عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 24-08-2008, 02:16 AM   #5
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي


وفي المقامة التاسعة والثلاثين والمسماة "العمانية " فإن الحريري يطرق موضوعا فولكلوريا بحتا, هو "العرافة والتطبب " اضافة الى ايراد بعض أسماء الآنية البيتية, كالزنبيل, وكلك يذكر - العوذة - أو الرقية, والحرز، (ص 314)، ثم انه يلبس أبا زيد السروجي لباس احراق الكافي والو صاف الشافي (ص 317) ثم يذكر _ النذور _ وكيفية نذرها وأسبابها، لاسيما عند النساء العقم (ص 317). ثم يصف كيفية كتابة "عزيمة الطلق " للمرأة المعسرة, قال (ص 318): "فاستحضر قلما بديا، وزبدا بحريا، وزعفرانا قد ديف في ماء ورد نظيف, فما إن رجع النفس حتى أحضر ما التمس, فسجد أبوزيد وعفر وسبح واستغفر، وأبعد الحاضرين ونفر، ثم أخذ القلم واسحنفر (أي أسرع) وكتب على الزبد المزعفر.

أيهذا الجنين اني نصيح لك والنصح من شروط الدين

أنت مستعصم بكن وكنين وقرار من الشكون مكين

ما ترى فيه ما يردعك من الف مداج ولا عدو مبين

فمتى برزت منه تحولــت الى منزل الاذى والهون

وتراءى لك الشقء الذي تلقي فتبكي له بدفع هتون

فاستدم عيشك الرغيد وحاذر ان تبيع المحقوق بالمظنون

واحترس من مخادع لك يرقيك ليلقيك في العذاب المهين

ولعمري لقد نصحت ولكن كم نصيح مشبه بظنين

ثم انه طمس المكتوب على غفلة وتفل عليه مائة تفلة وشد الزبد في خرقة حرير، بعدما ضمخها بعبير، وأمر بتعليقها على فخذ الماخض والا تعلق بها يد حائض (ص 319).

هذه العادات والتقاليد مازال كثير من الشعوب العربية يتعاملون بها، لاسيما عند أهل البوادي والأرياف, لذلك يكون للسحر والشعوذة أثر واضح, وما الرقية الشعرية أعلاه الا دليل على _ الترهات _ التي تنطلي على عديمي المعرفة, لكن الحريري ضمنها بعبارات اصلاحية _ تربوية, واعظة وينفس الوقت رسم لنا صورة "فتاح الفأل » وشعوذاته وطرائق مسلكيته.

وفي المقامة الأر بعين والمسماة بـ "التبريزية " فان يتطرق في ثناياها الى السب والشتم والتخاصم بين الزوج والزوجة وتنابزهما بالالقاب المشينة كجزء من عادات شرقية, مازالت قائمة حتى اليوم, عند بعض الشعوب, اسمع ماذا يقول (ص 324) : "وقال لها ويلك, يا دفاع، يا فجار، يا غصة البعل والجار، أتعمدين في الخلوة لتعذيبي وتبدين في الحفلة تكذيبي،وقد علمت أني حين بنيت عليك ورنوت اليك, ألفيتك أقبح من قردة, وأيبس من قدة, وأخشن من ليفة, وأنتن من جيفة, وأثقل من هيضة, وأقذر من حيضة, وأبرز من قشرة وأبرد من قرة, وأحمق من رجلة, وأوسع من دجلة فسترت عوارك "(11).. بعد هذا الكيل من النعوت الجارحة من قبل الزوج _ وهو هنا أبوزيد السروجي _ ترد الزوجة عليه بعبارات ألذع ومعان أوجع, تقول (ص 325) : "يا ألأم من مادر, وأشأم من, قاشر، واجبن من ظافر, واطيش من طامر(12)، اترميني بشنارك, وتفري عرضي بشفارك (أي سكاكينك) وأنت تعلم أنك أحقر من قلامة, وأعيب من بغلة أبي دلامة, وأفضح من حبقة (ضرطة) في حلقة وأحير من بقة في عقة ", وهكذا يرسم الحريري في هذه المقامة تلك المشاهد الاجتماعية الحية والماثلة حتى اليوم.

وفي المقامة الحادية والأربعين والمعروفة _ "التنيسية " يتجاوز الحريري الفولكلور الشعبي الى التراث الديني، فالمقامة تحكي عن جمع التبرعات بالدعاء (ص 332- 338).

وفي المقامة الثانية والأربعين والمسماة بـ "النجرانية " يستفيض الحريري أيما استفاضة في الموضوعات الفولكلورية, حيث أنه يظهر تلك الموضوعات بقالب فني رفيع المستوى، صقيل السبك والنحوى، مازجا بين هذه الموضوعات الشيقة وبين الأدب ويعرضها بشكل الغاز أدبية - فكرية ذات نسيج اجتماعي - معرفي دقيق اضافة الى أنه يذكر بعض الملابس الشعبية مثل "الهدم " وهو العباءة الخفيفة المنسوجة من الصوف حصرا (ص 339)، ثم يبرز أبا زيد السروجي في ذلك "الهدم » وهو يتطارح الألفان، ويقول (ص 341) : وهو يلفز في مروحة الخيش.

وجارية في سيرها مشمعلة ولكن على اثر المسير قفولها

لها سائق من جنسها يستحثها على أنه في الاحتثاث رسيلها

ترى في أوان القيظ تنظف بالندى ويبدو اذا ولى المصيف قحولها
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس