عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 30-07-2008, 10:14 AM   #19
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

عندما كان المسلمون يطاردون القرشيين ويدخلون مخيمهم ، كان الجناحان المتحركان لقريش يقفان بثبات . وتحرك خالد وعكرمة إلى الوراء قليلا من مواقعهما السابقة لكنهما كانا مسيطران تماما على رجالهما ، ولم يسمحا لأى فارس بالتراجع . شاهد خالد الفوضى التى حدثت أمامه ، رأى القرشيين وهم ينهزمون ، وشاهد المسلمين يتقدمون ، كما رأى النبّالة فى عينين .
لم يعرف خالد ماذا يفعل تماما ، لكنه كان متحليا بالصبر بدرجة كبيرة منتظرا فرصة مواتية وخطأ صغير يتصرف على ضوءه ، وسرعان ما واتته هذه الفرصة .

عندما رأى النبّالة الموجودون فى عينين هزيمة قريش ووصول المسلمين إلى مخيمهم ، أصبحوا متشوقين للغنائم وكان المخيم مغريا . فالتفتوا إلى قائدهم عبدالله بن جبير وطلبوا منه الإذن بالإنضمام إلى رفاقهم فى المعسكر القرشىّ لكنه كان حازما فى رفضه ، ورغم احتجاجات قائدهم إلا أنهم خالفوا أوامره بحجة ان رسول الله لم يقصد بقاءهم فى حالة الفوز والنصر وأن المعركة بالفعل قد انتهت . وبقى عبدالله على التل ومعه تسعة من النبالة ، لاحظ خالد تحرك النبالة فلمعت عيناه وانتظر حتى وصولهم إلى مخيم قريش .

بدأ خالد ضربته ، فشن هجوما بالخيالة على الرماة الباقين على التل بهدف الإستيلاء على موقعهم ليتسنى له القيام بالمناورة . وعندما رأى عكرمة تحرك خالد أسرع باجتياز السهل بفرقته للإنضمام إلى سريّة خالد .
قاوم النبالة المخلصون الذين بقوا على التل ببسالة واستشهد بعضهم وجرح الباقون . أما عبدالله بن جبير فقد دافع عن الموقع حتى النهاية وأصيب بعدة جروح وقتل على يدى عكرمة .
تقدمت سرية خالد وفى إثرها سرية عكرمة إلى الأمام ووصلت إلى خلف الخط الذى كان بيد المسلمين منذ ساعة ، ومن هنا هاجمت السريتان من الخلف . هاجم عكرمة بجزء من سريّته النبى ومجموعته فى حين هاجم خالد بسريته والمجموعة المتبقية من سرية عكرمة المسلمين الموجودين فى مخيم قريش .
وكانت مفاجأة مذهلة .



عندما وصلت خيّالة خالد إلى خط المسلمين الخلفى فى مخيم قريش دب الهرج والفوضى فى صفوف المسلمين . وفقد عدد منهم صوابه وبدأ فى الفرار ، أما معظمهم فقد صمدوا للقتال .
وطالما أن النبىّ حىّ فلن يقرّ هؤلاء بالهزيمة ابدا .

هنا التقطت "عمرة" راية قريش ورفعتها عاليا وأخذت تلوح بها من فوق راسها لكى تراها القوة الرئيسية لقريش . وفى هذا الوقت استطاع ابو سفيان السيطرة على معظم المشاة وبعد ان رأى راية قريش مرتفعة من جديد اندفع بمشاته إلى قلب المعركة .

وقع المسلمون الآن بين نارين ، فخيالة قريش تهاجم من المؤخرة والكتلة الرئيسية من المشاة تهاجم من الأمام . واندفع ابو سفيان نفسه إلى المعركة وقتل مسلما .

أصبح الموقف ميئوسا منه بالنسبة للمسلمين الذين تفرقوا إلى مجموعات صغيرة تقاتل كل واحدة منها على هواها لصد هجمات المشاة والخيالة معا . ازدادت الفوضى حتى إن بعض المسلمين بدؤا يقاتلون بعضهم من كثرة الغبار . ومع ذلك فإن الذعر لم يدب فى الصفوف حتى هذه اللحظة .
بدأت الخسائر تزداد فى صفوف المسلمين الصامدين الذين قرروا القتال حتى الموت . فى هذا الوقت قتل خالد أول رجل "أبو عسيرة" برمحه وألقى برجل آخر على الأرض وظن أنه قد مات ، وتابع تقدمه على حصانه إلا أن هذا الرجل نهض ثانية واستأنف قتاله ضد القرشيين .

إنقسمت المعركة الآن إلى قسمين منفصلين ، فالقوة الرئيسية من المسلمين كانت تقاتل ضد القوة الرئيسية لقريش . وكانت هنالك مجموعة اخرى من المسلمين تقاتل مع النبىّ جزءا من سرية عكرمة وبعض المشاة الذين انضموا من جيش قريش الرئيسى .

عندما ترك المسلمون مواقعهم لمطاردة قريش بقى النبى فى مكانه وكان معه ثلاثون رجلا من اصحابه الذين لازموه ورفضوا إغراء السلب والنهب وكان منهم :
أبو بكر ، سعد بن أبى وقاص ، علىّ ، طلحة بن عبيدالله ، أبو عبيدة بن الجراح ، عبدالرحمن بن عوف ، أبو دجانة ، مصعب بن عمير ، وامرأتان كانت تحملان الماء انضمتا إلى مجموعة النبى الآن .

عندما إستولى خالد على هضبة عينين ، أدرك النبىّ مدى خطورة الموقف ولم يستطع أن يفعل شيئا للسيطرة على قوة المسلمين الرئيسية لكونها بعيدة عنه (قلنا أن القوة الرئيسية فى مخيم قريش) وأيقن أن مجموعته سوف تُهاجم سريعا . وكان موقعها الحالىّ غير مؤمّن لذا قرر التحرك إلى سفح البروز الكائن خلفه مباشرة .
وعندما قطع النبى مع مجموعته ربع ميل فقط وجد عكرمة وسريته يسد عليه الطريق وقرر النبى الوقوف والإلتحام وهنا وصلت مجموعة جديدة من مشاة قريش لمهاجمة النبى ّ .

وجدت مجموعة النبىّ نفسها تُهاجم من الأمام ومن الخلف فشكل المسلمون سياجا حول الرسول للدفاع عنه وبدأ القتال يحتدم تدريجيا واستخدم النبىّ قوسه حتى انكسر . بعد ذلك استخدم سهامه لتعزيز جعبة سعد الذى سبب كثيرا من المشاكل للقرشيين بسبب دقته فى الرماية ، أخذ كل مسلم على عاتقه قنال من 3 – 4 رجال فإما أن يستشهد أو يرد خصومه إلى الخلف .

كان عكرمة أول القرشيين الذين وصلوا إلى موقع النبى ، وبينما كان عكرمة يقود مجموعة من رجاله إلى الأمام نظر النبى إلى علىّ وقال له : "هاجم أولئك الرجال" فهاجمهم علىّ وطردهم بعد ان قتل منهم واحدا . واقتربت مجموعة أخرى من الخيّالة من موقع النبىّ فقال النبىّ لعلىّ مرة ثانية :"هاجم هؤلاء الرجال" ومرة أخرى يهاجم علىّ ويطردهم للخلف ويقتل منهم مشركا .

وعندما اشتدت حدة القتال ، بدأ القرشيون يلقون بالسهام والحجارة على مجموعة النبىّ . وقف أبو دجانة أمام النبى ليدرأ عنه السهام وظهره إلى مشاة قريش حيث كانت تأتى السهام . وبعد مضىّ فترة من الوقت كان ظهر أبى دجانة مرصعا بالسهام حيث بدا كالقنفذ ، كان طلحة بجوار النبى أيضا وعندما اقترب سهم من وجه النبىّ وأوشك على إصابته وضع طلحة يده أمام خط سير السهم وأوقفه بيده ، وقد فقد طلحة أحد اصابعه نتيجة لذلك .

كان خالد يوجه الهجمة تلو الهجمة على الكتلة الرئيسية للمسلمين وأحدث إصابات بالغة فى صفوفهم ، وكان لتوه قد قتل برمحه رجله الثانى وهو ثابت بن دحداحة ، واعتمد خالد فى هذه المعركة بشكل رئيسى على رمحه الذى كان يصيب به خصمه ويطرحه ارضا .

إنتهت الهجمة المعاكسة الأولى ، وتلاها فترة هدوء فى قطاع النبىّ . كما أن القرشيين انسحبوا لمسافة قصيرة لأخذ قسطا من الراحة قبل أن يستأنفوا الهجوم . وأثناء فترة الهدوء هذه لاحظ أحد المسلمين أن النبى ينظر فوق كتفه بحذر فساله عن السبب فأجاب الرسول :" إننى أتوقع مجىء أبىّ بن خلف وهو قد يقترب منى من الخلف فإذا رأيتموه قادما دعوه يقترب منى"
ولم يكد ينتهى من كلامه حتى انفصل رجل من سرية عكرمة وتقدم بإتجاه النبىّ وهو يمتطى جوادا كبيرا .
هب الصحابة وطلبوا الإذن بالتصدى له لكن النبى قال :"دعوه" واقترب من النبىّ .

فى غزوة بدر ، أُسر شاب صغير يُدعى عبدالله بن أبىّ (وهو ليس عبدالله بن أبىّ زعيم المنافقين) . فجاء والده أبىّ بن خلف لإطلاق سراحه ودفع فدية مقدارها أربعة آلاف درهم ، وبعد أن تم دفع الفدية قال ابىّ للرسول :" يا محمد ، عندى حصان اقويه بتغذيته بكمية كبيرة من العلف وسآتى به فى الغزوة القادمة ممتطيا إياه وسوف أقتلك به" عندئذ قال له النبى: "كلا ، لن تقتلنى ، لكننى أنا سوف أقتلك وأنت على ظهر هذا الحصان إن أراد الله ذلك"

والآن فإن أبىّ بن خلف يقترب من النبى على ظهر حصانه . لقد شاهد أصحاب النبى وهم يفسحون له الطريق . كان النبىّ يرتدى معطفين من الزرد وكان يرتدى خوذة مصنوعة من السلاسل تتدلى منها حلقات جانبيه تغطى وجنتيه ويرتدى سيفه الشهير ويحمل رمحا فى يده اليمنى ، وكان منظر النبى مهيبا .

إن عددا قليلا من الناس اليوم يعرف أن النبى محمدا كان من أشداء المسلمين فى عصره . فإذا أُضيف إلى قوته الشخصية حقيقة كونه نبيا ، فإن من الممكن لأى امرىء أن يتصور مقدار كونه خصما مخيفا لأىّ كان . لكن أبىّ لم يُصب بالفزع فقد قتل مسلما منذ هنيهة ومعنوياته مرتفعة .
كان من السهولة بمكان أن يأمر اصحابه بذبح أبىّ ، بل كان ابسط من ذلك ان يوجه أمرا إلى علىّ فيصبح هذا الرجل فى عداد الأموات لأنه إذا انطلق علىّ لقتل رجل فلن يستطيع احد إنقاذه .
إنها مسألة شرف شخصىّ – مسألة فروسية .

عندما وصل ابى إلى الرسول كان ممتطيا جواده فهو ليس فى عجلة من أمره وكان لا يشك لحظة بأن محمدا ينتظر هجومه كونه فوق فرسه ، وامتدت يده لاستلال سيفه . لكن النبى كان اسرع منه فرفع رمحه وضربه على الجزء العلوى لصدر ابىّ . حاول أبى أن يخفض رأسه لكن لم يكن سريعا فاصابه الرمح فى كتفه الايمن قرب اسفل عنقه ، كان الجرح طفيفا لكن أبىّ سقط عن حصانه وكسرت إحدى أضلاعه من جراء ذلك ، وقبل أن يعاود النبىّ الضرب ، نهض أبىّ وولّى الأدبار باتجاه رفاقه وهو يصرخ فأوقفوه وسالوه عن سر انزعاجه وصراخه فأجابهم :" إن محمدا قد قتلنى بقوة الله" . تفحص القرشيون جرحه وكان طفيفا فسخروا منه لكن أبىّ صرخ فى حالة هستيرية وبصوت أعلى :" أخبركم بأننى سأموت ، إن محمدا قال إنه سيقتلنى فلو أن محمدا بصق علىّ فقط فإننى سوف أموت " وظل أبىّ فى حالة معنوية سيئة .
وعندما عاد القرشيون إلى مكة ، ذهب أبىّ معهم ، وبينما كانوا يعسكرون فى مكان يسمى "صَرَف" وهو ليس بعيدا عن مكة مات الرجل التعيس .

أصبح الموقف الآن اكثر حرجا ، وكان أبو سفيان وخالد يريدان قرارا سريعا لأن المعركة طالت بما فيه الكفاية ، لذا قرر القرشيون الضغط على المسلمين ، والهجوم على النبىّ وقتله إن أمكن لأن موته يضع حدا للمقاومة .

لذا فقد تقدمت مجموعة قوية من مشاة قريش لمهاجمة النبىّ . واتفق ثلاثة من قريش أن يخترقوا السياج المضروب حول النبى وهؤلاء الثلاثة هم :
عتبة بن ابى وقاص – عبدالله بن شهاب – ابن قميئة

وبدأ الثلاثة معا بإلقاء الحجارة على النبىّ .
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس