الموضوع: أحمد مطر
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 23-12-2003, 02:43 AM   #454
ساري111
S.A.R.Y 111
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2003
الإقامة: sary111
المشاركات: 491
إفتراضي

" للحقيقة أكثر من وجه "

في ليلة من الليالي...
لحظة واحدة..كان بمستطاعنا - في الحقيقة - أن نقول (في ليلة من الصباحات) فالكلام ملك أيدينا، ولا سلطة لأحد علينا، إذا أردنا تفجير اللغة قرباناً للتفاؤل . لكنَّ المشكلة - في الحقيقة - هي أن الصباحات لدينا لا تختلف عن الليالي .
نعود إلى القول إنه في ليلة من الليالي، خرج ثلاثة رجال للبحث عن الحقيقة .
وإنصافاً للحقيقة، نقول إنهم خرجوا للبحث عن الحقيقة في بلادنا بالذات، لأنها البلاد الوحيدة التي لم تكن تعرف الحقيقة .
ولمّا كان الظلام حالكاً، فقد تاه الرجال الثلاثة :
واحد منهم سقط في بئر، وذلك لأنه -في الحقيقة- لم يكن يحمل فانوساً . ويحسن بنا الانتباه إلى أن الرجل كان يملك فانوساً، لكنه لم يكن يملك نفطاً وسبب ذلك هو أزمة النفط في بلادنا !
أمّا الرجل الثاني فقد ز لق في طين أحد البساتين، فوقع على وجهه، وحين تمالك نفسه واستطاع أن يقف من جديد، لم ينسَ أن يقتلع معه شيئاً مكوّراً وبارداً، كان يستقر بين بطنه وبين الطين .
هو - في الحقيقة - لم يكن يعرف أين وقع، لأنه، هو أيضاً، لم يكن يحمل فانوساً، لغلاء النفط كما ذكرنا، ولأنه، من شدة جوعه لم يكن يحمل رأساً، وذلك - في الحقيقة - لغلاء الطعام، كما لم نذكر .
وعندما طلع الصباح، كان الرجل الأول قد وصل إلى مبنى البلدية يقطر زفتاً..أما الرجل الثاني فقد وصل بعده وهو يحمل بطيخة .
لكنَّ الرجل الثالث لم يصل إلاّ بعد ساعات من انعقاد المجلس البلدي .
لم يكن يقطر زفتاً ، ولم يكن يحمل بطيخة .
سأله رئيس البلدية : ماذا وجدت ؟
أطبق عينيه من فرط التعب، وزفر قائلاً : (لا شيء ) .
عندئذ أطرق رئيس البلدية قليلاً، ثم رفع رأسه ببطء، وأعلن بمنتهى الهدوء والحسم : معنى هذا، أيها الأخوة، أن للحقيقة أكثر من وجه . ومنذ ذلك الوقت، نشأت في بلادنا ظاهرة التحزب .
المؤمنون بحقيقة الأول شكّلوا حزباً للزفت..ومنهم تكوّنت الحكومة .
والمؤمنون بحقيقة الثاني شكّلوا حزباً للبطيخ..ومنهم تكونت المعارضة .
أمّا المؤمنون بحقيقة الثالث فقد شكّلوا حزباً محايداً، جيبه يستعطي الزفت، وقلبه يتعاطى البطيخ، ورأسه يعطي ( اللاشيء ) .
ومن هؤلاء تكونت ( الحداثة ) !
ساري111 غير متصل   الرد مع إقتباس