذه صفات لا تدل العقول على وجوب صفته بها و إنما نحن متبعون للسمع الوارد بها و لم يرد السمع إلا على اللغة واتساعاتها والمراد بكل صفة منها معنى غير حقيقتها القول في المريد"
ووضح الكتاب أن معنى إرادة الخلق هو قصد أحد الضدين اللذين خطرا بالبال لا ينطبق على الله تعالى فى إرادته فقال :
"اعلم أن المريد في الحقيقة و المعقول هو القاصد إلى أحد الضدين اللذين خطرا بباله الموجب له بقصده و إيثاره دون غيره وهذا من صفات المخلوقين التي تستحيل أن يوصف في الحقيقة بها الإرادة رب العالمين إذ كان سبحانه لا يعترضه الخواطر ولا يفتقر إلى أدنى روية و فكر إذ كان هذا على ما بيناه فإنما معنى قولنا إن الله تعالى مريد لأفعاله أنها وقعت و هو عالم بها غير ساه عنها و إنما لم يقع عن سبب موجب من غيره لها لأنا وجدنا القاصد منا للشيء الذي هو عالم به غير ساه عنه و لا هو موجودا لمسبب وجب من غيره مريدا له فصح إذا أردنا أن نخبر بأن الله تعالى يفعل لا عن سهو و لا غفلة و لا بإيجاب من غيره أن نقول هو مريد لفعله و يكون هذا الوصف استعارة"
ونلاحظ التناقض فى كلام الكتاب بين صحة وصف الله بالإرادة فقال :
"لأن حقيقته كما ذكرناه لا يكون إلا في المحدث دليل و الذي يدل على صحة قولنا في وصف الله تعالى بالإرادة "
ومع هذا نفى أن يكون الله مريدا لنفسه أو مريدا بإرادة فقال :
"أنه سبحانه لو كان مريدا في الحقيقة لم يخل الأمر من حالين إما أن يكون مريدا لنفسه أو مريدا بإرادة فلو كان مريدا لنفسه لوجب أن يكون مريدا للحسن و القبيح كما أنه لو كان عالما لنفسه كان عالما بالحسن و القبيح و إرادة القبيح لا تجوز على الله سبحانه"
وقد سبق قول نفس الكلام فى بداية الكتاب كما كرر بعض من كلامه السابق وزاد عليه فقال :
"باب نفى الصفات التي ادعت المجبرة أنه قديمة مع الله تعالى الإرادة وأيضا فلو كان الله سبحانه مريدا فيما لم يزل إما لنفسه و إما بإرادة قديمة معه لوجب أن يكون مراده معه فيما لم يزل لأنه لا مانع له مما أراده و لا حائل بينه و بينه و لكان ما يوجده من الأفعال لا تختلف أوقاته ولا يتأخر بعضه عن بعض لأن الإرادة حاصلة موجدة في كل وقت وهذا كله موضح أنه عز وجل ليس بمريد فيما لم يزل لا لنفسه ولا لإرادة قديمة معه وإذا بطل هذا لم يبق إلا أن يكون مريدا بعد أن لم يكن مريدا بإرادة محدثة وهذا أيضا يستحيل لأن الإرادة لا تكون إلا عرضا والعرض يفتقر إلى محل والله تعالى غير محل للأعراض ولا يجوز أن تكون إرادته حالة في غيره كما لا يجوز أن يكون عالما بعلم يحل في غيره وقادرا بقدرة تحل في غيره ولا يجوز أيضا أن تكون لا فيه ولا في غيره لأنه عرض والعرض يفتقر إلى محل يحملها ويصح بوجوده وجودها ولو جاز أن توجد إرادة لا في مريد بها ولا في غيره لجاز أن توجد حركة لا في متحرك بها و لا في غيره فإن قيل إن الحركة هيئة للجسم و ليس يجوز أن تكون هيئة غير حالة فيه قلنا ولم لا يجوز ذلك فإن قيل لأن تغير هيئة الجسم مدرك بالحاسة فوجب أن يكون المعنى الذي يتغير به حالا فيه قلنا و كذلك المريد للشيء بعد أن لم يكن مريدا له قد يتغير عليه حس نفسه فوجب أن تكون إرادته تحله فإن قيل بأي شيء من الحواس تحس الإرادة قلنا وبأي شيء من الحواس يحس الصداع الإرادة فإن قيل إن الإنسان يدرك ألم الصداع في موضعه ضرورة قلنا فلم نركم أشرتم إلى حاسة بعينها أدركه بها ولنا أن نقول وكذلك المريد في الحقيقة يعلم بتغير حسه ويدرك ذلك من نفسه ضرورة”
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس