عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 11-12-2008, 02:48 AM   #25
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي



لغة الشعر عند بدر شاكر السياب

وصلتها بلغة المصادر العربية القديمة
القائمة الرئيسية >>

الفصل الثاني - اللفظة عند السياب




اللفظة عند السياب :
اللفظة هي ركن هام من أركان الجملة ، وبها نستطيع الحكم على تقليد الشاعر وتجديده، ونحن نتناول بحثها على هذا النسق:

أ- ظاهرة مستعملة كثيرًا في شعر السياب: وقد لاحظنا ظاهرتين بارزتين هما التشديد والتضعيف.

ب- التقيد بالأصول اللغوية واستعمال الكلمات المعجمية (كالواردة مثلاً في "لسان العرب" و "المنجد").

ج- التجديد في اللفظة: في صيغتها ودلالتها، مما نجده عند الشاعر، وقد يشاركه في استعمالها آخر؛ ومن التجديد ما لم يرد في المعاجم واعتبره البعض من الدخيل، والشاعر أيضًا لا ينفرد بها، ومنه ما يمكن اعتباره خطأ أو صورة جديدة غير مألوفة لغويًا، وهو في حاصل الحساب جديد.

أ- الظواهر البارزة:

1- اختيار كلمات مشددة: ومنها ما هو جائز لغويًا، ومنها ما هو تجديد لدى الشاعر، ولنقرأ:

"وعلى القلوع تظل تطوى أو تنشّر للرحيل

... جلس الغريب يسّرح البصر المحيّر في الخليج

ويهدّ أعمدة الضياء بما يصعّد من نشيج

أعلى من العبّاب....." (573).

فهو يجعل "العبّاب" مشددة وهي ليست كذلك في المعاجم نحو "لسان العرب"، ويقول الشاعر:

"فليحقدن علي كالحمم المستعرّة" (574)، "تنثّر زهرة" (575).

وأبرز ما يقع على وزن (فعّل): "سقّتك الحيا سحب" (576)، "تروّى" (577)، "وردّ هابيل ما قضّاه بارئه" (578).

وفي الكثير من هذه الاستعمالات نرى أنها تدل على عنف في نفس الشاعر، وتأتي للتنفيس عن كبت وضغط.

2- استعمال الأفعال الرباعية المضعفة ومصادرها:

وتبرز هذه الأفعال في شعر السياب (579)، وقد أكثر منها بشكل لا يجاريه شاعر قديم أو معاصر، ففي قصيدة "منزل الأقتان" (580)مثلاً نراه يستعمل: سقسقات (العصافير)، وهسهسة (الرثاء)، وهدهدة (طفلها)، وتهزهز (مهدها)، ويدندن (القصاص)، وولولة (الأب المفجوع)، وكفكف (أدمع الباكين)، ورقرق (الجدول). وهذا الولع الخاص بها جاء ليضفي موسيقى خاصة أو (أونوموتوبيا) يجاري المعنى فيها لفظ الصوت (581). ونظرة فاحصة إلى استعمالات المضعف فانه:

أ. يستعملها كما هي في المعاجم: لجلج، رجرج، لملم، غلغل، هزهز، هدهد، رفرف، صلصل (582).

ب. ويستعملها بمعنى حقيقي آنا وبمعنى مجازي آنا آخر:

حمحم: "الخيل من سأم تحمحم وهي تضرب بالحوافر" (583)، "أطيار من الفولاذ... تحمحم" (584).

دغدغ: من الاستعمال الحقيقي "تدغدغني ونحن على السرير" (585)ومن المجازي "نار تدغدغها" (586)، "التمني يدغدغه" (587)، "يدغدغ أشرعة" (588).

سقسق: الحقيقي "أيسقسق فيها عصفور؟" (589)والمجازي "سقسق الليل" (590)، "سقسقة الصباح" (591).

غمغم: وتعني في "لسان العرب " تكلم بكلام مبهم غير مبين، وقد أكثر الشاعر من استعمالها بجميع مشتقاتها، وكان أكثرها في المعنى الحقيقي: "تغمغم لا لن تراه" (592)، بل إن الشاعر يرددها في القصيدة الواحدة أكثر من مرة (593)، ومن المعنى المجازي لها ما ينسبه للشروق: "غمغمة الشروق" (594).

وسوس: وتعني في " لسان العرب " صوت فيجعلها الشاعر للخيوط والرغام والإنسان والنخل والسنابل والنقود والحرير والشاي والزورق (595).

وقد وردت "يوسوس" في القرآن في سياق الحديث عن الشيطان "الذي يوسوس في صدور الناس" (596)، فيظل أثر الخداع الشيطاني عالقًا في قول السياب:

"يوسوس في تهدج صوتها فيخادع الأرواح" (597)، إذن ، فالكلمة عنده تعني (صوت) دون تحديد أي صوت. ومن الطريف أن نذكر أنه يستعمل (وسوس الشاي) أكثر من مرة، فترافقه بعض ألفاظ الجملة الأولى:

"ولا وسوس الشاي فوق الصلاء" (598)، "وسمراء تصغي إلى الشاي فوق الصلاء يوسوس" (599).

ج. يستعملها مجازيًا:

جعجعة: فهي في اللغة صوت الجمل وصوت الرحى فيجعلها السياب للسنين (600).

ذرذر: وتعني في اللغة رش فيجعلها الشاعر للأنوار والغبار والأضواء والظلمة (601).

قعقع: وتعني صريف الأسنان ، ولها معان أخرى ليس فيها صوت النار، يقول الشاعر: "نارًا تقعقع" (602).

ويذكر " لسان العرب " أن القعقعة للسلاح، ويبدو أن الشاعر رمز إلى السلاح بكلمة (نار).

قهقه: فالظلمة تقهقه (603)، والجليد يقهقه (604).

هسهس: وتعني صات ، فالخبز والنار يهسهسان (605).

د. غير دقيقة الدلالة:

كركر: ومن معانيها في " لسان العرب " - تراجع في مسيله، صوت يردده الإنسان في جوفه، كركرت الشيء أي جمعته، وكركر الرجل أي انهزم...الخ.

وفي استعمالاته الكثيرة يعني بها صوت الماء، فهو يحسها قريبة ومتوافقة مع صوت الماء، ، كما وترد بعض الكلمات من مشتقات (كركر) بمعنى الضحك، يقول الشاعر:

"طفل شرود يكركر بالضحكة الصافية" (606).

إلا أننا لا نستطيع البت في دلالة (كركر) إذا ما استعملتها للشمس والضياء والسحابة والصحراء (607) وأستطيع من خلال مراقبة استعمالاتها أن افهم أنها تعني الضحك، فكثيرًا ما وردت الكلمة وتبعتها أو سبقتها كلمة يدغدغ (608).

قفقف: وتعني في اللغة ارتعاد من البرد أو غيره، ويقول الشاعر:

"وسمعت قفقفة الضحايا في القبور" (609).

ولا نجزم أن كان هذا ما عناه الشاعر، وكثيرًا ما نرى الشاعر جريئًا في استعمال المضعف كأن يجعل الوهوهة (وهي ترديد الصوت بحزن، أو ترديد الزئير) للنيون الكهربائي وللدماء وللدجى وللماء ولليل (610).

ب- التقيد بالأصول اللغوية:

1- ألفاظ معجمية قليلة الاستعمال:

نجد الشاعر يستعمل الكثير من الألفاظ التي لا يعرفها كثير من القراء :

* كلمات وردت في القرآن مثل آد، أيمّ، اجتبى، أزف (611)، وقد أشرنا إليها في فصل الإيحاء القرآني.

* كلمات وردت في شعر العرب مثل: أثافي، دمنه، بهير، بوقات، تشظى، انثال، ثواء، عارض، سحاح، رداح، بهم وغيرها (612).

* وهو يستعمل كلمات نادرة الاستعمال مثل "جوسق" ، "كوسج"، "مغير" (613).

* والشاعر يستعمل كلمات غير واضحة الدلالة، كأن يكون لها أكثر من معنى في المعاجم مثل قداح، عفاة، عنقاء، غرب، نث، نض، (614) ومن الأضداد: جون، صرد (615).

* وكثيرًا ما نلاحظ أنه مولع باستعمال الكلمة الصعبة فيستعمل:

آب (616)بدلاً من عاد (وهي نفس الوزن الشعري)، عقار (617)بدلاً من خمور، موصد (618)بدلاً من مغلق، يم (619)بدلاً من بحر، أشاجع (620)بدلاً من أفاع، ثواء (621)بدلاً من بقاء أو مكوث وغيرها.

2- ألفاظ معجمية شعبية: ومن ملامح اللفظة عنده أن تكون في اللغة الدارجة، ولها أصول في المعاجم، فعندما يقول: "كتبوا أساميهم على الماء" (622) فإننا نشعر أن كلمة "أسامي" عامية وبعد تدقيق نجدها أصيلة، وهكذا شأن بعض الألفاظ مثل: جرار، حارة، أجنبي (623)وغيرها كثير.

ج- التجديد في اللفظة:
1- التجديد في الدلالة:

وأكثر ما استعمله السياب متفق عليه بين عصره، لكني سأورد بعض النماذج القليلة لما أحصيت من الألفاظ التي تكاد لا تقع عند غيره إلا قليلا.

* بلم- "يتماوج البلم النحيل بنا" (624)، والبلم في "المعاصم" سمك بحري صغير، لكن هذه المعنى عند الشاعر لا يستقيم، والشاعر يشرحها في ذيل الصفحة: زورق يستخدمه أهل البصرة.

دخيل: "هل تصيرين للأجنبي الدخيل" (625)، وهي في "المنجد" تعني داخل أعماق البدن، بيد أن معناها الحديث اكتسب طابعًا سلبيًا للمستعمر الذي يدخل البلاد.

استمهل: "كبنلوب تستهمل العاشقين" (626)، واستمهل في "لسان العرب" استنظر، لكن الشاعر لا يريد القول أن بنلوب تستنظر وإنما يريد أنها تجعلهم ينتظرون.

هوّم: ومن مترددات ألفاظ السياب هذه الكلمة التي يعني بها غالبـًا: يدور أو يجول ...وغالبًا ما يرافق ذلك صوت :

"من رياح تهوم بين النخيل" (627)، "على شط يهوم فوقه القمر" (628)

وقد أكثر منها بوجه خاص في ديوانه الأول "أزهار وأساطير" في مرحلته الرومانسية ، ومعناها في "لسان العرب": هز رأسه من النعاس، نام قليلا، وشاعرنا يستعمل "هوم" باشتقاقاتها بمعنى آخر أشرنا إليه.

2- التجديد في الصيغة: فهو يستعمل أسماء الوحدة ( اسم المرة ) مثل: انكسارة، اختلاجة، تكشيرة (629)، وكثيرا ما يجمعها مثل: غمغمات، ابتسامات، تنهدات، التماعات، اختلاجات (630).

وليس جمع المصدر بالمألوف في العربية، وذلك أن ما جمع من المصادر هو الحدث من كونه اصطلاحا نحويًا ، ولكنه انتقل من صورة الحدث إلى صورة الجمود، فاستحال إلى اسم يعيد عن الحدثية والاستعمال مرد هذا التوسع اللغوي.

ويرى د. إبراهيم السامرائي في كتابه "فقه اللغة المقارن" (631) أننا نقول إن النجاحات جمع لنجاح ونشاطات جمع لنشاط وهذه شائعة في الفرنسية succe`s, activite`s وفي الإنجليزية successes, activities. وقد أجاز الأقدمون جمع المصدر إذا أفاد النوعية المختلفة ، وإذا انتقل من الحدث إلى الاسمية كما نجده في مقررات المجمع اللغوي في القاهرة.

وإليك ثبتًا ببعض الكلمات التي تعتبر صيغًا جديدة، وقولي (جديدة) لا يعني أنها مقصورة على السياب فقط، كما أننا لا نحصر - بالضرورة - كل لفظ ولفظ.

* ملاحظة: الرقم إزاء الكلمة هو رقم الصفحة من المجموعة الكاملة.

أبيد: (ص56) وردت في " لسان العرب " مرادفة لأبد، والشاعر فصل بين الكلمتين: "أبيد الرؤى".

آدمية: (ص372) وهي مصدر صناعي من النسبة لآدم.

أكيل: (ص45) وهي صيغة جديدة أرادها صفة على وزن فعيل ولا تؤنث "الرئة الأكيل".

تتأكل: "يا لك ثورة تتأكل القلبا" (ص628) وهي هنا صيغة جديدة لـ (أكل)، ففي "المنجد" تعني: صار منخورًا وسقط.

آه: "أي آه" (ص433)، وآه في اللغة اسم فعل مضارع بمعنى أتوجع، والشاعر يجعلها أسماء.

بابا: ترد كثيرًا عنده بالمعنى الشائع يا أبي (ص324) مثلاً.

تحايا: (ص36) وهي جمع تحية لم ترد هذه الكلمة في المعاجم القديمة، ويبدو أنه جمعها على غرار منية- منايا، رزية رزايا.

خبّط: (البواكير: 101) والمعاجم تعرف خبط وتخبط، لكن الصيغة (خبّط) وقعت عند الشاعر بتأثير العامية، وهو يصوغها بصورة موحية.

مخاضر: (البواكير: 34) والخضرة في اللغة هي أرض فيها خضرة، والمخاضر تعبيبر جديد.

متخافق: (ص321) وخفق تعني اضطرب وتحرك، وتخافق تعبير جديد يضفي حرمة.

مدار: ولم ترد في المعاجم كمصدر أو اسم مكان، بيد أن اللغة تجيز ذلك، فها هو الشاعر يستعملها في التثنية (ص107)، وفي الجمع مدارات (ص13).

ذقون: (147) وهي في الأصول اللغوية أذقان، (انظر: "لسان العرب").

أَذْكَرَ: (ص104) وهي صورة جديدة ل (ذكّر).

تراعش: (ص553) وهي صيغة جديدة من (رعش).

سماوة: (ص324) وهو يعني بها سماء، وربما اشتقها مفردة من سموات.

ساع: (البواكير: 70) ويعني بها ساعة، حذفت التاء لضرورة الشعر.

زئبقي: (575)، ويعني بها الشاعر غير المستقر كالزئبق.

زنبقت: (ص386) فعل مشتق من الزنبق.

مزهرية: (ص203) مأخوذة من زهر ، وهي استعمال في اللغة الدارجة .

زغاريد: (ص347) جمع زغرودة: هدير البعير في جوفه "لسان العرب"، صوت النساء في الفرح "المنجد".

شَحِب: (ص 52 ) ، والوارد في المعاجم ( شاحب ) .

مصارف ( ص630 ) اسم مكان من صرف ، ويعني بها (البنك).

تصخاب: (ص564) مصدر على وزن تفعال لم يرد في المعاجم (ومثله تشراب، تسكاب في اللغة).

استضحك: (البواكير: 10) وهي جديدة إذا اعتبرناها لمعنى (ضحك) كما وردت عند الشاعر.

تضوأ: (ص401) والصيغة المعهودة في المعاجم- ضوّأ.

طفّأ: (ص77) ويستعمل كذلك: تطفأت (ص166) والمعهود في المعاجم- انطفأت، طفئت.



السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس