[النسري]

عراة حتى من ورقة (الموت)

ما بثّته محطة ''سي بي أس''، من صور لأطفال أيتام عراة ومقيدين بأرجل الأسرة ..فاق حد تحمل الصعقة، وفجرت ''فولتية'' الحزن الهائلة محطة توليد الدموع، واشتعل الرأس عجزاً وقشعريرةً للمشهد... من خلال هذا التقرير عرفنا كيف يتألم الألم..وكيف يزهر للوجع أوجاع..

عشرون يتيماً عرّتهم الحروب من والديهم، ويتّمتهم الأحداث حتى من عقولهم، فتبنّاهم الذباب، وتبنّاهم ''العذاب''، وسرق حصّتهم من العيش وتاجر حتى في ساعات نومهم، كان يجمع ألمهم الفائض ويبيعه لصناع الألم، ويسقي بدموعهم بعوض الموت الذي أرهقه عطشاً لعق الدماء ..

عشرون يتيماً قيّدوا في قوائم الأسرّة عراة مثل دمى باردة قد ملها طفل مترف.. لا يعرفون شيئاً غير أجسادهم الممدة مثل ديدان الشتاء وأسرّة ترفض استقبالهم فوقها . عشرون يتيماً تبنّتهم قوائم حديدية فأعلنت الوصاية عليهم، ثم اختصرت حرّيتهم بطول الحبل، وأصبحت ''سجّانةً الجوع''..

عندما تغيب العدالة من ميزان الصدور، ويأكل الوحش طائر السلام، وتتبخر الرحمة أمام نار الظلم، يتحوّل الإنسان الى كائن يطارد رائحة الدم، ويقتفي أثر الدولار، فيصبح ''اليتم'' عنده استثمارا، والموت ''صناعة''، والخطف تجارة، والحزن ''زراعة''.. لذا يجدون الاقتصاص من ''اليتيم'' بطولة، والرقص على جثة ''عاجزٍ'' انتصارا .. ولذلك فقد منح ''بواب'' الملجأ نفسه حقّ الإهداء، فقدم عشرين يتيماً كرعايا و''عرايا'' مخلصين في مملكة ملك الموت مسلسلين بأسرّة أحلامهم..

نحن مثلكم يا أشقاء اليتم والعري، لقدّ عرّتنا الحروب من عروبتنا، ويتّمتنا الأحداث حتى من أحلامنا..وبقينا نرضع أصابعنا التي أطلقنا بها رصاصات الرحمة على ضمائرنا..نحن مثلكم يا أشقّاء اليتم والعري، عراة حتى من ورقة التوت، عراة حتى من ورقة ''الموت''..


المصدر : مقال في جريدة الرأي الأردنية