عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 21-02-2008, 11:37 PM   #13
د.صالحة رحوتي
باحثة وأديبة
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2008
المشاركات: 18
إفتراضي الورشة الغربية لصناعة "المبدعين"...نجيب محفوظ نموذجا

[FRAME="13 70"]
الورشة الغربية لصناعة "المبدعين"...
نجيب محفوظ نموذجا


د.صالحة رحوتي



قيل الكثير و ما زال يقال حول حياد الجوائز العالمية التي هي الغربية في الحقيقة، إذ ما لدول العالم الآخر ـ أي الثالث ـ من دخل لا من قريب و لا من بعيد في تنظيم أو تتبع أو منح تلك الجوائز...
هي الغربية إذا، و ما لنا و لأمثالنا فيها إلا اختيار البعض منا تفضلا منهم أحيانا نادرة من أجل "الفوز" بها... إذ تخرج عن مسارها التكريمي الغربي مرات قليلة لتُنعِم على بعض "المميزين" منا أولائك الذين يرونهم هم يملكون صفات التميز...

و لعل أكثر تلك الجوائز قيمة جائزة نوبل...تلك المتألقة الفريدة التي ما يفتأ يدغدغ الحنين إليها و الطمع في نيلها كل المبدعين في العالم، و هي لا تخرج أبعادها و صفاتها عن هذا السياق، و لا تتخطى مساراتها هذا السبيل...

و إذ نقبل بأن تكون لنا الدرجات السفلى فلا نفوز نهائيا ـ أو تقريبا ـ بتلك الجوائز الفرعية منها هي جائزة نوبل، تلك المخصصة للعلوم البحتة، و التي نعترف بموقعنا الممهور بالعدمية و عدم الوجود أصلا في مصاف المشتغلين فيها و الباحثين في شعبها، فإننا نرى بأنه قد يكون لنا بعض الوجود في العلوم الإنسانية تلك المتعلقة بالنبش و بالغوص في أغوار الإنسان، و التي يمكن أن يكون لنا بعض الإنجازات فيها مهما قلت، لأنها تلك التي لا تنبني على التراكمات المعرفية للغير و لا على مسلماته، و بالتالي فهي الممكن إنشاء هيكل في إطارها، و يُمتح فيه مما هو خاص من الخلاصات المعرفية المبنية على مقومات الشخصية الفكرية و الثقافية المميزة لنا...

و لعل الأدب كمكون رئيسي في تلكم المعارف و العلوم الإنسانية هو أكثر ما يصدق عليه الأمر...إذ هو التعبير عن لواعج الذات و عن همومها و عن تطلعاتها...
فهو الهوية إذا...و هو التصوير لواقع حال الفرد و الجماعات و المجتمعات...إذا الأديب لا ينفك عن كونه شخصا انصهر كيانه في بوتقة الواقع المعاش، و ضمخت أناه بزخات الهوية المنتثرة في مساحات الفضاء المكون لذلك الواقع...ثم اختلط الكل... و حين المخاض تنطلق الكلمات و أنساق التعابير موسومة بتجليات و بتداعيات تلك الهوية، و حتى بتلكم الاستشرافات المستقبلية المتعلقة بها...

فما هي إذ تلك المعايير التي يمكن أن يكون الغرب قد اعتمدها من أجل نقد و تمحيص أعمالنا الأدبية للتوصل للحكم عليها و تمييزها بالجوائز المكرمة لها:جائزة نوبل و نجيب محفوظ نموذجا ؟؟؟
أو يمكن أن يكون له الوعي ذلك الغرب بمكونات الهوية منا، و بمقومات الشخصية لدينا، حتى أنه استطاع معرفة صدق الأعمال الأدبية المنتجة لدينا، و التي أُحسن فيها التعبير عنا و تميزت فيها تجلية غوامضنا و أسرارنا؟؟؟

قد يكون هو الغرب قد استبقنا إلى أنفسنا ـ كعادته و كدأبنا ـ و درس خبايانا، و تلصص إلى دواخلنا عن طريق دراسات مستشرقيه، و بتوسل أبحاث تلامذته النجباء من أبناء جلدتنا...

لكن الحُكْم... أو يمكن أن يكون الصواب؟ و الحَكَم غريب و يقف في غير الزاوية التي نقف فيها؟

أو يمكن أن تكون الوزن حقا و مقبولا و الميزان المستعمل مستورد أو حتى هجين، قد تشرب معدنه الشوائب انخرطت في نسيجه حتى ما عاد له الصفاء الضروري لاعتماد نتائج تقييمه؟؟

هو إذا ذلك الحكم انبنى على معايير استعملها ذلك الغرب من تلقاء نفسه، انطلقت منه و من مكونات هويته استخدمها ـ لاستحالة النزاهة و الحياد منه ـ في الحكم على مخالفين له، و ما جمعته بهم إلا مواجهات ثقافية و فكرية و حتى عسكرية كانت الدامية على مدى التاريخ...

فلقد انتظرنا طويلا...طويلا جدا...و أخيرا رضي ذلك الغرب و توجنا...توج إنتاجنا الفكري الإنساني...أي ذلك الأدبي... و اختار لذلك التتويج شخص أديب هو نجيب محفوظ... فاصطرخنا مهللين متنادين أن ها نحن نضاهي الأمم فكرا و ثقافة و لسنا بأقل منهم قدرة على التعبير عن الذات...
ثم و إذ لم نتصد للبحث و التنقيب عن ما يمكن أن يكون قد أعجب ذلك الغرب في كتاباتنا حتى وضع الإكليل فوق رؤوسنا لنستيقن من موافقته للهوية، و من انسجامه مع خصائصها ـ خاصة و نحن نعلم مرجعية التصور و الفكر لذلك المتوج تلك المخالفة لنا المباينة حد النخاع و المصادمة حتى ـ توقفنا عند ذلك المعجب به من طرفه هو الغرب من سبل الكتابة وطرائق التصوير و مضامين الأنساق في "إبداعات"المُتَوَّج، و ذلك لكي نتعرف عن كثب على أبعادها و مقاساتها و أوصافها، حتى نحاول إنتاجها مرات و مرات رغبة في الإرضاء مرات و مرات...استجداء للانتشار و طمعا في الاشتهار...

لكن أو حين نكون نحن قد صدَّقنا أن لنا القدرة على الإبداع بمقاييس عالمية منحنا من أجلها الجائزة يكون هو ذلك الغرب مصدق لذلك و موقن به؟؟؟

لا شك أننا لم نحاول حتى أن ندرس خبايا ما قيل و ما كتب عندهم عن ذلك التكريم و عن ذلك المكرم بعقول و بأفهام نقدية من أجل أن ندرك كنه ذلك التكريم و دوافعه و الحيثيات الموجبة له...

أصدرت مجلة العربي الكويتية عددا خاصا عن الأديب نجيب محفوظ بتاريخ ديسمبر 2006 و تضمن مقالات عدة عن الراحل و دراسات تحليلية نقدية لإنتاجاته الأدبية...
و كان مما أدرج في هذا العدد الخاص ـ رقم 577 ـ مقال بعنوان:"عبقرية استشراف المستقبل" لدنيس جونسون ديفز Denis Johnson Davis و ترجمة كامل يوسف حسين...

و كان مما ورد فيه:
"...إنني أعرف أن نجيب محفوظ قد علق الآمال على أنني كما ترجمت بعض قصصه القصيرة، سأقوم في وقت لاحق بترجمة إحدى رواياته، حيث إنه كان يعرف إلى أي مدى بعيد بلغ إعجابي بكتاباته، و كنا نلتقي في إحدى المقاهي التي يرتادها، و غالبا ما كنا نناقش أعماله.
لم أتخيل قط أنني أخاطب أديبا سيحرز في المستقبل جائزة نوبل في الأدب، فكنت أنتقد رواياته، مشددا، على سبيل المثال، على أن رواية مثل "اللص و الكلاب" تفتقر إلى تلك الدرجة من الجنس و العنف كليهما التي من شأن القراء بالإنجليزية أن يتوقعوها من رواية بمثل هذه الحبكة...."(1).


و هكذا يبدو و كأن المسار الذي سار عليه الأديب نجيب محفوظ مرسوم منذ عشرات السنين، و قد مهد له من قبل مختصين واكبوا ذلك التحول الثقافي و الأدبي المطلوب توفيره من أجل العمل على إحداث تغييرات في النسيج الاجتماعي للمجتمع العربي الإسلامي،و ذلك بغية تدجينه و إفراغه من خصائص قد تجعله عصيا على الانقياد و التبعية، تلك التبعية اللازمة من أجل استباحة الأسواق و استحلال الخيرات و استغلال القدرات...و من أجل بناء أركان ذلك الكيان منهم الطامع في الهيمنة على العالم كله، و خاصة على ذلك الجزء الذي طالما استعصى بل و حتى سيطر و ساد في زمن من الأزمان...
ف دنيس جونسون ديفز الكندي المستعرب مر من هيئة الإذاعة البريطانية، تلك المؤسسة التي يراد لها أن تبدو الثقافية و الإعلامية المحايدة، بل و المهتمة بشؤون العالم العربي و الإسلامي...لكنه في الحقيقة ليست إلا وسيلة من وسائل تتبع مُستعمَري الأمس عن طريق إعلام مشوق مغر ينضح بالتفتح و يدعو إلى "التجديد" ،بل و يبدو و كأنه يواكب الصعوبات و يقترح لها حلولا، ثم و كأنه أيضا يقتحم الغوامض و يستجلي الخبايا بطريقة تقدم بأنها العلمية النزيهة الوجيهة.
ف"الدراسات النقدية" و "التحليلات الواعية" تنطلق منها هي المؤسسة الإعلامية،
و تتغلغل في عمق نسيج الواقع الفكري و الثقافي السياسي الاجتماعي العربي...ثم
و الاستنتاجات تكون دائما منتقدة ما هو كائن و داعية إلى ما يجب أن يكون...أي ما يرضيه هو المُستعمِر أن يرى عليه المُستعمَر من تبعية و استلاب و سير نحو تقليد أعمى، يستوعب القشور دون القدرة على الغوص في بواطن الأمور...

ففي الاقتباس من مجلة العربي أعلاه يبدو و كأن هذا المستعرب المستشرق هو الذي يملي ـ و بشدة ـ ما يجب أن يكون... أي ما يجب أن تكون عليه الرواية الأولى لنجيب محفوظ "اللص و الكلاب"و التي صدرت سنة 1961 تلك التي رأى ـ و قد شهد بذلك شخصيا في مقاله المترجم ذاك ـ أنها لا تتوفر على القدر الكافي من الجنس و العنف حتى تحظى برضاه هو المُحَكَّم و المُوَجِّه، و تبعا لذلك طبعا برضا الغرب ـ الإنجليز ـ الذين سخروه لكي يقوم بتلك المهمة من توجيه و "تصويب" للمؤثرات في الحقل الفكري الثقافي عن طريق التأثير في الفاعلين المنتجين فيه.

و لم يكن هذا الأمر بالمستغرب منه و لا بالمستهجن لدى نجيب محفوظ، إذ كان يعرف الذين كان يكتب لهم و من أجلهم، كما كان يستوعب أنها المحجة و السبيل لكي ينال الرفعة لديهم و يحظى بالتقدير على أيديهم، كان يدرك منذ البداية و منذ ذلك الحين المتقدم بأن حل القعدة معهم، و لقد فاز في النهاية إذ تتبع المسار و أطاع الأوامر...

هو إذا ذلك الجنس المتناثرة الشذرات منه، بل تلك الكتل في كل "الإبداع" المبدع من طرف "الأديب العالمي" نجيب محفوظ كان توصية غربية إنجليزية،و من طرف خبير غربي كندي، كان الحاضر و المتواجد في القاهرة من أجل ذلك لا غير...

كل هذا يبدو جليا و واضحا في المقال الذي منه الاقتباسات التالية للكاتب و الناقد "عزت عمر" المنشور في موقعه الإلكتروني (2)، و الذي هو عبارة عن قراءة مختصرة لكتاب "ذكريات في الترجمة"، لدينس جونسون ديفز(3).

"...دنيس جونسون ديفز» من مواليد مدينة فانكوفر بكندا عام 1922، اختار أن يتخصص باللغة العربية مبكّراً، وربّما لأنه أمضى بعضاً من طفولته في القاهرة، وفي وادي حلفا بالسودان، ولكن هذه الرغبة المبكّرة في دراسة اللغة العربية سوف تصطدم بعائق كبير يتمثّل في منهج سقيم يدرّسه مستعربون لم يسبق لهم أن عاشوا أو زاروا أي مكان في العالم العربي، مما دفع بالفتى الطامح إلى ما يشبه اليأس.
حيث إنهم كانوا يعلّمونه لغة ميتة لم تمكّنه من شيء، اللهم بعض الدروس من كتاب «الكامل» للمبرّد، لم تشكّل أرضيّة تمكّنه من الانطلاق منها نحو دراسات معمّقة، أو العمل في إحدى الأكاديميات، ولم تمكّنه في الوقت نفسه من الدخول في عالم الأدب العربي الحديث، إلاّ أن الصدف ستقوده نحو هيئة الإذاعة البريطانية، لينطلق في رحاب العربية من خلال الموظفين العرب هناك، ومن خلال دأبه وإصراره على تعلّمها..."(4).

يتبع
[/FRAME]

آخر تعديل بواسطة السيد عبد الرازق ، 22-02-2008 الساعة 04:30 AM.
د.صالحة رحوتي غير متصل   الرد مع إقتباس