عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 31-12-2020, 09:04 AM   #2
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,967
إفتراضي

سابعها: أن الترك ظل كأنه عدم فعل, والعدم هو الأصل والفعل طارىء والأصل لا يدل على شيء لغة ولا شرعا, فلا يقتضي الترك تحريما
أقوال غير محررة
قال ابن السمعاني إذا ترك الرسول (ص)شيئا وجب علينا متابعته فيه, واستدل بأن الصحابة حين رأوا النبي (ص)أمسك يده عن الضب توقفوا وسألواعنه
قلت: لكن جوابه عليه الصلاة والسلام بأنه ليس بحرام-كما سبق-يدل على أن تركه لا يقتضي التحريم فلا حجة له في الحديث, بل الحجة فيه عليهوسبق أن الترك يحتمل أنواعا من الوجوه, فكيف تجب متابعته في أمر محتمل لأن يكون عادة أو سهوا أو غير ذلك مما تقدم؟!"
ثم نقل من بطون الكتب ما يناصر أدلته ودحض أدلة الأخرين فقال :
"كلام ابن تيمية:
سئل عمن يزور القبور ويستنجد بالمقبور, في مرض به أو بفرسه أو ببعيره, ويطلب إزالة الذي بهم أو نحو ذلك؟
فأجاب بجواب مطول وكان مما جاء فيه قوله:
ولم يفعل هذا أحد من الصحابة والتابعين ولا أمر به أحد من الأئمة, يعني لم يسألوا الدعاء من النبي (ص)بعد وفاته كما كانوا يسألونه منه في حالة حياته
وقلت في الرد عليه: وأنت خبير بأن هذا لا يصح دليلا لما يدعيه وذلك لوجوه
أحدها: أن عدم فعل الصحابة لذلك يحتمل أن يكون أمرا اتفاقيا ,أي اتفق أنهم لم يطلبوا الدعاء منه بعد وفاته, ويحتمل أن يكون ذلك عندهم غير جائز, أو يكون جائزا وغيره أفضل منه فتركوه إلى الأفضل ويحتمل غير ذلك من الاحتمالات والقاعدة أن ما دخله الاحتمال سقط به الاستدلال انتهى المراد منه
قلت: ويؤيد أنهم لم يتركوه لعدم جوازه أن بلال بن الحارث المزني الصحابي ذهب عام الرمادة إلى القبر النبوي وقال(يارسول الله استسق لأمتك)) فأتاه في المنام وقال له(اذهب إلى عمر وأخبره أنكم مسقون, وقل له: عليك الكيس الكيس))فأخبر عمر فبكى وقال(اللهم لا آلوا إلا ما عجزت عنه)) ولم يعنفه على ما فعل, ولو كان غير جائز عندهم لعنفه عمر قال ابن كثير صحيح الاسناد
حديث صحيح لا يرد قولنا
قال البخاري في صحيحهباب الاقتداء بأفعال النبي (ص)) وروى فيه عن ابن عمر قال:اتخذ النبي (ص)خاتما من ذهب فاتخذ الناس خواتيم من ذهب فقال: إني اتخذت خاتما من ذهب)) فنبذه وقال(إني لن ألبسه أبدا)) فنبذ الناس خواتيمهم قال الحافظ: اقتصر على هذا المثال لاشتماله على تأسيهم به في الفعل والترك
قلت: في تعبيره بالترك تجوز, لأن النبذ فعل, فهم تأسوا به في الفعل ,والترك ناشىء عنه
وكذلك لما خلع نعله في الصلاة, وخلع الناس نعالهم, تأسوا به في خلع النعل ,وهو فعل نتيجته التركوليس هذا هو محل بحثنا كما هو ظاهروأيضا فإننا لا ننكر اتباعه (ص)في كل ما يصدر عنه, بل نرى فيه الفوز والسعادة لكن مالم يفعله كالاحتفال بالمولد النبوي وليلة المعراج لا نقول إنه حرام, لأنه افتراء على الله, إذ الترك لا يقتضي التحريم
وكذلك ترك السلف لشيء-أي عدم فعلهم له-لا يدل على أنه محظور, قال الإمام الشافعي:
((كل ماله مستند من الشرع فليس ببدعة ولو لم يعمل به السلف)) لأن تركهم للعمل به قد يكون لعذر قام لهم في الوقت, أو لما هو أفضل منه أو لعله لم يبلغ جميعهم علم به
ماذا يقتضي الترك؟
بينا فيما سبق أن الترك لا يقتضي تحريما وإنما يقتضي جواز المتروك, ولهذا المعنى أورده العلماء في كتب الحديث, فروى أبو داوود والنسائي عن جابر رضي الله عنه قال:
((كان آخر الأمرين من رسول الله (ص)ترك الوضوء مما غيرت النار))
أوردوه تحت ترجمة:"ترك الوضوء مما مست النار" والاستدلال به في هذا المعنى واضح ,لأنه لو كان الوضوء مما طبخ بالنار واجبا ماتركه النبي (ص)وحديث تركه دل على أنه غير واجب قال الإمام أبوعبدالله التلمساني في مفتاح الوصول:
((ويلحق بالفعل في الدلالة, الترك, فإنه كما يستدل بفعله (ص)على عدم التحريم يستدل بتركه على عدم الوجوب وهذا كاحتجاج أصحابنا على عدم وجوب الوضوء مما مست النار به)) ,روي أنه (ص)أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ, وكاحتجاجهم على أن الحجامة لا تنقض الوضوء, بما روي أنه (ص)احتجم ولم يتوضأ وصلى (انظر مفتاح الوصول ص93 طبعة مكتبة الخانجي) ومن هنا نشأت القاعدة الأصولية:
جائز الترك ليس بواجب"
وما قالع الغمارى كىم ناقص وهو أن الترك لا يدل على الحرمة وايضا لا يدل على التحليل إلا بنص فالنبى(ص) ترك حلالا أباحه الله كما قلنا فى أمر الطلاق وامر الصيد الحلال لأن الظروف لم تتوافر له بكى يفعل هذا أو ذاك
وبين الغمارى أن القوم قسموا الترك لترك فى عهد النبى(ص) وتركا بعد موته لأنه لم يحدث فى عهده فقال:
"إزالة اشتباه:
قسم العلماء ترك النبي (ص)لشيء ما ,على نوعين:
نوع لم يوجد ما يقتضيه في عهده ثم حدث له مقتضى بعده (ص)فهذا جائز على الأصل
وقسم تركه النبي (ص)مع وجود المقتضى لفعله في عهده, وهذا الترك يقتضي منع المتروك, لأنه لو كان فيه مصلحة شرعية لفعله النبي (ص), فحيث لم يفعله دل على أنه لا يجوز
ومثل ابن تيمية لذلك بالأذان لصلاة العيدين الذي أحدثه بعض الأمراء وقال في تقريره: فمثل هذا الفعل تركه النبي (ص)مع وجود ما يعتقد مقتضيا له مما يمكن أن يستدل به من ابتدعه, لكونه ذكرا لله ودعاء للخلق إلى عبادة الله وبالقياس على أذان الجمعة
فلما أمر الرسول (ص)بالأذان للجمعة, وصلى العيدين بلا أذان ولا إقامة, دل تركه على أن ترك الأذان هو السنة, فليس لأحد أن يزيد في ذلك الخ كلامه
وذهب إلى هذا أيضا الشاطبي وابن حجر الهيتمي وغيرهما, وقد اشتبهت عليهم هذه المسألة بمسألة السكوت في مقام البيان صحيح أن الأذان في العيدين بدعة غير مشروعة, لا لأن النبي (ص)تركه ولكن لأنه (ص)بين في الحديث ما يعمل في العيدين ولم يذكر الأذان فدل سكوته على أنه غير مشروع
والقاعدة: أن السكوت في مقام البيان يفيد الحصر وإلى هذه القاعدة تشير الأحاديث التي نهت عن السؤال ساعة البيان
روى البزار عن ابي الدرداء قال: قال رسول الله (ص):
((ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا ثم تلا ((وما كان ربك نسيا))
قال البزار: إسناده صالح ,وصححه الحاكم
وروى الدارقطني عن أبي ثعلبة الخشني عن رسول الله (ص)قال: إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ,وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها))
في هذين الحديثين إشارة واضحة إلى القاعدة المذكورة وهي غير الترك الذي هو محل بحثنا في هذه الرسالة, فخلط إحداهما بالأخرى مما لا ينبغي
ولذا بينت الفرق بينهما حتى لا يشتبه أحد وهذه فائدة لا توجد إلا في هذه الرسالة "
وكما قلنا فى بداية الكتاب أن الحرمة والحلة لا تثبت بترك النبى(ص)أو فعله وإنما بالنص لأن من اعمال النبى(ص) ذنوب واخطاء كما قال تعالى "إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر"
ومن ثم لا يصح الاقتداء بتلك الذنوب التى هى أقوال وأفعال وتروكات ومن ثم النص وحده هو من يحب أو يحرم
واختتم الغمارى الكتاب بالتالى:
"تتميم
قال عبدالله بن المبارك: أخبرنا سلام بن أبي مطيع عن ابن أبي دخيلة عن أبيه قال:
كنت عند ابن عمر فقال:"نهى رسول الله (ص)عن الزبيب والتمر يعني أن يخلطا"
فقال لي رجل من خلفي: ماقال؟ فقلت: (حرم رسول الله (ص)التمر والزبيب) فقال عبدالله بن عمر: (كذبت)! فقلت: (ألم تقل نهى رسول الله (ص)عنه؟ فهو حرام) فقال: (أنت تشهد بذلك)؟ قال سلام كأنه يقول: مانهى النبي (ص)فهو أدب
قلت: انظر إلى ابن عمر وهو من فقهاء الصحابة –كذب الذي فسر نهى بلفظ حرم, وإن كان النهي يفيد التحريم لكن ليس صريحا فيه بل يفيد الكراهة أيضا وهي المراد بقول سلام: فهو أدب
ومعنى كلام ابن عمر: أن المسلم لا يجوز له أن يتجرأ على الحكم بالتحريم إلا بدليل صريح من الكتاب أو السنة, وعلى هذا درج الصحابة والتابعون والأئمة
قال إبراهيم النخعي ,وهو تابعي:
كانوا يكرهون أشياء لا يحرمونها, كذلك كان مالك والشافعي وأحمد كانوا يتوقون إطلاق لفظ الحرام على ما لم يتيقن تحريمه لنوع شبهة فيه, أو اختلاف أو نحو ذلك, بل كان أحدهم يقول أكره كذا, لا يزيد على ذلك
ويقول الإمام الشافعي تارة: أخشى أن يكون حراما ولا يجزم بالتحريم يخاف أحدهم إذا جزم بالتحريم أن يشمله قول الله تعالى: ((ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب))
فما لهؤلاء المتزمتين اليوم يجزمون بتحريم أشياء مع المبالغة في ذمها بلا دليل إلا دعواهم أن النبي (ص)لم يفعلها وهذا لا يفيد تحريما ولا كراهة فهم داخلون في عموم الآية المذكورة"
كما قلنا رد ألمر لعمل النبى(ص) وتركه هو خطا فى غصدار ألحكام فالحكم كما قلنا هو نص الوحى لن النبى(ص) ارتكب ذنوبا فى حياته فى العمل والترك
ثم ذكر الغمارى نماذج لأعمال متروكة فقال :
"نماذج من الترك:
هذه نماذج لأشياء لم يفعلها النبي (ص):
1 - الاحتفال بالمولد النبوي
2 - الاحتفال بليلة المعراج
3 - إحياء ليلة النصف من شعبان
4 - تشييع الجنازة بالذكر
5 - قراءة القرآن على الميت في الدار
6 - قراءة القرآن عليه في القبر قبل الدفن وبعده
7 - صلاة التراويح أكثر من ثماني ركعات
فمن حرم هذه الأشياء ونحوها بدعوى أن النبي (ص)لم يفعلها فاتل عليه قول الله تعالى:
((ءآلله أذن لكم أم على الله تفترون))
لا يقال: وإباحة هذه الأشياء ونحوها داخلة في عموم الآية لأنا نقول:
ما لم يرد نهي عنه يفيد تحريمه أو كراهته ,فالأفضل فيه الإباحة لقول النبي (ص): ((وما سكت عنه فهو عفو)) أي مباح"
ومما ينبغى قوله فى النهاية :
الحلال والحرام يكون بنص الوحى فقط وليس شىء أخر لأن الوحى لم يترك أى شىء إلا وبين حكمه كما قال تعالى :
"ما فرطنا فى الكتاب من شىء"
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس