الموضوع: صور وتعليق
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 01-02-2006, 12:33 PM   #539
أحمد ياسين
ضيف
 
المشاركات: n/a
إفتراضي

الاسم : محمد الرصافي المقداد
الدولة و المدينة : تونس
المساهمة :


نعم لقد تشيعت ..وهذا هو السبب
الحلقة الثامنة

منذ نعومة أظافري ، كنت مغرما بمشاهدة صورة أمير المؤمنين عليه السلام المعلقة في بيتنا، تلك الصورة التي انتشرت في عدد من بيوت القرية، والتي ظهر فيها فارسان قد أهوى الأول بسيف ذو ذبابتين على الفارس الثاني فقده نصفين، كتب على الأول علي بن أبي طالب (ع) والثاني رأس الغول كناية عن عمرو بن ود . وعلى الرغم من أن الصورة لا تتميز بالدقة والإتقان في التصوير، إلا أنها كانت تمثل رمزا إسلاميا، وقمة من قمم البطولة ، ظل باقيا على مدى قرون عديدة، متحديا كافة الأساليب التي واجهته لمحو آثاره.

كان والدي وخالي من خريجي الزيتونة ، وقد درسا الفقه المالكي ، باعتباره المذهب الوحيد المتداول في البلاد ، وتحت إشراف ورعاية وعناية سلطة الباي ، الذي يعتبر نائب الخليفة العثماني، حتى أواخر عهد الاستعمار الفرنسي ، وكنت تبعا لذلك الانتماء متعبدا وفق التربية والتعليم الذي تلقيته من والدي، تابعا له في تقريره نظرا لصغر سني ، ولما كبرت بدأت أسئلة واستفسارات تتوارد علي حسب الحدث والظرف .
من ذلك مثلا، أنني كلما مررت بآية الوضوء في سورة المائدة، تساءلت عن حقيقة تفسيرها إن كانت تحتاج إلى تفسير؟ حتى قلت في نفسي يوما ترى هل كانت الغاية من قوله تعالى "وامسحوا" هي قوله "اغسلوا"، وطالما أن الآية في ظاهرها تفيد مسح الرجلين فلماذا نغسل أرجلنا؟ ومن أين فهم الأوائل حكم مسح الرجلين ، والآية لا تفيد ذلك أبدا ؟ بل هي تفيد المسح، وعلم النحو والإعراب جاءا متأخرين جدا عن تلك الفترة؟ وحتى الإعراب الذي ذكره الرازي في تفسيره الكبير، وفصل فيه القول على القراءتين النصب والجر لآية الوضوء، وخرج بنتيجة إنهما يفيدان المسح.

بقيت على ذلك الترقب والتردد ، إلى أن عدت يوما إلى بيت العائلة في قرية من قرى الجنوب التونسي ، فوجدت والدتي بصدد البحث عن وثائق تخص والدي المتوفى رحمه الله فرأيت كتبا مخطوطة كان والدي يحتفظ بها في عناية تامة بأحد الصناديق المقفلة، تناولت تلك المخطوطات فوجدت من بينها كتاب موطأ مالك صاحب المذهب الذي كنت أنتمي إليه ، ودفعني الحرص على اكتشاف خيط من الحقيقة أن أبحث فيه عن شيء يمكن أن يفيدني في تساؤلي ، ويرفع عني حيرتي بخصوص حكم مسح الرجلين في الوضوء، وبعسر شديد بدأت ابحث فيه نظرا لصعوبة قراءة الكتابة التي كانت جميلة ولكنها غير واضحة بالنسبة لي ، إضافة إلى حرصي على عدم الإضرار بأوراق الكتاب القديمة أثناء تصفحي لها، بعد المقدمة وصلت إلى كتاب الطهارة ، وكان متصدرا للكتاب ، وكانت المفاجأة متمثلة في عثوري على تعليق لا أدري من كتبه ، يقول بأن الغسل هو حكم الرجلين في الوضوء ، وأن النبي قد غسل رجليه في الوضوء، والذين يقولون بمسح الرجلين في الوضوء، هم قلة قليلة من الروافض، والملقبون أيضا بالشيعة.
تنفست الصعداء، وشكرت من أعماقي صاحب التعليق، الذي أرجو أن يكون والدي المرحوم ،أنا الذي كنت معتقدا أنني وحدي في اعتقادي بصحة ظاهر آية الوضوء،ولا تحتمل الفلسفة والتأويل، ومنذ ذلك الحين بدأت ألتفت إلى كل شيء له علاقة بالرفض والتشيع ، فكانت الثورة الإسلامية في إيران إحدى اهتماماتي ، فوجدت فيها مخزونا مختلفا عن الذي كنت أعيش وسطه، وزادني تحققا ويقينا معرفة الأخ محمد... الذي تحادث معي، وبين لي عددا من المسائل التي كنت متحيرا فيها، ومدني بكتب زادتني بصيرة في إتباع خط أهل البيت عليهم السلام ، فآية الوضوء مثلا، التزم فيها الشيعة بالمسح، امتثالا لأمر الله تعالى في حكم الرجلين في الوضوء ،وإتباعا لتطبيق النبي الأكرم ،وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام الذين أخذوا عنه ذلك الحكم ، ويؤيده أن التيمم الذي هو بديل للوضوء يفيد المسح،وبمقارنته بآية الوضوء كما صرح بذلك ابن عباس تلميذ علي عليه السلام، نجد أن المغسول في الوضوء يمسح في التيمم ،والممسوح في الوضوء يسقط في التيمم ،فسقط بذلك الرأس والرجلان، أما السنة فلا يمكنها بحال من الأحوال أن تناقض الفرض، هذا مضافا إلى أن عليا وأهل بيته عليهم السلام، كانوا يمسحون أرجلهم في الوضوء ، ولم يثبت غسل الرجلين إلا عبر طغاة بني أمية، وجلوازهم الحجاج بن يوسف الثقفي ،الذي أخرج الطبري في تفسيره للآية، ما يفيد تورطه في إجبار الناس على غسل الرجلين في الوضوء، إمعانا في إبطال آثار علي عليه السلام، كأنما آثار علي عليه السلام مخالفة للإسلام ،ولشدة فرحي بالعثور على ذلك الدليل الذي أخرجه الطبري،حفظت الرواية عن ظهر قلب.
الرواية لثلاثة من التابعين قالوا: خطبنا الحجاج مرة بالأهواز فتناول الطهور، فقال: انه ليس لابن آدم أخبث إليه من قدميه، فاغسلوا ظهورهما وبطونهما وعراقيبهما. فاستراب الجماعة من كلام الحجاج ، لأن الرجل مما لا يخفى على أحد في الظلم والدموية ، يأخذ المشتبه بالظن والريب ، وعانى منه الشيعة الويلات، فمثل بمن مثل منهم، سمر وسمل العيون ، وقطع الأيدي والأرجل وصلب على جذوع النخل، وقطع الرؤوس، وقتل من قتل ، وسجن من سجن ، وعذب من عذب، فجلا من شره من استطاع أن لا تطاله يده.

في أثناء عودة أولئك الرجال من الأهواز إلى البصرة ، مروا على أنس بن مالك الصحابي ،الذي كان حيا وقتها، وحدثوه بما قاله الحجاج في خطبته ، فقال أنس: صدق الله وكذب الحجاج ، إنما قال : "وامسحوا".
ومع أن المالكية قد أثبتوا في وضوءهم ،حكم غسل الرجلين في الوضوء، إلا أنهم قالوا بخلافه في السفر، فأجازوا مسح الرجلين ثلاثة أيام ، وقالوا أيضا بجواز المسح على الخفين والجوارب، فتراهم لا يقرون بالمسح مباشرة على الرجلين ، ثم ينقضون ذلك بالقول بالمسح على الحائل.

أما ما أخرجوه من أن حمران مولى عثمان بن عفان، هو الذي أراهم الوضوء الذي رأى عثمان يفعله،أو ما نقلوه عن عبد الله بن زيد كيف أراهم وضوء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فذلك لا يعني بالضرورة وضوءه، طالما أن الروايتين مخالفتين للآية ، ومتعارضتين مع ما وافق الكتاب العزيز مما جاء عن العترة الطاهرةـ التي هي ثقله وعدله في الحفظ والبيان والتطبيق.
لجوء الناس إلى كل من هب ودب في اخذ دينهم دل على حالة الحصار والتضييق والحرب التي عانى منها أئمة أهل البيت عليهم السلام، وحالة الخوف التي عاشها المسلمون من جراء بطش بني أمية لكل من يقصد بيوت آل محمد الأطهار، فذهبوا في طلب الحقيقة بعيدا مما باعد بينهم وبينها وحال الاستنجاد بمن لا أهلية ولا علم له دونهم وبلوغ مرامهم.
وتعددت بعد ذلك لقاءاتي بالأخ محمد... الذي استفدت منه أيما استفادة، باعتباره سبقني إلى إتباع خط أهل البيت عليهم السلام ، وقد أعلمني ذات يوم بأنه سيذهب إلى العاصمة، التي تبعد حوالي 400 كلم عن بوابة الجنوب مدينة قابس، لاقتناء كتب من معرض الكتاب الدولي، الذي يقام بالعاصمة ربيع كل سنة ، فرجوته أن يقتني لي كتبا بمعرفته، فأبدى استعداده لذلك بكل سرور.

بدأت إذا في تأسيس مكتبة خاصة بي وكان نواتها مجموعة الكتب التي اختارها لي الأخ محمد... ، والتي كانت متنوعة ومنتقاة حسب احتياجاتي ، أذكر من بينها كتاب المراجعات للسيد الجليل عبد الحسن شرف الدين الموسوي رضوان الله تعالى عليه، والذي عمق من شعوري بالطمأنينة والارتياح ، وزاد في قناعتي بصحة الانتماء إلى إسلام أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وفهمت منه أن مسألة الحكومة الإسلامية تندرج في خصوصيات المولى سبحانه وتعالى ، باعتبار أن الحكم عائد له تقنينا وحفظا ، وذلك يستوجب آليات لإقامتها ، كإرسال الرسل وتنزيل الوحي عبر الملائكة ، وحفظ الشرائع بواسطة الأئمة الهداة ، الموكلون برعاية الدين والقيام عليه، والمعبر عنه في إطاره العام باللطف الإلهي.
بينما تناولت بقية الكتب،العقائد،والفقه،والسيرة العطرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ،وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام.

إن مسألة تشيعي لأهل البيت عليهم السلام، لم تكن متعلقة بالشرح الذي وجدته على هامش الموطأ فقط ، فذلك لم يكن سوى نقطة تحول، وسبب قوي دفعني إلى جدية تقصي الحقيقة، التي ظلت غائبة عني فترة من الزمن ، فحبي وعشقي للإمام علي عليه السلام ،عنصر آخر لا يمكن إهماله ، وإحساس يراود عقلي بأنني قد أكون من سلالة أولئك الذين نذروا أنفسهم لأهل البيت عليهم السلام ،والدين الحق الذي احتضنوه واحتضنهم، وفادوه بأنفسهم وفاداهم بأن خصص لهم حيزا من الاعتبار والمحبة عند الله تعالى وعند رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وعند المؤمنين.
ولو اتبع المسلمون على مدى القرون الماضية خط أهل البيت عليهم السلام الذي يمثل الإسلام المحمدي بكل أبعاده وحقائقه، لكما ضلوا طريقهم ، وانحرفوا عن جادة الطاعة، ولكانت عباداتهم سليمة بسلامة الوضوء فيها.
لذلك فإنني أنصح المسلمين الذين لا يزالون بعيدين عن خط أهل البيت عليهم السلام، أن لا يأنسوا لمسألة، ولا يتقبلوا حكما من الأحكام المشكوك في صحة ورودها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، خصوصا إذا ما اتضح جليا تهافت القنوات التي ورد عليهم منها الدين، على تحريف عدد من الأحكام كآية الوضوء مثلا ، والتسبب في ضلال أجيال كثرة تعبدت بغسل الرجلين في الوضوء على أساس أنه الحكم الصحيح.
أقول لكم لا تتسرعوا في الحكم على المسلمين الشيعة حتى تقرؤوا كتبهم ولي كتب أعدائهم الذين لم يتركوا شائنة ولا سوءا إلا ألصقوه بهم . فالحمد لله الذي هداني إلى إتباع أوليائه الذين اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ليكونوا وعاء دينه وحملة شريعته وأمناء وحي نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، سادة الدنيا وسادة الآخرة وقادة الدنيا وقادة الآخرة ، اللهم احشرني في زمرتهم ، واجعلني من حزبهم وطائفتهم ، وألحقني بهم مؤمنا لا مبدلا ولا مغيرا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
البريد الالكتروني لمرسل المعلومات: maoula-ali@hotmail.com