عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 03-11-2009, 11:09 AM   #2
فرحة مسلمة
''خــــــادمة كــــــتاب الله''
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2008
المشاركات: 2,952
إفتراضي

تابع
مناقشة أدلة المانعين:
وبالنظر في أدلة المانعين لا نرى أن ما احتجوا به يصلح دليلاً على المنع؛ لأن النص القرآني: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)(البقرة:158)، لم يشترط إلا أن يكون السعي بينهما، فكل ما كان بين الجبلين وحدودهما القديمة من أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو مكان للسعي، وقد ثبت بالدلائل المشاهدة والمسموعة حصول تغيير في حجم الجبلين في العمارات المتعددة، فالعبرة بما كان موجوداً في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما قبله وما هو مشاهد من آثار التغيير، وليس أن إزالة جزء من صخور الجبلين يغير الحكم الشرعي في السعي بين مكان هذه الصخور ولو سوي بالأرض.
وفي قرارات هيئة كبار العلماء زمن الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- النص على الموافقة على الاقتراح بتكسير صخر الصفا والمروة؛ لتيسير حصول السعي في العربات، وهذا الذي تم في العمارة السعودية الأولى، ثم ما كان في التوسعة الثانية من إنشاء طريق للمشاة بين جبل الصفا وجبل أبي قبيس، وذلك بإزالة جزء من جبل الصفا كما هو معلوم من كلام أهل العلم في تعريف جبل الصفا، وأنه جبل في سفح جبل أبي قبيس، وقد ذكر أبو إسحاق الحربي في وصفه لجبل الصفا أن طرفاً من جبل أبي قبيس يتعرج خلف جبل الصفا.
والصور الفوتوغرافية الملتقطة تدل على امتداد جبل الصفا إلى جبل أبي قبيس -الذي عليه الآن قصر الضيافة-، وقد ذكر فضيلة الشيخ عويد المطرفي: "أن التغيير الذي وقع لجبل الصفا وقع على مرحلتين أولاهما عام 1375هـ، حين قطعت أكتاف جبل الصفا، وفتح عليها شارع لمرور السيارات يصل بين أجياد والقشاشية، والثانية: في عام 1401هـ حين أزيل هذا الشارع وقطع الجبل من أصله وفصل موضع الصفا عن الجبل، وفتح بينه وبين الجبل الأصلي طريق متسع للمشاة بين ما بقي من أصل الجبل وبين جُـدُر الصفا، بيد أن أصله وقاعدته موجودة تحت أرض الشارع المذكور".أ.هـ. من: "عويد المطرفي في كتابه: رفع الأعلام بأدلة توسيع عرض المسعى المشعر الحرام ص9".
والشيخ المطرفي أثبت شهادته كتابة، وشهادة في المحكمة العامة بمكة بتاريخ 25/12/1427هـ مع غيره من الشهود أمام القاضي الشيخ عبد الله بن ناصر الصبيحي، نقلاً عن كتاب: "توسعة المسعى عزيمة لا رخصة". أ. د/ عبد الوهاب أبو سليمان.
وقد يسر الله لي شخصياً الدخول إلى موقع المشروع الحالي في شهر جمادى الأولى 1429هـ، إلى موقع هذا الشارع المذكور فرأيت بنفسي امتداد صخور ما بقي من جبل الصفا -وهو ما كان يقف عليه الناس داخل المسعى القديم- إلى سفح جبل أبي قبيس -الذي عليه قصر الضيافة- مما لا يشك معه الناظر أنه امتداد للجبل، وأنه صخر واحد متصل، فضلاً عن الدراسات الجيولوجية المؤكدة لذلك، وإن كان الأمر لا يحتاج إلى ذلك، لأنه في منتهى الوضوح. وأنا أدعو المشايخ الذين منعوا من توسعة المسعى إلى إدراك الفرصة قبل أن يتم العمل، ويتغطى المكان بالرخام وغيره، وأن ينزلوا بأنفسهم لمعاينة المكان وعندها أظن أن الأمر سيختلف في كلامهم.
وكذا في أمر المروة فإن امتداد الصخر امتداد واحد إلى أوسع من مساحة المسعى الجديد عرضاً بحيث أنها تتسع لمزيد من التوسعة، وكلها بين الصفا والمروة حيث أن المروة جزء من سفح جبل قعيقعان، وامتداد صخوره شرقاً واضح ظاهر للعيان.
وقد أخبرني من شاركوا في أعمال الحفر من إخواننا العمال المصريين أن أرض المسعى بعد الجبلين، إنما هي أتربة خالية من الصخر إلى أن يصل الحفر إلى الماء، بخلاف موضع الجبلين فإن صخورهما واضحة الامتداد، وكانت قبل ذلك مرتفعة عن سطح الأرض كما دلت عليه الصور وشهادة الشهود والكلام التاريخي للعلماء(1).
وأما ما ذكره بعض المتقدمين من تحديد عرض المسعى بـ 35.5 ذراعاً فهو في الحقيقة وصف للواقع الذي شاهدوه وليس ذلك بتحديد شرعي يلزم الرجوع إليه، بل الواجب أن يكون السعي بين الصفا والمروة، وقد كانت البيوت مقامة على الصفا وعلى المروة، والحوانيت التي أزيلت كانت أيضاً في المسعى قبل العمارة السعودية الأولى. فهل لو قيس المسعى عرضاً في وجودها يكون ذلك تحديداً شرعياً ملزماً، وهي قد أخذت جزءاًً من المسعى كما أخذت البيوت القديمة جزءاً منه؟
ولو أن أحداً قاس قطر المطاف اليوم شمالاً وجنوباً أو شرقاً وغرباً، ووصف ذلك الواقع هل يكون ذلك تحديداً شرعياً لا يجوز أن يوسع بعد ذلك؟
الذي لا نشك فيه أن هذا ليس تحديداً شرعياً؛ حيث لم يحدده النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا حدده المسلمون بحدود معلومة كما حددوا وتناقلوا أعلام الحرم والمشاعر الأخرى، فكان الواجب في السعي هو أن يكون بين الصفا والمروة على ما كانا عليه قبل أن تنالهما التغييرات بالتكسير أو النسف أو البناء عليها أو بينهما.
ولذا نرى أن الأدلة التي بنى عليها المانعون كلامهم لا تصلح دليلاً للمنع.
وأما المجيزون فمن بنى كلامه على مجرد التيسير والمصلحة دون ضابط ما بين الجبلين، فيلزمه تغيير المناسك والمشاعر، ولا نشك في بطلان هذا المسلك؛ فالتيسير لابد أن يكون منضبطاً بضوابط الشرع وما حدده. فعرفة والمزدلفة ومنى والحرم، وغير ذلك من المشاعر أماكن معينة أراها اللهُ إبراهيمَ -عليه السلام-، وتناقلها المؤمنون إلى يومنا هذا وإلى ما بعده، لا يسع أحداً أن يغير ما أُجمع عليه منها بزعم التيسير والمصلحة وإلا دخل في تشريع ما لم يأذن به الله -سبحانه-.
ولا شك أن قول من يقول إن المحدود لا يتسع لغير المحدود كلام باطل، واستدلال بالقواعد في غير موضعها. ثم كيف لا يكون عدد الحجاج محدوداً وهم في النهاية بشر معدودون ليسوا يزيدون إلى ما لا نهاية؟ ثم التوسعة الرأسية مع الأفقية كافية -إن شاء الله- لأضعاف هذه الأعداد، مع الالتزام بأماكن المشاعر وحدود المناسك التي شرعها الله، وإنما تضيق الأمور بسبب من صنع الناس كما ضاقت منى بسبب طريقة بناء الخيام الواسعة، وحجز أماكن لأناس مخصوصين، ولو استعملت التوسعة الرأسية لما ضاق الأمر -إن شاء الله-.
وأنا أنتهز هذه الفرصة لإسداء النصح للقائمين على المشاعر –وفقهم الله-، بشأن امتداد الخيام إلى مزدلفة لعدم وجود الأماكن بمنى مع سعتها بوجوب إعادة النظر في ذلك، فإنه كان سبباً في تضييق مزدلفة بالمساحات الهائلة التي ملئت بالخيام التي لا تُستعمل ليلة النحر -ليلة مزدلفة-، مما أدى إلى افتراش الناس الطرق المرصوفة مما يؤدي كل عام إلى بقاء الآلاف في عرفة في سياراتهم إلى الفجر، بل وإلى ما بعد طلوع الشمس مما يفوت عليهم واجب ذكر الله عند المشعر الحرام، وهو إما واجب أو ركن عند البعض من أهل العلم، بخلاف المبيت بمنى فإنه ليس ركناً عند أحد من أهل العلم ويسقط للعذر كالرعاة والسقاة، فمن لم يجد بمنى مكاناً سقط عنه ذلك، ولا وجه لإلزامه بالمبيت بمزدلفة بدلاً منها بدعوى اتصال الخيام فالخيام ليست مقصودة شرعاً، بل هي مجرد وسيلة بخلاف صفوف الصلاة.
ويمكن لمن لم يجد مكاناً بمنى -إن عجزنا عن التوسعة الرأسية ولو بالبناء فإن حديث النهي عن البناء بمنى حديث ضعيف-، يمكنه أن يبيت بمكة أو بأي مكان من الحرم، وليقترب من منى إن استطاع ويمكنه أن يقضي أكثر من نصف الليل بمنى ثم يرجع إلى حيث يجد مكاناً بمكة، هذا حتى تتسع مزدلفة لنازليها بدلاً من تعطل الناس عن هذا النسك.
وأما أدلة المجيزين لتوسعة المسعى بضابط ما كان بين الجبلين قبل التغييرات، فنحن معهم ونقول بقولهم والواقع يثبت أن المسعى الجديد هو داخل ما بين الصفا والمروة، بل والأمر يتسع لأكثر من ذلك.
وفي خاتمة هذا المقال نوجه نصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم وللقائمين على أمر المسعى وشئون المسجد الحرام:
أنه ينبغي أن يكون المسعى القديم والمسعى الجديد كل منهما ذهاباً وإياباّ حتى لا يتحرج من يرى من العلماء والمشايخ الكرام -وهم من كبار أهل العلم- بعدم جواز التوسعة فلو أُلزِم الناس باتجاه المسعى القديم إياباً من الصفا إلى المروة فقط لوقع الآلاف في الحرج؛ لأنهم يقلدون مشايخهم القائلين بالمنع، ولو سعوا في الاتجاه المعاكس للناس لحصل ضرر عظيم بخلاف ما لو سمح بجعل المسعى القديم اتجاهين، والجديد كذلك، فإنه وإن وجد الزحام في القديم أكثر من الجديد إلا أن الحاجة دافعة أكثر الناس إلى الأخذ بالقول الآخر خاصة أن عوام المسلمين يسعهم في ذلك تقليد من يثقون فيه من علماءهم القائلين بالجواز.
وكما وجد من لا يرى جواز السعي في الطابق الثاني والثالث عند بنائهما، ولا يزال السعي في الطابق الأرضي أكثر زحاماً إلا أن الحاجة دافعة الأكثر إلى السعي في الطوابق العليا، وصار القول بالمنع من ذلك مهجوراً مع مرور الزمن، فكذلك عسى أن يكون الأمر في أمر المسعى الجديد، دون إحراج لأهل العلم ولمن يتبعهم ودون استعمال سلطة ولي الأمر في أمر فيه اختلاف واجتهاد، وليس هو مما قال فيه البعض: "إن حكم الحاكم يرفع الخلاف"، بل هذه القاعدة في غير هذا الموضع، والله أعلم.
وقد تدارست هذا الموضوع مع إخواني الأفاضل: الشيخ د/ محمد إسماعيل المقدم، والشيخ د/ أحمد حطيبة، والشيخ د/ سعيد عبد العظيم -حفظهم الله جميعاً-، فوجدت كلهم يوافق على السعي في المسعى الجديد، والحمد لله رب العالمين.
وأسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين على الهدى، وأن يرينا مناسكنا، وأن يتوب علينا إنه هو التواب الرحيم.
__________________








فرحة مسلمة غير متصل