عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 11-07-2008, 12:23 AM   #13
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

8ـ تراكم بلا حدود


(( لم تكن بلادنا سعيدة الحظ. فقد تقرر تجربة الماركسية فينا، ودفعنا القدر في هذا الاتجاه. فبدلا من اختيار بلد ما في إفريقيا لهذا، شرعوا في إجراء هذه التجربة فينا نحن. غير أننا في النهاية أثبتنا أنه لا مكان لهذه الفكرة. فقد دفعت بنا بعيدا عن الطريق الذي انتهجته دول العالم المتحضرة، وهو ما تعكسه حقيقة أن أربعين في المائة من أفراد الشعب يعيشون دون حد الفقر. بل ويعانون مذلة دائمة إذ لا يتلقون السلع إلا بعد إبرازهم بطاقات التموين. إنها مذلة دائمة تذكرك في كل ساعة بأنك عبد في هذه الدولة))
................... من خطبة لبوريس يلتسين في اجتماع لحزب (روسيا ...................الديمقراطية في موسكو في 1/6/1991

كعادته، يبدأ المؤلف بانتقاء فقرة تهيئ القارئ لتقبل ما سيقول بمقالته، فاختار فقرته أعلاه من خطاب (يلتسين) ليسوق حجته بأنه حتى التقدم والازدهار وإن تساوت فيه الدول الشمولية كالاتحاد السوفييتي أو الصين، فإن هذا التقدم والازدهار سيبقى ناقصا ما لم يترافق مع العقلية الليبرالية بنموذجها الغربي.

يقول: كل ما شرحناه حتى الآن هو أن الازدهار الدائب للعلوم الطبيعية الحديثة يسفر عن تاريخ غائي وتحولات اجتماعية متجانسة الطابع في مختلف الأمم والحضارات. فالتكنولوجيا والتنظيم الرشيد للعمل هما من الشروط اللازمة للتصنيع. وهو ما ينجم عنه بالتالي ظواهر اجتماعية مثل التوسع في سكنى المدن، وفي البيروقراطية، وتفكك الأسر الكبيرة والعلاقات القبلية، والارتفاع بمستوى التعليم. كذلك أوضحنا كيف أن هيمنة العلوم الطبيعية الحديثة على الحياة البشرية، لا يمكن التراجع بشأنها في ظل أية ظروف، حتى في أشدها تطرفا. غير أننا لم نوضح حتى الآن كيف أن العلم يؤدي بالضرورة الى الرأسمالية في المجال الاقتصادي، أو الى الديمقراطية الليبرالية في المجال السياسي.

والواقع أن ثمة أمثلة لدول مرت بالمراحل الأولى من التصنيع، تُعَدُ دولاً متقدمة اقتصاديا وحضرية، وعلمانية، وبناء الدولة فيها متين متجانس، وشعبها جيد التعليم نسبياً، غير أنها لا هي بالرأسمالية ولا بالديمقراطية. والمثل الرئيسي هنا، ولسنوات عديدة، هو الاتحاد السوفييتي في عهد ستالين، وهو الذي تمكن في السنوات ما بين 1928 وأواخر الثلاثينات من تحقيق تحول اجتماعي مذهل من دولة زراعية معظم سكانها فلاحون، الى دولة صناعية قوية، دون أن يتيح للمواطنين حريات اقتصادية أو سياسية.

لقد أثر نمو الاتحاد السوفييتي على الكثير من الكتاب الغربيين، فكتب (اسحق دويتشر) في الخمسينات يقول: (إن اقتصاد التخطيط المركزي أكثر فعالية من فوضى آلية اقتصاد السوق، وأن الصناعات المؤممة أقدر على تحديث المصانع والآلات من القطاع الخاص)

بالرغم من سوء سمعة الرأسمالية سواء لدى اليمين الديني التقليدي، أو اليسار الاشتراكي الماركسي، فإن تفسير انتصارها في نهاية المطاف باعتبارها النظام الاقتصادي الوحيد الصالح للبقاء. [ هكذا يقرر الكاتب خلاصة ما يؤمن به]

ويضيف: نحن نعلم الآن أن التصنيع لا يأتي طفرة فتنتقل الدول به فجأة الى الحداثة الاقتصادية، وإنما هو عملية دائبة التطور ولا نهاية واضحة لها، بحيث تغدو حداثة اليوم قديمة في الغد. وقد تغيرت على نحو مطرد وسيلة إشباع ما أسماه (هيجل) نسق الاحتياجات، كما تغيرت هذه الاحتياجات نفسها. وقد كان المنظرون الاقتصاديون القدماء (ماركس و إنجلز) يرون أن التصنيع يتكون من الصناعات الخفيفة (نسيج، خزف) لكن الأمر تغير بسرعة، فأصبحت سكك الحديد والصناعات الثقيلة، هي التي تعني كل من (لينين وستالين) .. وقد تسابقت دول كثيرة في الوصول الى مرتبة الدول الصناعية إضافة الى أوروبا والولايات المتحدة فإن اليابان والصين وكثير من الدول قد وضعت أقدامها على هذا الطريق.

تسارع التطور

كَتَبَ (دانييل بيل) عام 1967، أن متوسط طول المدة بين اكتشاف مبتكر تكنولوجي جديد وبين إدراك إمكاناته التجارية كان 30 عاما في الفترة ما بين عامي 1880 و 1919، ثم انخفض الى 16 عاما في الفترة ما بين 1919و 1945 ثم الى 9 أعوام في الفترة ما بين 1945و 1967. ويقول الكاتب (فوكوياما) أن الدورة الآن لا تزيد عن بضعة شهور.

ويضيف الكاتب: أن التطور شمل أيضا التجارة الدولية، حيث كانت في الأجيال السابقة لا تزيد عن 3% فيما بين الدول، ثم أخذت تتزايد سنويا بمعدل 13% ولا شك أن تطور المواصلات والاتصالات والعلاقات بين المصارف التجارية وتدفق المعلومات جعل من العالم سوقا سهل المراقبة.

الابتكار والاختراع رهنا على الأجواء الحرة

هنا يعود الكاتب، ليتشفى بانهيار الاتحاد السوفييتي، فيعزي عدم مواكبة علماءه لحركة الاختراع الى النظام المركزي، في حين كان أداء علماء البلدان الرأسمالية أكثر عطاء لاقتران عملهم بالمنافسة الحرة و ما يعود على ابتكاراتهم من أرباح، وقد يكون محقا في هذه النقطة، حيث حولت البيروقراطية المركزية العاملين المبدعين والعلماء الى أرقام لا يحسون فيها بأهميتهم.

رضوخ أصحاب النمط المركزي لمنطق الاقتصاد المتقدم

يقول الكاتب ـ تكملة لمقالته ـ : أن الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية والصين، أدركت منذ أواخر الثمانينات، عقم سياساتها الاقتصادية فاختارت طائعة التحول الى الاقتصاد المتقدم (أي الغربي)!

تعليق:

لقد ذكر بعض الشيوعيين في تقييمهم للتجربة السوفييتية في مجلة الطريق التي كانت تصدر في بيروت في أواخر التسعينات، أن من أسباب انهيار الاتحاد السوفييتي هو اضطراب المشاعر التي تصف الواقع، فبين شعور بالفخر لا تسنده حقائق واقعية. وضرب مثالا في هذا الصدد أن الساسة يرددون: الاتحاد السوفييتي أكبر دولة منتجة للبطاطا في العالم، ويقول الكاتب آنذاك (وأظنه الشيوعي عامر عبد الله ـ لم أعد أذكر) أن هذا الكلام صحيح، لكن سوء مكائن الحصاد تهشم ربع الإنتاج، ويقضي سوء التخزين على 50% من المحصول بفعل القوارض وعدم تهيئة المستودعات.

إذن، فقوام القدرة موجود، ولكن سوء الإدارة و (بيروقراطيتها) هو السبب، وأن حل ذلك قد يكون بتطوير الأساليب الإدارية.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس