عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 23-01-2010, 02:37 AM   #8
ياسمين
مشرفة Non-Arabic Forum واستراحة الخيمة
 
الصورة الرمزية لـ ياسمين
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
الإقامة: المغرب
المشاركات: 2,102
Lightbulb

ويعتبر ماركس في نظر هابرماس أكبر داعية للتقنية، ولكن

تجدر الإشارة إلى أنه إذا كان ماركس قد ناصر التقنية كوسيلة

لتحرير الإنسان من الأمراض الفتاكة والأوبئة وجبروت

الطبيعة...الخ، فإنه أشار في مواطن متعددة إلى الأخطار التي

تحدق بالطبيعة من جرّاء الاستغلال التقني الأرعن لمواردها،

يقول:<< إن كل تقدم في فن الزراعة الرأسمالية ليس فقط تقدم

في نهب الأرض، فكل تقدم في زيادة خصوبة الأرض لوقت

محدود من الزمن هو تقدم في تخريب الموارد الدائمة لهذه

الخصوبة>>[13].

ومع ذلك، فالتقنية أو بالأحرى صنوها في المجال السياسي:

التكنوقراطية، أبعد من أن يحتكرا مجمل النشاط الإنساني في

المجتمع. ولكي يبين هابرماس حدود مفهوم التقنية من منظور

ماركس، فإنه يقسم المنظومة الاجتماعية إلى مقولتين: العمل

والتفاعل.

ومن هذا المنطلق يعيب على ماركس اهتمامه فقط بالعمل

والإنتاج داخل دائرة النشاط الأداتي، متجاهلا جانبا لا يقل أهمية

عنه يقوم على التفاعل الإنساني كالنشاط التواصلي الذي يعتبر

ذا دور كبير في لحم النسيج الاجتماعي أو ما يسمى في علم

الاجتماع بالجمعنة أو الجتمعة (Sociabilité). فالفكرة

الأساسية التي يحول هابرماس عرضها، أن ماركس يهلل تهليلا

كبيرا لقيم العمل والإنتاج ودور التقنية في الرفع من ذلك،

ويهمل جانبا لا يقل في نظر هابرماس أهمية عن ذلك: أهمية

التواصل في العصر الحديث.

يفهم هابرماس العمل كـ''نشاط عقلاني موجـه لهدف وغاية''،

وهو ينقسم بدوره إلى نوعين: فعل أداتي agir

instrumental يخضع لقواعد تقانيةTechnicité،

واختيار عقلاني choix rationnel ينتظم وفقا

لاستراتيجيات قائمة على معرفة تحليلية.

أما المقولة الثانية التي يهملها ماركس وهي التفاعل

interaction أو النشاط التواصلي كتفاعل اجتماعي، يتم

بواسطة مجموعة من الرموز والقواعد الإجبارية التي يحدد ما

يتوقعه طرف ما من سلوك الطرف الآخر؛ وتستمد هذه الرموز

معانيها من اللغة الجارية، خزان التجارب أو روح الشعب كما

يقول هيغل.

ونظرا لاختلال التوازن بين هذين المستويين بعد أن أطبقت

التقنية على النشاط الاجتماعي والعالم المعيش، متخطية بذلك

مجالها الطبيعي لتغرقهما في وحل آسن من الاغتراب والتشيؤ،

الأمر الذي أدى إلى إصابة الوعي الإنساني من جرّاء ذلك

بالخواء المعرفي والزيف الفكري... ) سنعود لاحقا لتبيان

الأصول الفلسفية لمقولة التفاعل .

وكخلاصة لذلك، يشخص هابرماس الحداثة الأوروبية على ضوء

ماكس فيـبر بأنها عقلانية أداتية، ولقد لخص هذا الأخير

المميزات والخصوصية الأوربية تحت مفهوم العقلنة والعقلانية

التي تجلت في ازدياد الحسابية والبحث عن الربح والسيطرة

المنظمة على كل الجوانب الحياة الإنسانية على أساس قواعد

قللت من الاعتماد على القيم التقليدية المتوارثة.

فلقد بين ماكس فيبرWeber بالملموس وجود تفاعل متبادل

بين الأخلاق الدينية البروتستانتية ونشأة الرأسمالية، وأرسى

بذلك لأول مرة الأسس المادية للنظرية الرمزية التي تتناول روح

التدين النسكي كنشاط مادي عند الرهبان وتأثيره في نشأة

الرأسمالية والتطور الاقتصادي وظهور العقلنة.

وأضاف فيـبر إلى ماركس بأن الرأسمالية ليست فقط نتيجة لفعل

التراكم المادي عن طريق قوى الإنتاج، بل أخذ أيضا محمل الجد

دراسة التأثير المتبادل بين السلوك الديني بوصفه سلوكا

اجتماعيا بامتياز يتفاعل فيه الرمز وتنشأ عنه قيم للتواصل في

المجتمع إذا ما استبطن الإنسان إيمانه الديني بطريقة عقلانية

وتمثله عقليا. ثم أخذ من ماركس التفسير المادي للظواهر

الدينية كما تمارس في المجتمع وما تحبل به من قيم دنيوية،

ولقد وقف ضد من حاولوا النيل من ماركس عندما ربطوا

ميكانيكيا بين ولادة الرأسمالية وـ الأخلاق البروتستانتية ـ

والدين المسيحي بطريقة ميكانيكية.

__________________



" كان بودي أن آتيكم ,, ولكن شوارعكم حمراء ,,

وأنا لا أملك إلا ثوبي الأبيض ",,

* * *

دعــهــم يتــقــاولــون

فـلــن يـخــرج الـبحــر

عــن صمته!!!

ياسمين غير متصل   الرد مع إقتباس