عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 21-09-2010, 11:11 PM   #2
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

تَرَكَتْ مشاغلها قصائد قصيرة

1
(شددن القميص فَقُدَ)
———
بنى منزلا
ناصع الواجهات
على ربوة الروح
ظلت ثلاث بناتٍ
يقُمن بحجراته الأربعين
ويأكلن تفاح جنتهِ
يستثرن هواه
ويلهمنه بالقصائد
محمومةً
يتحممن فى سحرهنّ
ومرمر أجسادهن
ويغسلن قمصانهن
بماء من العطر
يدلقن ماء الهديل
على من يمرون
أسفل ربوتهِ
فاستشاط الذين يمرونَ
قالوا كلاما
فغلّقن أحلامهنّ
وهيئن لؤلؤهنّ
شددن القميص
فقُدّ
وقلن لسيدهنّ الأسير
اقترح موعدا للهجير وللهجرِ
طاوعهنّ
وهدّمَ بيتا بناهُ على ربوة العمرِ
ودّع قرميده
وحجارته
والبنات الجميلات
ظل بلا ذكرياتٍ
بلا ذاكره


إذا كان الشاعر هو مهندس تلك المواد والمدخلات المتعددة المحسوس منها والملموس المرئي منها والمسموع والمستبطن فإن الشاعر عزت الطيري يعد واحدًا ممن تجد في قصائدهم هذه القدرة العالية على التقاط العديد من الصور التي تشرد بالذاكرة والخيال إلى أفق إنساني سمائي رحب يتكون عالمه من صور فانتازية تتسم بالنقاء والهدوء وتسمع من خلف أحرف القصيدة أصوات آلة الفلوت ، فتشعر أنك أمام صوت وصورة قد افترشتا السماء والتحفتا االهمس وجعلتك أيها القارئ تفرك عينيك بعد الانتهاء من قراءة القصيدة أهو عالم من عوالم الأحلام أم عالم من عوالم اليقظة ، ترى طفولة تتحرك بين أصداء القوافي وأنوثة تنثال غيثًا على المسامع وموسيقى صاغها الخيال والبناء الهيولي للأشياء التي عندما تتكون معًا لا تشعر بأنها مركبات متنافرة بل تشعر أن عالم الحقيقة هو عالم التنافر لأنه لم يجمع هذه الأشياء كلها في سلة واحدة .
إذَّن هو شاعر يحسن تصوير العالم السمائي أو الفضائي ، فتشعر بأنك أمام سور الصين وحدائق بابل جنباً إلى جنب مع عالم علاء الدين والبساط السحري ، وبين هذا وذاك ربما تسمع موسيقى هادئة كالموسيقى الصينية المرتبطة بأساطير هذا العالم الجميل ، ولا تشعر بعد إلا أنك استكملت الشعور بالمتعة عندما أضفت إلى العجز عن التعبير عن هذه الصور رصيدًا إضافيًا ، وهذا هو الجمال حقًا ... كما قال الشاعر الفذ محمد حسن العلوان :
لغة بيننا لا أعلمها .. غير أني بسواها لم أقل
تبدأ القصيدة من خلال الاستدعاء والاستخدام غير التقليدي لقصة نبي الله يوسف عليه السلام ، من خلال شد القميص ، إنه قميص آخر ، لم يحكه خياط ولم تتمكن يد حائك من تفصيل مقاساته ، قميص جماله أنه لا يُرى ...إنه الشوق ،وهنا يحسب للشاعر هذا التحويل للصورة المادية إلى صورة معنوية صرفة اتكاء على السياق والدلالات والصورة الشعرية .إن الحب لا يمكن أن يُحتوى في شكل قميص ، إذ هو سحاب لا متناه وغيث أخاذ ويوم أن يتحول إلى مادة صغيرة بحجم القميص فإن قوانين الطبيعة لابد أن تنطبق عليه إذ يُشدّ ، ويبدو هذا المحبوب في صورة أقرب إلى صورة السندباد أو علاء الدين الرحال الذي ما إن وضع قميصًا حتى لبس آخر ليكون الشد هو مصيره في إلماحة إلى حالة من السمو الذي تمزق بفعل هذا الشد، إنها حالة من الحب التي لا تعلم مصدرها لكنه الحب الذي تحاصر به النسوة هذا المحبوب ليهرب فيُقد قميصه ولا يفلح في الخروج من إسار هؤلاء المحبوبات ،كأنك ترى الكواعب في القصيدة يتتابعن حوله يجمعن بين كبرياء أنوثتهن وضعف احتمالهن الفراق وهن إلى ذلك يتحسرن على هذا المحبوب الذي آذينه –بغيرقصد- بسحرهن ..
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس