عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 29-08-2013, 03:16 PM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

تأثير نمطية إدارات المدن العربية على النسيج الاجتماعي فيها



عندما كانت المدينة تُشكل بنفسها وحدة حُكم واحدة، أي دولة وكيان سياسي، فإن سُكّانها كانوا يحترفون عملية التراتب والتخصص فيما بينهم، على ضوء الأدوار التي كانت تُناط بكل جماعة (صنف، قبيلة الخ). وهذا الأمر كان يسري على المدن الفرعونية والسومرية واليونانية والرومانية والعربية الجنوبية (اليمن القديم: بدوله قتبان وكمنهو وسبأ وحمير ومعين وغيرها).

ولو مررنا على أقرب مدينة ـ دولة في عصر ما قبل الإسلام واطلعنا على تقسيم الأدوار فيها لتكون لدينا فكرة معينة تساعد في تأسيس ما نرمي له فيما يخص النسيج الاجتماعي. فمكة المكرمة عشية ظهور الإسلام كان فيها ما يشبه حكومات اليوم، فبنو هاشم كان لهم سقاية الحجيج (وزارة الري اليوم) وكان يمثلهم فيها (العباس ابن عبد المطلب). وبنو أمية كانت لهم الراية (وزارة الحرب اليوم) ويمثلهم فيها (أبو سفيان). وبنو نوفل كانت لهم الرفادة (التموين) ويمثلهم (الحارث بن عامر). وبنو عبد الدار (السدانة والندوة) ويمثلهم عثمان ابن طلحة. وبنو أسد للمشورة العليا (المحكمة) ويمثلهم فيها يزيد بن زمعة الأسود. وبنو مخزوم للقبة والأعنة (قيادة أركان الجيش) ويمثلهم خالد ابن الوليد. وبنو تميم للغرم (العدل) ويمثلهم أبو بكر الصديق، وغير ذلك من مهام أخرى*1

وقد اختلف الأمر في الإسلام، وبالتحديد بعد أن بدأ المسلمون في تكوين الدواوين في عهد عمر ابن الخطاب رضوان الله عليه*2، وقد أورد شيخ المؤرخين العرب (عبد العزيز الدوري) السبب الذي جعل الخليفة الثاني يفكر في إنشاء الدواوين، بأن أبا هريرة قدم من البحرين ومعه خمسمائة ألف درهم، فاستعظمها الخليفة، ثم صعد للمنبر وقال للناس: (أنه قدم علينا مال كثير فإن شئتم أن نعده لكم عداً، وإن شئتم أن نكيله لكم كيلاً) فقال رجل: يا أمير المؤمنين إني قد رأيت هؤلاء القوم (الأعاجم) يدونون ديواناً يعطون الناس عليه، فدوّن الديوان*3

ويتدرج الدكتور عبد العزيز الدوري، في تاريخ تأسيس الدواوين من العهد الراشدي حتى يصل العهد العباسي المتأخر، ويذكر من تلك الدواوين: ديوان الخراج وديوان الجند وديوان الخاتم وديوان الرسائل وديوان البريد وديوان النفقات وديوان الصدقة وديوان المستغلات وديوان الطراز، ويشير الى أن الأمويين هم من عربوا (جعلوها عربية) تلك الدواوين بعد أن كانت اللغة المستعملة فيها غير العربية.*4

إدارات المدن في آخر أيام العثمانيين

أسس العثمانيون نظاماً إدارياً، سنلخصه حسب أسماء الوظائف: الوالي وهو الشخصية الأولى في إدارة الحكم ويُعين من قبل الباب العالي (العاصمة)، ثم يأتي (الدفتر دار) وهو الشخصية الثانية ويعين من الباب العالي مباشرة ووظيفته الإشراف على واردات الولاية ومصروفاتها ورواتب الجند ولسعة مهامه، كان يساعده الكثير من الأعوان منهم نصارى ويهود، ولأن مهمته غير سياسية فكان المؤرخون يعدون دوره أعلى من دور الوالي، وكان العثمانيون يحصرون تلك الوظيفة بعائلات من المدن العربية بعينها، ففي دمشق مثلاً كانت تلك الوظيفة لعائلات (القلانسي والرزمجي وباكير وإمام والبستاني الخ)*5

الكاخيا أو الكتخدا: وهو يمثل السكرتير الشخصي للوالي، ويرافقه ويفتح له باب السرايا وينحني أمامه باحترام، ويبقى واقفا حتى يسمح له بالجلوس، وهو أقرب الموظفين للوالي ويقدم له تقريرا يوميا، والغريب أنه يبقى في منصبه لعام واحد*6

المتسلم: وهو نائب الوالي بحالة غيابه، وهو عموما يحمل لقب (آغا) أو (بك) ومن هؤلاء يترفع الى والي أو يستلم إدارة المتصرفيات أو (السناجق)

الصوباشي: وهو بمثابة مدير الشرطة، أتباعه يسمون ب (الضابطية) مهمتهم الحفاظ على الأمن والأسعار وتطبيق النظام.

الآغوات: وهم ضباط الجيش الذين يؤمنون قوافل الحجاج وضبط حدود المدينة، ولهؤلاء كما لسابقيهم من الوظائف أعلاه إقطاعيات مهمة لتأمين دخلهم، ويشاركون تجار الحبوب أرباحهم الخ.

الجند: ينقسمون الى قسمين (اليرلية: القوات المحلية من أهل المنطقة) و (القابي قول: عبيد السلطان) الذين كانوا يرسلوا من العاصمة للحد من أعمال (اليرلية)

كبار التجار: وهم أولئك الذين يعملون بالتصدير والاستيراد، مما وفر لهم أموالا طائلة جعلتهم ضمن مصاف الفئة الأولى ووضعهم في وضع شبه مستقل عن المجتمع، وكان رئيسهم (الشاهبندر) عضواً في مجلس الولاية.

القضاة والمفتي والكتاب وهؤلاء يدخلون في الإدارات الدينية، وليس المدنية.

ومن يراقب أوضاع اليوم وأنسجة المجتمع الحالية، لرأى أن تسلسل المراتب الاجتماعية، قد أخذ وضعه في رسم الوضع السياسي العربي الراهن، فمن كان من أسرة كان لها مكانتها في نهاية العهد العثماني، لوجدها هي نفسها التي تعاملت مع الانتداب البريطاني أو الفرنسي، ولوجد أيضاً أنها هي الأسر نفسها التي ملكت الأراضي والعقارات والمصانع في العصر الراهن، ومن بين صفوفها يخرج الموظفون الكبار.


هوامش
*1ـ اليمين واليسار في الإسلام/ أحمد عباس صالح/ بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر ط2/1973.
*2ـ الوزراء والكتّاب/ أبو عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري/ حققه ووضع فهارسه مصطفى السقّا وآخرون/ القاهرة: مطبعة مصطفى البابي الحلبي 1938، صفحة 16.
*3ـ فتوح البلدان/ أبو العباس أحمد بن يحيى البلاذري/ القاهرة: شركة طبع الكتب العربية ص 458.
*4ـ النُظم الإسلامية/ عبد العزيز الدوري/بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية (2008) من صفحة 161ـ 180
*5ـ مدينة دمشق/ دمشق: دار المعرفة 1988ج1 صفحة 215
*6ـ مقدمة في تاريخ العرب الحديث/ عبد الكريم غرايبة/ دمشق: 1960، صفحة 60.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس