عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 11-09-2006, 01:47 PM   #45
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

استقالة العقل العربي :

( في الموروث القديم )

( 1 )


لو سلمنا بأن العقل أداة لتمييز ما يعرض عليها ، وانطلقنا من هذا التسليم لتتبع تكوين تلك الأداة و ما ظهر عليها من تطور لكان لزاما علينا اقتفاء أثر ذلك التطور منذ الأزمنة الغابرة ، قبل الإسلام ، وواضعناها في مقابلة العقل العربي الراهن الرسمي منه ( لغة المفكرين والأدباء ) والشعبي الذي يستدل بما يقوم به العقل الرسمي ..

فلو كانت أداة العقل كالسيارة مثلا ، فإن لها وقودا و قطع غيار ، وخبراء صيانة وتدريب الخ .. وهذه في حالتنا ستكون مدارس الفلسفة والفكر و ما تنشره وتقرره ليصبح بمثابة مساطر يقاس عليها ..

لقد انتقلت الصفوة المفكرة منذ أيام محمد علي باشا ، عندما قام بإرسال طلاب العلم الى أوروبا ليدرسوا مختلف مناحي العلوم ، فدرسوها وفق نظريات أوروبية ، ناقشت مخطوطات أجدادنا و شرحتها ولبستها بنكهة (إبستمولوجية ) أوروبية ، فعاد أبناء أمتنا يناقشوا قضاياها وفق مهنية فكرية غربية ، وحنين عروبي إسلامي مرتبك ، لا يبتعد كثيرا عن الاستعانة في النهاية عما تخطه أقلام الغربيين ..

إن ما ينشر اليوم من أبحاث عن الحركات الإسلامية ، في الغرب يفوق ما ينشر في بلادنا حوالي 27 مرة .. وتترجم تلك الأبحاث لمختلف اللغات و تعود إلينا لنترجمها كمنتوجات عربية إسلامية .. في حين يغلب الطابع الحماسي على مؤلفات مفكرينا ، دون الغوص في أعماق الأصل في الفكرة ، نتيجة تبني (التنحيل) والتفريق بصيغ الكتابة لهؤلاء المؤلفين وتأثر كتاباتهم بأمانيهم كأطراف ، لا كباحثين ..

إن من يقوم برتق شق في ثوب ، عليه أن يبدأ ما قبل الشق ، لكي يسد هذا الشق بقوة .. وهكذا ما يجب أن يكون في السعي لترميم شخصيتنا المرتبكة ..


لقد حدث أن ضربت تحويلات عن مسار طريق التتبع لنشأة العقل العربي ، أو محطات تزويده بالوقود وقطع الغيار ، قبل تلك الحالة التي نعيشها بقرون طويلة ، فإذا كان عصر الانحطاط الذي ألم بالأمة ولا يزال منذ مئات السنين ، هو ما دفعنا للإتكال على الغرب لكي نعرف أنفسنا من خلال عيونه .

فإن شيئا مماثلا وهاما قد حدث قبل ذلك بكثير ، ومهد لحدوث هذا الانحطاط . لقد تكدست كتب المعارف الفلسفية في مكتبة الإسكندرية منذ أيام اليونانيين (البطالسة ) .. ثم انتقلت الى أنطاكيا ، في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز ، وأصبح لها فروعا في فلسطين ، ثم انتقلت الى حران في عهد الخليفة المتوكل من سنة 232هـ الى سنة 247 هـ لتنتقل الى بغداد بعد ذلك ، وكان هذا الانتقال من أهم الأحداث الفكرية ، إذ كان الانتقال يعني انتقال ( المجلس العلمي) الذي كان يشبه دوره الى حد كبير دور ( الكرسي الفلسفي ) .
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس