عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 09-06-2011, 12:06 AM   #125
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

(120)
ثم يقابل بينه وبين الطرف المعاصر الذي احتفظ له هو أيضًا باستقلاله وتميزه ،تاركًا لعملية المقارنة بين الطرفين أن تقوم بإبراز المفارقة :
لكن الصوت الصارخ في طبرية
لباه مؤتمران
لكن الصوت الصارخ في وهران
لبته الأحزان
وفي المقطع الثاني يلجأ الشاعر إلى استخدام الصورة الثانية من صور المفارقة التصويرية ذات الطرف التراثي ، حيث يستدعي الطرف التراثي للمفارقة ، ممثلاً في المرأة العربية المستنجدة ، مضمرًا الدلالة التراثية لموقفها،المتمثلة في انتصار صيحتها واستجابة المعتصم لها وزحفه لتحريرها ، فلا يصرح بها ، وإنما يسقط على المرأة العربية ملامح الطرف المعاصر المتمثل في ضعف العرب وعجزهم عن تحرير أرضهم وتركها فريسة في يد الأعداء ، حيث يجعل السيف ما يزال مغمدًا في صدر الأخت العربية بينما يقنع أحفاد أبي تمم بالخطب وتبادل الأنباء في خدر :
في موعد تذكارك يا جدُ
يلقي الأبناء الأنباء
يتعاطون أفاويق الأبناء
والسيف المغمد في صدر الأخت العربية
ما زال يشق النهدين
وأخيرًا يستخدم الشاعر الصورة الثالثة من صور المفارقة ذات الطرف التراثي الواحد ، حيث يستدعي الطرف المعاصر بدون أن يستدعي ملامحه ، وبدلاً من استحضار ملامحه المعاصرة يضفي عليه سلبًا ملامح الطرف التراثي بنفيها عنه .
والطرف المعاصر هنا هو أحفاد أبي تمام الذين لم يعوا أقواله ولم يفهموها ، وقد سلب الشاعر عن هذا الطرف بعض الملامح التراثية المرتبطة بأبي تمام ، والمتمثلة في تفضيله للسيف على الكتب في مطلع قصيدته المشهورة في فتح عمورية :
السيف أصدق إنباءً من الكتب
في حده الحد بين الجد ِ واللعبِ
وقد نفى الشاعر مضمون هذا البيت عن الطرف المعاصر المتمثل في أحفاد أبي تمام الذين لم يعوا قوله ولم يفهمون ، فأغمدوا أسيافهم الصادقة ، وقنعوا بما ترويه الكتب :
وأبو تمام الجد حزين لا يتكلم
قد قال لنا ما لم نفهم
والسيف الصادق في الغمد طويناه
وقنعنا بالأنباء المروية
وهكذا بنى الشاعر قصيدته على هذه المفارقة الشاملة الكبيرة التي استخدم في إبرازها وبنائها الصور الثلاث للمفارقة ذات الطرف التراثي الواحد .

المفارقة ذات الطرفين التراثيين :
أما النمط الثاني من أنماط المفارقة التراثية فهو المفارقة ذات الطرفين التراثيين ، وهو نمنط أكثر تعقيدًا وعمقًا من المفارقة ذات الطرف التراثي الوحد ، إذ في هذه المفارقة التصويرية ذات الطرفين التراثيين يكون لطرفي المفارقة أو لأحدهما أكثر من مستوى دلالي ، بأن يحمل مع دلالته التراثية دلالة أخرى معاصرة رمزية ، وهكذا تتم عملية المقابلة في هذه المفارقة على مستويين حيث تتم أولاً بين الدلالة التراثية للطرفين وتتم ثانيًا بين الدلالة التراثية لأحدهما والدلالة المعاصرة الرمزية في الآخر ، وبهذا تزداد المفارقة عمقًا وتأثيرًا عن طريق هذه المقابلة المزدوجة التي تبرز التناقض بين الطرفين مرتين .
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس